د. ميشال الشماعي

"مار مخايل" يغرق ويحتاج الى نسخة جديدة

26 أيلول 2020

02 : 00

بدا لافتاً في الآونة الأخيرة التمايز الذي أظهره الوزير باسيل ورئيس الجمهوريّة مع "حزب الله" بإثارتهما موضوع الوجود في سوريا وموضوع المداورة في الوزارات المسمّاة سياديّة. مع ما تشهده حركة بعض التيّاريّين الديبلوماسيّة في الخارج نتيجة لتسريب أسماء بعضهم على لوائح العقوبات الأميركيّة. فهل ستشهد اتّفاقيّة مار مخايل الشهيرة بين هذين الطرفين السياسيّين أي تبدّل استراتيجي؟ أم سنشهد على نهايتها قبل وصول سيف العقوبات؟

صمدت هذه الاتّفاقيّة 14 سنة من دون أن تتعرّض لهزّات تذكر، بل كانت مجرّد ارتدادات سياسيّة على خلفيّة أداء "الحزب" الاستفزازي في محطّات مختلفة، كواقعة السابع من أيّار التي كانت الأكثر استفزازاً لشريحة واسعة من اللبنانيّين. لكن ما يحدث اليوم مختلف تماماً عمّا حدث في زمن لم تكن فيه العقوبات الأميركيّة تطال أعضاء التيار ومسؤوليه. فما يحدث لا ينمّ عن قناعة التيّار بضرورة فكّ هذا الارتباط الاستراتيجي الذي سمح بنقل لبنان الدّولة من الغرب الليبرالي إلى الحاضنة الايرانيّة التوتاليتاريّة العقائديّة مذهبيّاً بعيداً من الكيانيّة اللبنانيّة.

هذا التفاهم الصفقة الذي أدخل الدّولة إلى صلب "حزب الله" فيما المطلوب كان عكس ذلك تماماً. وعوض أن يدعّم فكرة بناء الجمهوريّة القادرة القويّة، ضرب سيادتها حتّى صارت الأحياء السكنيّة والقرى الآمنة مخازن أسلحة باتت تفجّر عن بعد على وقع هدير طائرات العدوّ، ومن دون أن يوجّه "الحزب" نفسه أيّ اتّهام له. كما قوّض إمكانيّة بناء الدّولة، حتّى توصّل إلى هدمها بالكامل بعدما جعلها رهينة لأجندته الايرانيّة، من خلال أسلوبه الذي ابتدعه في الديموقراطيّة التعطيليّة التي عطّلت البلد لأكثر من سبع سنوات- إذا جمعنا فترات التعطيل كلّها التي مارسها الحليفان كرمى عيون الوزير الوريث أو الثلث الخبيث. ناهيك عن القطيعة التي فرضتها سياسة "الحزب" الخارجيّة حيث فرضها بدوره على الدّولة اللبنانيّة بأسْرِها، فأسَرَها وانتزعها من العمق الاستراتيجي العربي ومن البعد الأوروبي – الغربي الليبرالي. حتّى المساعدات الانسانيّة لم ترسل إلى الدّولة بل إلى المنظمات والجمعيّات غير الحكوميّة لأنّ المجتمع الدّولي والعربي على السواء قد فقدا ثقتهما بلبنان الدّولة.

وسط ذلك كلّه، يبدو أنّ "الحزب" منزعج من أداء التيّار الذي يحاول أن ينأى بنفسه لأنّه لا يملك أيّ مقوّمات صمود بوجه العقوبات المرتقبة. وهذا يعني من ناحية ثانية أنّ "الحزب" قد هيّأ نفسه لهذه المرحلة منذ فترة بعيدة. من هنا، تبقى الدّولة اللبنانيّة المتضرّر الوحيد في هذه الحالة، ولن يمانع "الحزب" في أن يموت اللبنانيّون كباراً وصغاراً، إمّا جوعاً أو مرضاً أو احتراقاً وخنقاً وسحلاً في انفجارات غامضة؛ كما شهدنا في الأيّام القليلة التي مضت منذ الرابع من آب وحتّى تفجيرات عين قانا الأخيرة.

ما من مصلحة للعهد أو حتّى لـ"الحزب" بسقوط التفاهم بينهما، لكنّه بات اليوم متشوّهاً وبحاجة لإعادة استصدار نسخة جديدة منه من دون إسقاطه، لأنّ سقوط التفاهم يعني سقوط المشروع الايراني في لبنان، واستراتيجياً لن تسلّم إيران لبنان بهذه المجانيّة. من هنا، نفهم الاصرار الشيعي على انتزاع وزارة الماليّة وتكريس هذا العرف لتثبيته لاحقاً في الدّستور. ما يعني أنّ مرحلة التنازل عن هذا المشروع في لبنان باتت وشيكة والبحث في هذه المرحلة سيقتصر على التحوّل إلى قوّة دستوريّة، لا سياسيّة فقط؛ ولا يعني ذلك التنازل عسكريّاً. فما تمّت الاشارة إليه في ملفّ الترسيمين البحري والبرّي قد يكون المدخل إلى تكريس ستاتيكو جديد في ظلّ استصدار قرار أممي على غرار الـ1701 يضمن السلام من دون توقيعه.

فالواقع الجديد المرتقب على وقع معاهدات السلام من الامارات إلى البحرين والسودان وغيرها من الدول الناشطة في هذا الملفّ سيفرض واقعاً جديداً في لبنان أبعد من الأمور التكتيّة في الساحة السياسيّة اللبنانيّة. لذلك، ستشهد المرحلة المقبلة تراجع خطوة إلى الوراء، وهذا ما يفسّر الذي أقدم عليه الرئيس الحريري. فهو يريد إنجاح المبادرة الفرنسيّة كونها الفرصة الأخيرة، ويلاقيه العهد في ذلك الذي سيكون أمام معضلة ردّ الجميل مع حليفه لكنّ الجرح وقع. فهل يترك التيار "الحزب" في مركب العقوبات ليغرق وحده، أم أنّ تلازم المسار سيفرض تلازماً في المصير؟


MISS 3