سناء الجاك

وإن ولدت...

26 أيلول 2020

02 : 00

يحافظ "الثنائي الشيعي" على الواجهة من خلال إعلانه مراراً وتكراراً تمسكه بالمبادرة الفرنسية. ويعطي من طرف اللسان حلاوة مغمسة بالنوايا الحسنة المتعلقة بتشكيل حكومة مصطفى أديب العتيدة.

والمعروف أن طريق جنهم التي بشَّرنا بها رئيس جمهوريتنا القوي مفروشة بالنوايا الحسنة، التي لا تفسد للودِّ قضية جراء تمسك أصحاب هذه النوايا بالشروط التعجيزية التي تُطرح وتتلوى كالثعابين، وتتسلّل من الأكمام الى جسد المبادرة لتلسعها وتسممها وتعيد عملية تشكيل الحكومة الى ما كانت عليه من محاصصات وابتزاز.

وكأن مجزرة تفجير المرفأ لم تقع في 4 آب. وكأن إحتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة يكفي لتمويل الوقود والقمح والدواء الى ما شاء الله. وكأن الفساد المتجذر الذي لا يزال يفترس مصير لبنان واللبنانيين حق مكرس لأمراء الطوائف الذين يصادرون لقمة عيش المواطن الحاضر ليرمي طفله الميت في البحر لأن لا خيار لديه بمواجهة الجوع.

فأصحاب الشروط التي تقضي على احتمال تشكيل "حكومة مهمة"، تضع الخطوط المبدئية لمسيرة الإنقاذ يعتبرون المكاسب حقاً دستورياً شرعياً. وكل نقاش بشأن الأضرار المترتبة عليه خيانة ومؤامرة تستوجب نماذج مبتكرة من الإبتزاز وفق معادلة "إما دولة مدنية أو فرض هيمنة على أساس طائفي"... والمسؤولية في التعطيل ليست من صنع إيديهم، إنما هي نتيجة طبيعية ودفاعاً عن النفس والوجود بمواجهة العدوان الأميركي على المقاومة ومعه سفالة الصهاينة والمتصهينين.

والأنكى أن فرض الهيمنة يترافق مع بكائيات على الطائفة المستهدفة التي تصبح صيانة فائض القوة لديها رسالة إلهية مقدسة، حتى لو كان الثمن إنهيار لبنان. فلا وازع او مانع لدى من يتمسك بها، حتى لو صنَّفه التاريخ وقحاً مجرماً ومصراً على وقاحته وجريمته، وشريكه في الجريمة كل من يجاريه.

والأخطر أن أصحاب المبادرة خائفون عليها الى درجة الخضوع للشروط التي تفرغها من جدواها.

ومعلوم أن الخوف أول الإنزلاق. وبعدها تكر سبحة التنازلات. هنا أيضاً قد تلعب النوايا الحسنة لعبتها، فتبرر أن الفرنسيين خائفون على لبنان لأنهم يعلمون حجم الإنهيار المرتقب اذا لم يتمكنوا من وضعه على سكة السلامة، التي لا يضيرها بعض التراجع الشكلي، لأن المطلوب أكل العنب وليس قتل الناطور.

أو أن يعكس الخوف على المبادرة دقة الحسابات الفرنسية لتحديات إقليمية تبدأ من تركيا ولا تنتهي بإيران، ونجاح المبادرة يضرب عصفورين بحجر، فيفرمل الانهيار اللبناني ويقف عائقاً بوجه التمدد التركي.

أو أن حساب الحقل الفرنسي لم ينطبق على حساب البيدر الإيراني. فالانطباع الذي خرج به إيمانويل ماكرون من زيارتيه، كان الفخ الأول مع الليونة والسلاسة التي أبداها "حزب الله"، ما أدى الى تعويم الحزب لبنانياً على أمل تسهيله تشكيل "حكومة المهمة" المرتقبة. ولم يُنَبِّهَهُ أحدٌ الى المسافة الضوئية بين الضواحي الباريسية وضاحية بيروت الجنوبية.

وها هو اليوم يتخبط ومستشاريه في مستنقع الشروط التعجيزية المقرونة بدعم المبادرة الفرنسية والتمسك بها بالتزامن مع دفع أصحاب هذه المبادرة إلى مزيد من الانزلاق باتجاه "حكومة مهمة" وإن ولدت... ستولد خاوية وخالية من "مهمتها" ومشوهة ممسوخة ميتة.


MISS 3