ريتا ابراهيم فريد

الثورة الشعبية... بين قائد وقيادة

23 أيلول 2020

02 : 00

يحلم البعض بثورة جذرية في لبنان على غرار الثورات الكبرى التي قرأنا عنها عبر التاريخ، حيث تغيّرت فيها الأنظمة بأكملها وحقّقت تغييراً شاملاً على جميع المستويات. ومن هُنا يتساءل كثيرون عن سبب عدم وجود قائد لثورة 17 تشرين، في مقابل من يرى أنّ هذه الثورة يجب أن تبقى عفوية كما نشأت، من دون الحاجة الى قائد واحد يترأّسها على غرار الزعامات التقليدية. هذا ويشدّد قسم آخر على ضرورة وجود لجنة قيادية تتحدّث باسم الثورة، وتمارس بالتالي دوراً فعلياً بالضغط على السلطة بهدف إحداث التغيير المطلوب.

جيلبير ضومط: نرفض أن يكون للثورة زعيم على غرار زعماء الطوائف

أشار الناشط المدني جيلبير ضومط الى أنّ عشرات الثوّار برزت أسماؤهم بقوّة، سواء في مجالاتهم وخبراتهم أو في نشاطهم الإجتماعي والتنظيم الميداني، مضيفاً أنّ هؤلاء فرزتهم الثورة كحالة مجتمعية إنطلاقاً من تجاربهم. لكن في المقابل، شدّد على رفض فكرة أن ينتج عن الثورة قائد واحد أو زعيم لدولة مدنية على غرار نموذج زعماء الطوائف، مشيراً الى أنّ الثورة تسعى الى الديموقراطية مع أشخاص كفوئين يلعبون أدواراً قيادية بالمداورة. وتابع قائلاً: «الأزمنة تختلف، كذلك الواقع السياسي والإجتماعي والدولي. لذلك نقول أنه من غير الضروري أن يكون للثورة اللبنانية قائد على غرار الثورات التي شهدها العالم عبر التاريخ».





هذا ولفت جيلبير الى أنّ نموذج الزعيم ليس متواجداً في الدولة الديموقراطية المدنية الحديثة. والثورة حسب قوله نشأت كي تلغي فكرة الزعيم القائد والتبعية له. من هُنا حذّر من خطر الانزلاق في هذه الذهنية التي تبحث الثورة عن تغييرها. كما اعتبر أيضاً أنّه من المستحيل اختيار قائد واحد لأنّ الثورة لكلّ الناس، وجماليّتها أنها تشمل كلّ التنوّع الفكري والإجتماعي ومختلف الرؤى الاقتصادية والسياسية. وبالتالي سوف تبلور نفسها تدريجياً ضمن تنظيمات سياسية جديدة تكتسب شرعيّتها عبر مشروع سياسي من خلال الانتخابات.

من ناحية أخرى، أشار ضومط الى أنّه تمّ إطلاق ورقة سياسية مشتركة لمجموعات سياسية معروفة منذ فترة. وبعد يومين بادرت مجموعات أخرى بدورها الى طرح ورقة مشتركة أيضاً. واعتبر أنّ هذه الأطر تدلّ على رغبة المجموعات في خلق تنظيم معيّن ضمن مشاريع سياسية، وأضاف: «التحدّي هو أن يحصل تلاقٍ مشترك قبل الانتخابات النيابية المقبلة، لأنّ كل هذه المجموعات مجبرة على التفاهم حول خطّة إنتخابية مشتركة لتتمكّن من مواجهة السلطة السياسية المتجذّرة».


