مريم مجدولين لحام

استحداث رسم لقاء "غسيل الحاويات" وفرْضه بالعملة الخضراء

رسوم أرضية وعطالة بالدولار حتى عن يوم الإنفجار

18 أيلول 2020

02 : 00

أضرار في بعض الحاويات (تصوير فضل عيتاني)
جوائح جديدة تنخر الجسد المتبقي من مرفأ بيروت المدمر، ففي وقت يعمل مرفأ بيروت بأقل من قدرته السابقة، وبالتالي تتأخّر معاملات تخليص البضائع وإخراجها، يبتز أغلب وكلاء الشحن البحري وشركات الملاحة المستوردين، ويجعلونهم يدفعون رسوم تخزين في العنبر وعطالة للحاويات حتى عن يوم 4 آب وما تلاه من أيام كان فيه المرفأ مُقفلاً، بل ويستحدثون رسوماً مبتكرة كرسم غسيل الحاويات ويفرضونها عليهم بالدولار ونقداً، على الرغم من أن أغلبية الرسوم محلية ويُفترض أن تُدفع بالليرة اللبنانية... فمن يُحاسب؟!




بإزاء كلّ الاستعصاء والإرباك والإنهاك الذي ضرب المرفأ لا يتوقع الوزير السابق فادي عبود أن تشهد السوق اللبنانية انفراجاً في الأسعار، كاشفاً لـ"نداء الوطن" عن تفاصيل هذا الملف الشائك الذي وبحسبه ما هو إلا "عملية احتيال واستغلال وسرقة متشابكة، سيدفع ثمنها المواطن المنكوب، غلاءً في أسعار السلع، في نهاية المطاف".


كتاب مفتوح

"تترافق نكبة الحرائق المتوالية في مرفأ بيروت، مع حرائق مادية تلتهم جيب المواطن اللبناني للشهر التاسع على التوالي، مع انهيار الليرة اللبنانية وعدم استقرارها مقابل الدولار من جهة، ومع القيود المصرفية التي كبلت بشكل كبير عمليات الإستيراد والتصدير من جهة أخرى"، يقول الوزير السابق عبود ذلك، ويتابع: "ومع تراجع القدرة الشرائية للمواطن، جاء انفجار مرفأ بيروت ليقضي على أحد اكبر المرافق العامة في البلاد والشريان الحيوي للاقتصاد الوطني اللبناني بشكل شبه كامل. وبدل أن يتنفس هذا المواطن الصعداء بعد "حصاره إقتصادياً" يبدو أن أحداً لا يريد أن يرحمه بمن فيهم الثلاثي المتحكم بأسعار السلع الأساسية وهم "شركات الملاحة وكلاء الشحن وإدارة المرفأ" وعليه، أرسلتُ إلى وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار كتاباً مفتوحاً أناشده فيه الإجتماع مع المعنيين والتوصل إلى إصدار قرار فوري، يقضي بايقاف المهل الممنوحة عن الأرضيات لمدة شهر اي من 4 آب الى 4 ايلول ضمناً ومنع تسجيل رسوم تخزين او عطالة حاويات في خلال هذه المدة، والتواصل مع شركات الملاحة حول هذا الموضوع، ومحاسبة من يضيف رسوماً غير منطقية وبالعملة الصعبة".

ويكمل عبود شارحاً: "علمت من عدد من المستوردين أنه وعلى الرغم من توقف المرفأ وتراجع طاقة تخليص البضائع، تقاضى المرفأ مبالغ "الأرضية" أو "التخزين" حتى عن نهار 4 آب كما عن الأيام التي تلت الإنفجار وكان الوضع حينها مزرياً والمرفأ والجمارك خارج الخدمة، من دون الأخذ في الإعتبار أن المرفأ مقفل وأن القوة القاهرة حالت دون قيام المستورد بإخراج بضائعه، ولا حتى تفهّم المعنيون أنه حتى ولو عاد المرفأ إلى العمل فهو لم يعد بقدرته الكاملة السابقة كي تتم المعاملات الجمركية وتخليص البضائع على هذا الأساس".

ويتابع عبود: "لا أنكر أن إدارة المرفأ تقوم ما بوسعها، لكن لا بد من الإشارة إلى أن أغلب العنابر قد دمرت بالكامل، وحتى لا يصلح المرفأ حالياً لتخزين البضائع، والدليل أنه يتم تفريغ حاويات المواد الغذائية كالقمح من الباخرة وتوضع في الشاحنات مباشرة وترسل إلى المطاحن فوراً".


