ألان سركيس

برّي في الإجتماع المالي... بعبدا تُعيد زمن الـ"ترويكا"

15 آب 2019

10 : 12

مقدمة الدستور تنصّ على أن النظام اللبناني قائم على "مبدأ الفصل بین السلطات"

لا شكّ أنّ المرحلة الحاليّة التي تمرّ بها البلاد هي إقتصاديّة بامتياز على رغم بعض الملفات السياسيّة الضاغطة التي تفرض نفسها، لذلك لا بدّ من استحضار الحلول المهمّة لإنقاذ البلد.

كان لافتاً الإجتماع المالي الذي عُقد في قصر بعبدا الجمعة الماضي، ويدخل ضمن الإجتماعات الضروريّة، خصوصاً أن رئيسي الجمهوريّة ميشال عون والحكومة سعد الحريري تقع على عاتقهما مهمّة إيجاد الحلول اللازمة والضروريّة لإنقاذ الوضع وعدم السماح لمسلسل الإنهيار الإقتصادي أن تستمرّ حلقاته.

عُقد الإجتماع قبل ساعات من المصالحة بين رئيس الحزب "التقدّمي الإشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس الحزب "الديموقراطي اللبناني" النائب طلال إرسلان في بعبدا برعاية عون وحضور الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه برّي.

ولا ينكر أحد مدى الجهد الذي بذله برّي من أجل إتمام هذه المصالحة وأدّت في نهاية المطاف إلى معاودة مجلس الوزراء لإجتماعاته.

وفي مقاييس الربح والخسارة تبيّن أن خيار رئيس "التيار الوطني الحرّ" الوزير جبران باسيل و"حزب الله" وإرسلان بإحالة ملف "قبرشمون" إلى "العدلي" سقط في المعركة، وتحققت الخسارة نتيجة صمود جنبلاط في المواجهة والتفاف الحلفاء حوله، لكن ما يدعو إلى الإستغراب هو حضور برّي الذي يرأس السلطة التشريعيّة الإجتماع المالي الإقتصادي في قصر بعبدا، في حادثة تدعو إلى طرح أكثر من سؤال. إستغراب ليس للتقليل من قيمة بري أو أهمية حضوره، بل لأنّ مقدمة الدستور تنصّ على أن النظام اللبناني قائم على "مبدأ الفصل بین السلطات وتوازنها وتعاونها"، وبالتالي فإن السلطة التنفيذيّة ينفصل عملها عن السلطة التشريعية.

لكن الأخطر من كل هذا هو عودة الصورة القديمة التي رُسمت في أذهان اللبنانيين في فترة الوصاية السورية، وهي صورة "الترويكا" المؤلّفة من رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة والتي لم تكن تجربة إيجابية أو مستحسنة.

وهنا يُطرح السؤال عن أهداف القصر الجمهوري من وراء حضور بري مثل إجتماع إقتصادي كهذا، وهل إنه لتغطية خسارة "محور الممانعة"، معركة قبرشمون وللتخفيف من إرتداداتها السلبية عليه، والتلطّي بعباءة بري من أجل إظهار صورة موحّدة لأركان الدولة بأن الأمور تسير على ما يرام؟.

ويطرح فريق رئيس الجمهورية شعارات كبرى من أجل تصحيح الخلل، وأبرزها إستعادة صلاحيات رئيس الجمهوريّة، لكن خطوة بعبدا في إحياء "الترويكا" سواء كانت عن قصد أم عن غير قصد فإنها تولّد "مخاوف" عند اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً.

فالشعب اللبناني هو مع إعادة إحياء المؤسسات الدستورية ومعاودة عملها بشكل طبيعي، إذ إنه لا قيام لدولة فعلية ما لم تقم السلطات بواجباتها، وهنا أهمية الفصل بين سلطة تشريعية منتخبة من الشعب وتنفيذية تتم مراقبة عملها من سلطة تشريعية، وبالتالي فإن إختصار السلطات والمؤسسات بثلاثة أشخاص وفق تركيبة "الترويكا" يقضي على الأمل بقيام مؤسسات الدولة بواجباتها ويعيدنا إلى زمن قد ولّى، في وقت كان يجب أن تنتبه دوائر بعبدا إلى هذه النقطة.

وأمام رفع فريق العهد لشعار إستعادة حقوق المسيحيين، يمثّل إحياء "الترويكا" من بعبدا ضرباً لهذه الحقوق وتكريساً للمثالثة بدل المناصفة، ويمثّل بطريقة غير مباشرة تقاسماً للسلطة بين الرئيس المسيحي والرئيس السنّي والرئيس الشيعي، وهو ما يضرب مبدأ الشراكة الوطنيّة ويغيّب بقية المكونات الوطنيّة.

ولا تبدو الخطوة التي أقدمت عليها بعبدا موفّقة في الشكل والمضمون، إذ إن الشكل يدل على إحياء "الترويكا" المنتهية الصلاحيات، أما في المضمون فإن مثل هكذا إجتماعات يجب أن تكون بعيدة من السياسة، وحسابات الربح والخسارة، فخسارة معركة محور "الحزب"- باسيل- إرسلان، معركة قبرشمون، لا تعوّض باجتماعات مالية لأغراض سياسيّة، بل إنّ الأساس يبقى إستنفار مؤسسات الدولة وتكريس الوقت للبحث عن حلول للأزمات الإقتصاديّة التي تعصف بالبلاد.


MISS 3