مريم مجدولين لحام

عقْد عمل جديد وموحّد... وطعْن به يتحضّر أمام "شورى الدولة"

إلغاء نظام الكفالة المجحف خطوة غير كافية

15 أيلول 2020

02 : 00

حجز الباسبور عبودية
كشفت صياغة "عقد عمل جديد وموحّد لعاملات الخدمة المنزلية المهاجرات في لبنان" عن ثقل المسؤولية، وقلة الخبرة الحقوقية لوزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال المهندسة لميا يمين. إذ أنها،على الرغم من حسن نيتها، عجزت بصلاحياتها التنفيذية عن إلغاء "نظام الكفالة" الذي يستعبدهن، ولم تستطع حتى الضغط على الكتل النيابية لتعديل قانون العمل الذي يجردهن من صفة الأُجَراء في مادته السابعة ويحرمهن من حقوقهن المشروعة.





بعيداً عن الشعارات والتصريحات الحماسية للوزيرة المغادرة وزارتها وعن المهللين للخبر، فمن يطلع على تفاصيل العقد الجديد يجد فيه "تصديراً للأزمة" وليس حلا جذرياً لها، في ظل عدم وجود آليات تطبيقية واضحة تراقب تنفيذه وغياب الوضوح في بنوده، وهو ما يطرح أسئلةً كثيرة عن مصيره، فهل سيبدأ العمل بالعقد كما هو اليوم، أم أنه قد يتعرض للطعن أمام "شورى الدولة"؟

حقوق بديهية

وفي الوقت الذي لم يحل فيه موضوع ترك العاملات الأجنبيات أمام سفارات بلادهن بعد قيام بعض العائلات بطردهن تعسفياً من دفع مستحقاتهن أو تأمين إعادتهن لبلادهن، وفي حين لم تتطرق وزيرة العمل إلى ملف الهاربات من العنف والإساءة واللواتي لا يملكن جوازات سفرهن وينتظرن أمام سفارة بلادهن على أمل تسوية أوضاعهن أو مساعدتهن عبر حل قانوني، أصدرت وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال لميا يمين قراراً ينص على فرض "عقد العمل الموحّد الخاص بالعاملات/العمّال في الخدمة المنزلية" مع "همروجة إعلامية" في خطوة رحّبت بها منظمات حقوقية لكن اعتبرتها "غير كافية" لإنهاء نظام "الكفالة" المجحف. فما هي تفاصيل العقد وثغراته؟ وهل يعد هذا العقد كافياً لإلغاء الممارسات الظالمة بحق العاملات الأجنبيات؟



إحصاءات وزارة العمل



لعل أبرز ما تغير في عقد العمل الخاص بالعاملات المنزليات اللواتي يندرجن ضمن "الفئة الرابعة" في وزارة العمل، بأنه بات ينص على الحقوق الإنسانية البديهية للعلاقة بين صاحب العمل والعاملة وعلى ضمانات لحقوقها بالخصوصية وحرية ممارسة المعتقد الديني وبيوم عطلة أسبوعي واحتفاظها بجواز سفرها وواجباتها المحددة ضمن ساعات عمل معينة مثلاً. فصار العقد يقوم بين الفريق الاول (صاحب العمل) والفريق الثاني ( عاملة /عامل في الخدمة المنزلية) ووكالة الاستقدام (إن وجدت)، ويهدف الى تنظيم علاقة العمل بينهما وفقا للقوانين اللبنانية والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها لبنان. وبحسب العقد فإن من ابرز النقاط المترتبة على صاحب العمل هو عدم تشغيل العاملة / العامل بمهام تؤدي إلى تحقيق مكاسب مالية شخصية او استخدامه في أي عمل أو مكان آخر يختلف عن مكان العمل الأساسي حيث كانت هناك شكاوى من أن بعض اللبنانيين كانوا يعمدون الى تشغيل العاملة في المنزل ومنازل الأهل وفي مكان العمل إن كان صاحب مقهى مثلاً، ويدفع لها أجراً واحداً على الرغم من عملها في أكثر من مكان.

أما الحق البديهي الملفت الذي نص العقد عليه فهو "تأمين غرفة خاصة منفصلة ومستوفية الشروط الصحية ومجهزة بقفل، على أن يكون للعاملة مفتاحها وحدها، وتراعى فيها خصوصيتها" حيث اشتكت عاملات من عدم وجود مساحة خاصة بهن، وأنهن ينمن في المطبخ أو يفترشن الأرض في الصالون.