فادي عبود




من جهته، أكد مسؤول العلاقات العامة والإعلام في نقابة مالكي الشاحنات العمومية شفيق أبو سعيد لـ"نداء الوطن" أن ما يقوله الوزير السابق عبود صحيح وأن "وضع المرفأ حالياً ليس كالسابق، وأن هناك تأخيراً كبيراً يحصل بخاصة في موضوع التفتيش". ويضيف أنه وعلى الرغم من "تفتيش الجمارك للحاويات في "بورة الكشف"، فإنه يتم تفتيشها مجدداً على الباب وببطء شديد ما يعرقل الدخول والخروج".

أما في شق شركات الملاحة، يشرح عبود أن "هيئة إدارة واستثمار مرفأ بيروت تستوفي الرسوم بالعملة اللبنانية، في المقابل ما زالت أهم شركات الملاحة كـ"ميرسك لاين" و "أم أس سي" تفرض دفع رسوم التخزين والـTVA بالدولار على المستوردين، أي يصبح المواطن تحت سيطرة السوق السوداء مباشرة". ويسأل: "أين وزارة الأشغال من الإجتماع بها، ولماذا لا تتقاضى الدولة منها بالدولار ما دام المواطن يدفع بالدولار. لماذا تسدد بـ"اللبناني" إلى خزينة الدولة وتفرض على المواطن مبالغ نقدية وبالدولار الصعب. المطلوب إما التقاضي منها بالدولار أو الإتفاق معها على أن تقبل بالليرة اللبنانية أو بالشيك المصرفي من المستورد". تواصلت "نداء الوطن" مع شركة "ميرسك لاين" للتحقق من الأمر، فأفادنا موظف مسؤول أنه "قمنا بدراسة كل ملف على حدة، وقمنا ببعض الحسومات بحسب الحالة ولكننا نعتبر أن المرفأ قد عاد إلى العمل بشكل كامل في 12 آب، وهناك من وصلت شحناته في حزيران مثلاً ويحاول التملص من الدفع بحجة الكارثة. وعليه، كان لا بد لنا من دراسة كل ملف وحده، ولكن صحيح أن كل المتوجب على المستورد عليه دفعه بالدولار ونقداً ولا يُقبل أي مبلغ بالليرة اللبنانية كما لا نقبل شيكات مصرفية".

فضيحة أخرى كشفها عبود لـ"نداء الوطن" وبالمستندات، وهي بيع أذونات التسليم بالدولار، وفرض شركات الملاحة ووكلاء الشحن رسوماً أطلقوا عليها إسم "غسيل الحاويات"، وبرأيه "هي سرقة وعلى عينك يا دولة، وإذا كانت تُغسل الحاويات بعد إعادتها، لماذا يدفع المستورد لشركات الملاحة بالدولار ثمناً للغسيل، أليس من المفترض أن تغسل الحاويات عادة بغض النظر عن الإنفجار؟ ولماذا يتم تحميل هكذا مبلغ على المستورد؟ أليس من المفترض أن تتحمل شركة الملاحة نفسها هكذا أمر وأن تراعي وضع البلاد في ظل كارثة كهذه غير متوقعة؟، إنهم يدقون المسمار الأخير في نعش المواطن الذي فقد أساساً قدرته على العيش الكريم".

ويختم عبود: "نرجو التحرك سريعاً لضبط ما يحدث في المرفأ من إضافات للكلف قبل فوات الأوان، وعلى المعنيين الإجتماع بشركات الملاحة وضبط الوضع على وجه السرعة، وإلا ستزيد أسعار السلع بشكل دراماتيكي. ناهيك عن مراقبة المخلصين الجمركيين الذين يبدو وكأنهم يستفيدون من هذا الوضع ويصبّون الزيت على النار في وقت لم يعد لبنان قادراً على التحمّل".


قدرة التخليص وإخراج الحاويات اختلفت



إلغاء رسوم "بالسر"

واستتباعاً لرسالة عبود، تواصلت "نداء الوطن" مع مستشارة وزير الأشغال العامة في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، جهاد العشي، التي شرحت أنه ليس للوزير أي صلاحيات تنفيذية في هذا المرفق المدمر، فهو "مشرف وليس وصياً". فسألنا: "من هي السلطة التنفيذية المعنية بأمور المرفأ يا ترى؟".