ماهر أبو شقرا: الزعامات السياسية في لبنان شوّهت مفهوم القيادة

من جهته، يطرح الناشط في حركة «لـحقّي» ماهر أبو شقرا السؤال بطريقة مختلفة: «لماذا يجب أن يكون للثورة قائد؟»، ويستطرد: «علماً أنّ هذه الثورة تثبّتت من خلال لامركزيتها، إضافة الى أنها انطلقت من مختلف المناطق اللبنانية كاحتجاج وتضامن شعبي كبير على امتداد الوطن حول قضايا محدّدة وواضحة». وأضاف أنّ الثورة حين بدأت في 17 تشرين كان الخطاب نفسه يتكرّر في كل الساحات بشكل عفوي، ما يُظهر أنّ تكوين هذه الثورة فرض ألا يكون لها قائد موحّد. لكنّه أشار الى أنّ ذلك لا يعني أن الثورة ليس لها قيادات، وأوضح: «هناك عدد كبير من القيادات والتنظيمات السياسية والمجموعات الجديدة التي نشأت. وبالتالي هناك تعدّدية في القيادة، وهذا الأمر مفيد لأنه يزيد من مستوى الإنخراط. واليوم جزء من ثورة الشعب اللبناني هو ثورة على التبعية، ولا أعتقد أن الحاوية التي يأتي منها الثوار هي حاوية متصالحة مع مبدأ القائد، خاصة أنّ الزعامات السياسية في لبنان شوّهت مفهوم القيـادة عبر التاريخ».





وشدّد ماهر على أنّ المطلوب اليوم أن يحصل تنظيم أكبر لمجتمع الثورة المعارض، خاصة أنّ المرحلة المقبلة ستضعنا أمام تحدّيات سياسية، وستصبح الأولوية للعمل السياسي وللبرامج والطروحات أكثر من العمل المباشر على الأرض. وتحدّث عن الدعوة الى إنشاء مجالس محلية في كل المناطق كنوع من مجلس وطني للثورة على أساس تمثيلي، أي أن يختار الثوار ممثليهم في هذا المجلس من أجل خلق إطار تنسيقي يعبّر عن الأفراد المشاركين في الثورة كأفراد وليس كمجموعات، وتابع: «لا سيما أننا لا نعرف الكثير من المجموعات الموجودة، وهناك تخوّف دائم من الثورة المضادّة ومن شغل الأجهزة. لذلك الحلّ في أن ننتج جسماً تمثيلياً منتخباً من الأفراد المشاركــين في الثورة».



أنطوان القسيس: لا يمكن اختيار قيادة للثورة قبل الاتفاق على مشروع موحّد

أشار الناشط أنطوان القسيس الى أنّ الثورة بشكل عام يجب أن تنطلق من مبادئ، وثورتنا في لبنان لم تحدّد حتى اليوم عنواناً سياسياً لها كي يتمّ العمل على تنفيذه.

واعتبر أنه في الوقت الحالي لا يمكن أن يكون للثورة قائد، بل أمانة عامة أو لجنة قيادية تتشكل من مجموعات الثورة، وهذا لا يمكن أن يحصل قبل أن يتمّ الإتفاق على مشروع سياسي موحّد. كما اعتبر أن «الثغرة كانت بتقديم الشأن المطلبي على الخيار السياسي الذي يجب أن يكون الأساس، لأن العطب هو في تجاوز الدستور لصالح هيمنة السلاح على كل قرارات الدولة وليس فقط على قرار الحرب والسلم»، حسب قوله. وأضاف أنّ هناك لجاناً عدّة داخل الثورة حاولت أن تجتمع أكثر من مرة، لكن تبيّن أنّ قسماً منها يعمل كطابور خامس بتوجّهات الأحزاب والسلطة بهدف خرق الثورة.





من ناحية أخرى، كشف القسيس أنه سأل أحد الدبلوماسيين الأجانب عن انتفاضة 14 آذار خلال لقاء جمعه به، حيث أكّد الأخير له على أنّ مسألة خروج الجيش السوري من لبنان لم تكن مطروحة حينها، لكنّهم رضخوا أمام إصرار الشعب ورغبته بذلك. وفي السياق ذاته، أشار أيضاً الى أنّ مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر أكّد خلال لقائه بعدد من الثوار على أنه لا يمكن أن يحصل أي تغيير ما لم يخرجوا بمشروع سياسي موحّد. ومن هُنا يجب تحديد المطالب، حيث يمكن حينها أن يتمّ عرضها لدى الأمم المتحدة أو الدول الخارجية للإرشاد والتوجيه وتقديم المساعدة.

