روي أبو زيد

بيروت تسابق الوقت لإنقاذ أبنيتها التراثية قبل الشتاء

سركيس خوري: أكثر من 100 مبنى تراثي معرّض للانهيار

16 أيلول 2020

02 : 00

خلّف انفجار بيروت دماراً هائلاً في المدينة وأباد مرفأها بالكامل، لكنه أصاب تاريخاً عريقاً بجروح عدّة، حافظت عليه أبنية تراثية بجدرانها المزخرفة ونوافذها الملونة وقناطرها العالية قبل أن تتحول مجرد واجهات تخترقها فجوات ضخمة.

بقيت تلك الأبنية صامدة منذ أن كان لبنان تحت حكم السلطنة العثمانية ثم الانتداب الفرنسي. لكن تبدّل المشهد كلياً في بضع ثوانٍ مع انفجار تعادل قوته زلزالاً شدته 3,3 درجات على مقياس ريختر، فطالت أضراره الأحياء التي تقع، في محيط المرفأ. وشدد المدير العام للآثار في لبنان سركيس خوري على أن "بيروت في سباق مع الوقت لإنقاذ الأبنية التراثية التي تضررت بفعل انفجار المرفأ المروّع، قبل هطول الأمطار التي يمكنها أن تخلّف أضراراً إضافية".

ولفت خوري في مؤتمر صحافي عقده أمس في متحف سرسق ببيروت إثر اجتماع مع ممثلي ثلاث منظمات عالمية تُعنى بحماية التراث الى أنه "لدينا مئة مبنى تراثي يتعين تغطيتها قبل هطول الأمطار".

ويحتاج 45 مبنى، وفق قوله، إلى "تدعيم كامل لوجود خطر الانهيار و55 مبنى إلى تدعيم جزئي"، منبهاً "إذا لم نفعل ذلك، سنواجه الكثير من الأضرار التي ستلحق بالأسقف المطلية والمباني التي يمكن أن تنهار". وأضاف خوري أننا "في سباق مع الوقت"، مردفاً "إنها مسألة أيام قليلة أو بضعة أسابيع على الأكثر، للقيام بكل هذا، سيكون أمراً صعباً للغاية".





وتسبّب انفجار ضخم في مرفأ بيروت في 4 آب بمقتل أكثر من 190 شخصاً وإصابة أكثر من 6500 بجروح. وألحق أضراراً جسيمة بآلاف الأبنية، بعضها ذو طابع تراثي خصوصاً في الأحياء المجاورة للمرفأ.

وتدفقت إثر الانفجار المساعدات إلى لبنان من جهات عدة. وتعمل منظمات ومتطوعون في توزيع المساعدات والقيام بأعمال الترميم البسيطة، كإصلاح نوافذ أو أبواب أو جدران أطاح بها عصف الانفجار.

ووقّع رئيس التحالف الدولي لحماية التراث الثقافي في مناطق النزاع فاليري فريلان اتفاقاً في بيروت، تضمّن تمويلاً أولياً بقيمة خمسة ملايين دولار لدعم جهود حماية الأبنية التراثية. وقال "علينا أن نعمل سريعاً لحماية هذه الأبنية التراثية لأن موسم الأمطار بات قاب قوسين".

وتحدّث إدوار بيطار، الذي يرأس مبادرة "ليف لوف ليبانون" وهي منظمة غير حكومية تتولى جهود التنسيق بين منظمات دولية ومتطوعين، عن بعض العوائق اللوجستية التي تعترض عملية الترميم. وأكد أننا "نواجه اليوم مشكلة هي عدم توافر الجير. فالبيوت التراثية كلّها مبنية من الحجر الرملي الذي يحتاج إلى الجير غير الموجود في لبنان، ويجب استيراده من إيطاليا أو فرنسا".

وأفاد بيطار عن محادثات مع شركات صناعية وانشائية كبرى في الخارج لاستكشاف امكان إرسال المادة المطلوبة إلى لبنان. واذا لم يتوافر ذلك، كيفية توفير الدعم المالي لشرائها"، محذّراً من أننا "إن نعمل على إصلاح هذه المنازل بالجير، فسيصار إلى ترميمها بالاسمنت وسنُفسد كل إرثنا المعماري".

وعلى غرار منازل بيروت، ما من لوح زجاجي بقي على حاله في هذه المباني التراثية، ولم تصمد إلا قطع صغيرة من الزجاج الملون في عشرات النوافذ التي تزيّن الواجهات في قلب منطقة الأشرفية في بيروت.

وتشير المسؤولة الإعلامية في متحف سرسق مورييل قهوجي في حديث لـ"نداء الوطن" الى أن "موقع المتحف قريب جداً من مكان الانفجار لذا تضرّر بشكل كبير"، موضحةً أنّ "أبواب الحديد والخشب قد تأثّرت بشكل كبير حتّى أنّ الأسقف تهدّمت فضلاً عن تحطم الزجاج".




وتضرّر جراء الانفجار والزجاج المتطاير ما بين 20 و30 عملاً فنياً، بينها لوحة لنقولا سرسق تعود إلى الثلاثينات ورســمها الفنان الهولندي الفرنسي كيس فان دونغن. لكن الأمر لا ينطبق على "مئات" المباني التراثية في بيروت، التي تصدعت أو تهدّمت خلال المعارك والقصف إبان الحرب الأهلية.

وكان وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى لفت الى أنّ تكلفة إصلاح المباني الأثرية تُقدَّر بـ"مئات ملايين الدولارات". كما نبّه إلى ضرورة بدء العمل سريعاً قبل حلول فصل الشتاء. وكان مرتضى قد تفقّد مقر المتحف الوطني الذي تعرض لأضرار عدة إثر الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت، ورافقه الخوري، ومدير عام الهيئة العامة للمتحف آن ماري عفيش، بحضور رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير. وشدد مرتضى على أن "الخسائر كبيرة ليس فقط في المتحـف إنما هناك مئات الأبنية التراثية التي تضررت، وهي صورة عن واجهـة بيروت الحقيقيـة التاريخية والثقافية"، آملاً أن "يتم التعويض على المتضررين بعد أن بدأت الدول الصديقة التواصل معنا، لا سيما الدولة الفرنسية التي تولي هذا الامر اهتماماً خاصاً لارتباطها بتاريخ بيروت، إضافة الى عدد من الجهات والمنظمات الدولية المعنية بموضوع الارث الثقافي".