بحسب العشي، كان على عبود توجيه رسالته إلى إدارة المرفأ مباشرة، إلغاء وزارات أخرى كالداخلية والمالية. فقد طلب الوزير (نجّار) أن يكون وصياً وليس مشرفاً على المرافق الحيوية للبلاد ولكن لم يتغير الوضع للأسف. وعليه وحتى الساعة، يقوم الوزير بمراجعة وتصديق القرارات التي يتخذها المدير العام لإدارة واستثمار مرفأ بيروت بالتكليف باسم القيسي، الذي كشف بدوره لـ"نداء الوطن" عن إجراءات بادر إلى اتخاذها، لتخفيف العبء عن كاهل المواطن. وهي "إعفاء أول 15 يوماً من كلفة الأرضية بالكامل حتى 19 آب، وإعفاء 50% من كلفة الأرضية حتى الرابع من أيلول". واستطرد: "ولكن، تم توقيع هذا القرار من قِبل وزير الأشغال منذ أيام وبمفعول رجعي"، وبحسبه "هناك من عاد ليستلم المبالغ التي دفعها".

فوجئنا بهذا القرار الذي يبدو "سرياً للغاية" إذ إنه لم يعمم على وسائل الإعلام، ولا على المستوردين ربما انطلاقاً من عدم قدرة إدارة المرفأ على التواصل مباشرة مع المستورد. والسؤال هنا، هل يعلم المستورد اللبناني والتاجر أنه يمكنه إستعادة أمواله المدفوعة؟

يقول مستورد المواد الغذائية "نزار أبو جابر" لـ"نداء الوطن" أنه لا يعلم أي شيء عن قرار كهذا على الرغم من أنه وفي يوم وقوع انفجار مرفأ بيروت كان لديه 67 حاوية سلمت، وقد دفع كل الرسوم سواء رسوم المرفأ أو الحاويات بالدولار الأميركي ونقداً. كما أكد أنه قد دفع أيضاً "رسوم غسل حاويات".


حاويات سليمة بين الخراب




برّاني

وأضاف: "هنالك مبالغ ندفعها من دون أي فواتير تسمى "البراني" للكشافين والمسؤولين ومن يقول عكس ذلك يكذب، كما أننا دفعنا حتى عن متأخرات يوم الإنفجار وما بعده، وكلها بالعملة الصعبة وفي النهاية لن تحسم من جيبي كمستورد، سأعتبرها من كلفة البضاعة، وسيدفعها المواطن. وبالتالي نحن أمام دائرة مقفلة واستغلال للكارثة أما الفاتورة النهائية فيدفعها المستهلك".

وحول قرار الإعفاء من أرضية المرفأ وإمكان استرداد ماله الذي دفعه الذي كشفه القيسي قال: "أولاً، لا أنا ولا المستوردون أصدقائي نعرف عن هذا القرار وما يدخل لجيب الدولة لا يعود، فلنبحث معاً على محرك غوغل لماذا لم يتم نشر هكذا قرار يُرجع المال للمواطن، عادة ما "يطبلون" لإنجازات كهذه. للأسف إن المرفأ يمشي على نهج ما أخذ لا يرد، وأتحدى أن يثبتوا لنا عكس ذلك. ثانياً، فليشرحوا لنا، لماذا يفرض علينا الدفع بالدولار على الرغم من أن الكلفة يجب أن تكون بالليرة اللبنانية؟ أين المحاسبة، إذا كان مدير المرفأ غير معني بشركات الملاحة، والوزير مشرف فقط، من هي الجهة التي يجب أن تحمي المواطن، فليخبرونا كي نتوجه إليها. ثالثاً، مشكلتنا الكبرى مع التأخير هي مالية في الأساس لأن أوراق الشحن تتأخر مع تأخر تأمين الدولار، ويتأخر إخراج بضائعنا لنفس السبب، الكل يريد دولاراً ولا أحد يرحم المواطن".



باسم القيسي



نشاط مرفئي بالأرقام

كشف باسم القيسي أن بجهود جميع العاملين في مرفأ بيروت، استطاعوا تفريغ 540 حاوية و7 آلاف طن من القمح بعد 3 ايام فقط من وقوع الإنفجار وأنه بعد مرور أسبوعين، تمكنوا من افراغ نحو 9 آلاف حاوية بنجاح. كما وصل عدد افراغ المستوعبات إلى 36 ألفاً في أول شهر أيلول الحالي. كما أكد أن ما يشاع عن تراجع القدرة التشغيلية للمرفأ غير صحيح، بل إن المرفأ يعمل بكامل طاقته سواء في الإستيراد أو التصدير أو التفريغ والتحميل، وأنه حتى أول الشهر تم افراغ حوالى 95 ألف طن من المواد الغذائية وتم استقبال أكثر من 40 باخرة شحن.