في المقابل، أكّد على ضرورة أن يحصل تعاون بين مجموعات الشباب الذين يريدون فعلياً التغيير، وبين نخبة من السياسيين المثقّفين ذوي الكفّ النظيف، الذين يقبلون بأن يواجهوا الثوار وأن يستمعوا لمطالبهم وحتى لانتقادات الثورة لهم. وأعطى بعض الأسماء مثل الوزراء السابقين غسان سلامة وطارق متري وابراهيم شمس الدين، أو بعض النواب الذين قدّموا استقالتهم. وشدّد في الختام على أنّ التغيير لا يكون على حساب جماعة أو طائفة، إنما بتعاون جميع اللبنانيين. كما أنّ الثورة لا يمكن أن تحقّق الخلاص للبنان ما لم يحصل ذلك تحت سقف الدستور والطائف والعلاقات المميزة مع الدول العربية.



دكتور الياس مطر: ضرورة عقد مؤتمر وطني كبير للخروج ببرنامج موحّد

أشار أستاذ العلوم الإجتماعية السابق في كلية الفنون والعمارة في الجامعة اللبنانية الدكتور الياس مطر الى أنّ الأسباب الإجتماعية النفسية التي تمنع جماعة ما من إعطاء القيادة الى شخص محدّد، تكمن في أن هذا الشخص لا يجسّد إنتظاراتها وآمالها، ولا يعبّر عن أوجاعها ومشاكلها وقلقها.

وأضاف أنّ القيادة بمفهومها ليست فقط سيرورة ذات اتجاه واحد، فالشعب يختار قائده، لكنّ القائد أيضاً يفرض نفسه على شعبه وعلى جماعته، ويجب تلاقي ديناميكيّتين نفسيّتين وإجتماعيّتين لبروز قيادة في جماعة ما. كما أنّ القيادة تنبع من شخص يملك كاريزما ومؤهّلات كلامية وحركية من خلال جسمه وعينيه، إضافة الى مفردات وأفكار وآراء تتلاقى مع متطلّبات الجماعة.

وعن ثورة لبنان، أشار الدكتور مطر الى أنّ هناك مجموعة قادة ثانويين برزوا كمحرّكين أو منسّقين أو متكلّمين باسم جماعات الثوار. ولفت الى أنّ هناك أسباباً معقّدة لعدم بروز قائد واحد، فالنزول الى الساحات للاعتصام لم يقتصر على المواطنين والأفراد فقط، «إنّما الأكثرية كانت من أعضاء في جمعيّات ومنظّمات، وبالتالي هم أشخاص مؤطّرون ولديهم بنى ينضوون تحتها، والمشكلة هي على مستوى قيادات هذه الجماعات»، حسب قوله.



ولفت الى ضرورة أن يجتمع المنسّقون لكلّ هذه الحركات، وقال: «سمعتُ أنه منذ فترة اجتمعت أكثر من ستين منظّمة وخرجت بنداء واحد ومطالب واحدة، وأعلنتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ومنذ شهرين حصل مؤتمر أيضاً، وهذا أمر جيّد وربما يقودنا الى تنظيم».

من جهة أخرى، اعتبر أنه لا يمكن مقارنة ما يحدث في لبنان بالثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر أو الثورة الشيوعية في روسيا. وشبّه ثورة لبنان أكثر الى حركة القمصان الصفر في فرنسا. وشدّد على ضرورة خلق مسار عقلاني في الثورة وأن يتمّ عقد مؤتمر وطني كبير للخروج ببرنامج موحّد أو بمجموعة من الأفكار من خلال طاولة مستديرة.


MISS 3