مجد بطرس حرب

القضاء الغائب يعلِّم الناس الحرام

29 أيلول 2020

02 : 00

بعد صدور العقوبات الأخيرة التي طالت وزيرين من محور الممانعة، انقسم الشارع سياسياً بين مهلّل ومستنكر. مع الاعتراف بأن للعقوبات طابعاً سياسياً يبرز توجه السياسة الخارجية للإدارة الأميركية، إلا أنّ ذلك لا يجوز أن يدفعنا إلى تجاهل ما نسبته الإدارة الأميركية إلى الوزيرين من أفعال جرمية وإلى غض النظر عن طابع هذه العقوبات القانوني والجرائم المنسوبة إلى السياسيين الواردة أسماؤهم من ضمن هذه اللائحة.

نادراً ما تحمل العقوبات اتهامات بالفساد على الصعيد الداخلي، فكان من المفاجئ أن تتطرق العقوبات إلى جرائم مالية ارتكبها الوزيران المعنيان خلال توليهما حقيبتي الأشغال والمالية.

بحسب تقرير الخزينة الأميركية، عمد الوزير علي حسن خليل "الى استغلال منصبه لإعفاء شركات قريبة من "حزب الله" من الضرائب والرسوم الجمركية" بالإضافة إلى "رفض الأخير صرف مبالغ للمتعهدين من دون استحصاله شخصياً على عمولة"، وتجدر الإشارة إلى أن الاتهام الثاني ورد على لسان رئيس الجمهورية خلال مقابلة تلفزيونية بشكل مباشر، عندما أعلن أن متعهدين لجأوا إليه شاكين ظلامتهم، عوضاً عن القضاء لقبض مستحقاتهم من الدولة.

أما وزير الأشغال يوسف فنيانوس، فنسُب إليه بحسب التقرير عينه، "تلاعب بنتائج مناقصات لتأمين فوز شركات تابعة للحزب بها" كما انه " قبض من الحزب عينه مئات آلاف الدولارات لقاء خدماته".

وبين "الصحتين" من جهة و"وسام شرف" من جهة أخرى، سُيِّست العقوبات سريعاً، وأخذت اتهامات الفساد الخطيرة المذكورة أعلاه طابعاً ثانوياً، خاصة بعد امتناع النيابة العامة المالية عن التحقيق بهذه الاتهامات.

من دون الدخول في جدال حول صحة هذه الاتهامات او عدمها، ومن دون الدخول في النقاش التقليدي بين الممانع والسيادي، ينص القانون اللبناني على أنه على النيابة العامة المالية التحرك من تلقاء نفسها، فور استحصالها على معلومات حول جرائم مالية، للتحقيق وأخذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين، فإما تبرئتهم أو تدعي عليهم.

بالإضافة إلى أن العقوبات المفروضة قد أُبلغت إلى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وأن النائب العام المالي هو عضو فيها، ما يؤكد معرفته بالمعلومات المتعلقة بالجرائم المالية المنسوبة إلى الوزيرين. وإذا كان يمكن للنائب العام المالي التذرع بعدم متابعته المقابلات والمؤتمرات الصحافية التي يتم التطرق خلالها إلى ملفات الفساد، وبالتالي يبرر عدم وضع يده على هذه الملفات إلا أنه من المستحيل ألا يكون قد اطلع على المعطيات الواردة في تقرير الخزانة الأميركية الذي ابلغ إلى لجنة هو عضو فيها، ويتقاضى، نظراً لهذه العضوية، راتباً لا يستهان به.

إن الرئيس علي إبراهيم، وبحسب المادة التاسعة عشرة من قانون أصول المحاكمات الجزائية، يتولى الملاحقة بالجرائم المالية ومن أهمها:

- مخالفات القوانين الضريبية والجمركية.

- الجرائم التي تنال من مكانة الدولة المالية.

- جرائم اختلاس الأموال العمومية.

كما أن القانون أعطاه أوسع الصلاحيات في هذا المجال.

وبما أن الوزيرين المشمولين في العقوبات الأميركية قد اتهما بمخالفة القوانين الضريبية، بالتلاعب بنتائج مناقصات وبقبض رشاوى، كما وأن رئيس البلاد أكّد حصول الرشوة في الوزارات التي كان يتولاها الوزيران، فإننا نتساءل عن سبب غياب النيابة العامة التي أولاها القانون صلاحية حماية المال العام ومكانة الدولة المالية التي هي اليوم بأمس الحاجة إلى هكذا حماية.

فعلى القاضي أن يلاحق أي مواطن عند تخلفه عن دفع ضرائب أو رسوم، وعليه واجب التحقيق بملف حرمان الدولة والمواطن من ملايين الدولارات لصالح حزب سياسي مسلح، أو تحقيقاً لمصلحة خاصة على حساب القانون.

كما إنه من المستغرب من الناحية الاخرى ايضاً عدم تحرك القاضي نفسه لتبرئة الوزيرين الممانعين بعد ان اتهمتهما سلطة اجنبية بالفساد في حال كان هذا الاتهام تجنياً. فبتنا نتساءل هل أصبحت اليوم الخزينة الأميركية أكثر حرصاً على أموال الشعب اللبناني من القضاء اللبناني نفسه؟! وهل أصبح الفساد ومخالفة القوانين أمراً مقبولاً لا يحرك السلطة القضائية الوطنية حتى لو جاء الاتهام على لسان أعلى مرجعية في البلاد وصدر عن رئيس الجمهورية بنفسه ؟!

لا يزال الشعب يعوِّل على قضاء يرأسه قضاة كالرئيسين عبود وعويدات ومن ضمنه عناصر نزيهة كفوءة نفخر بهم، إنما نخشى خضوع بعض من يفترض به أن يصدر الأحكام باسم الشعب اللبناني وتنفيذاً للقوانين، للإغراءات والمحسوبيات والمذهبيات والحزبيات والترهيب وموجة الفساد، ما يساهم في إفقادنا الأمل بقيام دولة الحق والعدالة والمؤسسات.


MISS 3