هذا وقد نص العقد على عدم حجز العاملة داخل المنزل بل احترام حقها بحرية التنقل والتواصل مع الآخرين وحق مغادرة المنزل والتصرف بحرية خلال العطل واحترام حقها بممارسة شعائرها الدينية وعاداتها الثقافية على ألّا يتعارض ذلك مع أوقات العمل المحددة وحرمة المنزل. وضمان حقها في إجراء الاتصالات وفي امتلاك الهاتف المحمول، وبتلقي الاتصالات الهاتفية من أفراد أسرتها على هاتف المنزل وبالوصول المجاني إلى الإنترنت ضمن الحدود المعقولة إذا كان ذلك متاحاً وتأمين بوليصة تأمين تغطي الرعاية الصحية والحوادث وفقا لشروط وزارة العمل. وأعطاها الحق بالاحتفاظ بوثائقها بما في ذلك جواز السفر أو الهوية وإجازة العمل وجواز الإقامة وبطاقة التأمين، على أن يتحمل المسؤولية في حال فقدان هذه المستندات أو تعرضها للتلف إذ كان في معظم الأحيان صاحب العمل يحجز الأوراق وجواز السفر.




من التحركات السابقة للعاملات المهاجرات



ومن اهم البنود، تحديد العقد الحد الأقصى لساعات العمل الأسبوعية بثمان وأربعين ساعة وبمعدل ثماني ساعات يوميا، واي ساعات إضافية يدفع بدلا عنها بزيادة قدرها 50% عن الساعة العادية شرط ألا تتجاوز ساعات العمل اليومية بعد الزيادة اثنتي عشرة ساعة. كما يحق للعاملة بساعة واحدة للراحة بعد كل خمس ساعات عمل متواصلة وكذلك تسع ساعات راحة متواصلة ليلاً على الأقل، ومن فترة راحة أسبوعية لا تقل عن أربع وعشرين ساعة متواصلة، تحدد بالاتفاق مع صاحب العمل، ولها خلالها حرية الخروج من المنزل.

كما تستفيد العاملة من إجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة خمسة عشر يوما بعد مرور عام على بدء عملها، تصبح 18 يوما بعد مرور ثلاث سنوات من العمل. كذلك يحق لها الحصول على إجازة مرضية لمدة 15 يوما بأجر كامل و15 يوما بنصف أجر. وتستفيد سنويا من يومي عطلة تلبية لمتطلباتها الثقافية والدينية والاجتماعية. وفي حال حصول نزاع بين طرفي هذا العقد يمكن التقدم بشكوى إلى وزارة العمل أو التقدم بدعوى أمام مجلس العمل التحكيمي المختص. ولكن هنا نسأل، وبما أن العاملات هن الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، هل سيجرؤن على التقدم بشكاوى في حال الإخلال بالعقد؟

وفي ظل كل ذلك، لا بد من الإشارة إلى التراجع الكبير بأعداد استقدام العاملات الأجنبيات بحسب إحصاءات وزارة العمل حيث في سنة 2018 استقدمت 76570 عاملة أجنبية للمرة الأولى وتم التجديد لـ 129394 عاملة وفي سنة 2019 استقدمت 32953 عاملة أجنبية للمرة الأولى وتم التجديد لـ 149516 ليتراجع العدد دراماتيكيا هذه السنة الى استقدام 8735 عاملة أجنبية للمرة الأولى والتجديد لـ 73448. وهنا نسأل، هل سيدفع هذا التراجع المهول بالأعداد بالمجلس النيابي للتحرك لإنقاذ وتنظيم هذا القطاع جدياً وإلغاء نظام الكفالة من أساسه بدل آليات التجميل هذه؟ وفي حديث هاتفي مع رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله، يقول لـ"نداء الوطن" أنه كان يجدر بالوزيرة إحالة قانون العمل للتعديل بدل هذا "الترقيع" غير المجدي الذي يعطي حقوقاً بديهية كساعات الراحة وايام العطل ويحرم العاملات من أجر عادل إذ وفي بنود العقد "تم الاتفاق على إلزامية تقاضي العاملة للحد الأدنى للأجور بالليرة اللبنانية غير المستقرة، والتي تتهاوى مقابل الدولار الذي يحتاجونه لإرساله لذويهن. وبالتالي، إن تحديد الحد الأدنى للأجور بالليرة اللبنانية غير الثابتة مقابل الدولار في عقد العمل الموحد سيضع العاملات تحت رحمة الصيارفة، بمواجهة السوق السوداء التي لن ترحمهن".

وأكمل "يا ليتها عملت الوزيرة على تعديل قانون العمل، والضغط على مجلس النواب للتصديق على الاتفاقية 189 الخاصة بالعمل اللائق، والتي أقرت بالمؤتمر 100 لمنظمة العمل الدولية عام 2011، وصوت عليها لبنان حينها بنعم على الورق فقط إلا أنّ مجلس النواب لم يصادق عليها حتى اليوم، ويتملص منها منذ 9 سنوات، واليوم جاء التملص على شكل عقد موحد ترقيعي ناهيك عن أن هذا العقد غير جدي نهائياً بحيث لم يترافق مع آلية للمراقبة والفسخ وضبط عمليات الإستقدام التي تكون بغالبية الأحيان شبيهة بعمليات الاتجار بالبشر، ويخبرون العاملة أنها ستأتي إلى وضع مختلف عما تصل لتواجهه، وهنا أسأل، هل يا ترى ستتم صياغة العقد بكل اللغات الأفريقية التي تتناسب والفتاة التي توقع على العقد؟"

وأضاف عبدالله "أسست شخصياً نقابة العاملات في الخدمة المنزلية لكن حتى يومنا هذا ترفض وزارات الداخلية المتعاقبة منذ العام 2015 منحنا العلم والخبر اللازم، والنقابة من حقهن الأساسي قبل أي عقد" وتابع "كما ان العقد الجديد لم يجز للعاملة التفتيش عن عمل آخر خلال فترة شهر الإنذار رغم أن العاملات يخضعن لقانون الموجبات والعقود الذي يعتبر في المادة 50 منه، أنّه في حالة الفسخ يجوز لها ذلك".

وختم عبدالله "أخيراً تدعي الوزيرة أن العقد الجديد يلغي نظام الكفالة إلا أنه حتى لا يلغي وضع كفالة المليون ونصف مليون ليرة، فهل سيتم طرح تعديل قانوني في مجلس النواب لإلغائها؟".

حياتنا مهمة



طعن يتحضر؟

على المقلب الآخر، أشار نقيب اصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل في لبنان علي الأمين لـ"نداء الوطن" الى أنه وبدون أدنى شك إن عقد العمل الجديد قد لحظ حقوق العاملات الإنسانية ونص على بنود واضحة تحميهن من بعض الممارسات غير المقبولة إنسانياً، وهذا يفيد أصحاب الإستقدام بما أنه يطمئن العاملات نوعاً ما ولكنه رأى أن هناك مواد غريبة فيه مثل بند موجود في الصفحة الخامسة يقول إنه إذا "اعتدت العاملة على صاحب العمل أو أحد أفراد عائلته أو القاطنين في المنزل أو قامت بالتحرش أو الإعتداء الجنسي وثبت ذلك يمكنه فسخ العقد معها ولكن يتعين عليه دفع جميع الأجور والمنافع المستحقة حتى يوم الفسخ، ولكن لا يلزمه بتغطية تكلفة تذكرة العودة الخاصة بها في حال رغبت في مغادرة لبنان". من دون التطرق إلى المحاسبة قضائيا على هكذا جرم، ولمَ تم ذكر هذه الإفتراضية أساساً؟ هل الإعتداء على أفراد العائلة أو التحرش الجنسي من قبل العاملة طرح طبيعي كإحتمال؟ أظن أن ذلك يؤكد أن اقرار العقد تم على وجه السرعة وهو بحاجة إلى إعادة صياغة".

كما أوضح الأمين أنهم كنقابة في طور "إعداد طعن بالعقد" سيتقدمون به الاسبوع المقبل امام مجلس شورى الدولة يطالبون فيه ببند جزائي لردع العاملات الأجنبيات عن فسخ عقد العمل من دون إشعار في حال عدم توفر اسباب موجبة. إذ أن العقد بحسبه قد جاء "مجحفاً بحق اللبناني صاحب العمل وبحق مكاتب الاستقدام في بند فسخ العمل اذ يعطي للعاملة الحق ساعة تريد ومن دون اي سبب او عذر او تعويض تجاه المكتب او صاحب العمل".