ما من إشارة تدلّ على أنّ مدينة حصن كيفا التركية التاريخية تقبع تحت بحيرة اصطناعية بعد إقامة سدّ مثير للجدل، سوى سطحين وحيدين يظهران من تحت مياه هذا الحوض. تقع حصن كيفا على ضفاف نهر دجلة في جنوب شرق تركيا، وكانت في الماضي تستقطب أعداداً كبيرة من السياح لمشاهدة معالمها التاريخية العائدة التي تعود لعصور مختلفة كالروماني والعثماني، مروراً بالبيزنطي.
وأدى بناء سدّ إيليسو المثير للجدل إلى نزوح سكان حصن كيفا، وغالبيتهم من الأكراد، لمنطقة أخرى. كذلك نُقِلَت بعض المعالم الأثرية التاريخية.
من جهته، يشكو غوندوغدو الذي يملك متجراً لبيع التذكارات أنّ دخله اليوم "لا يتعدى واحداً في المئة فحسب مما كان عليه في المدينة القديمة". ويضيف: "ثمة سياح محليون، ولكنهم لا يملكون ما يكفي من المال".
ولم يتوانَ بعض أبناء حصن كيفا عن نقل قبور أقربائهم إلى الموقع الجديد عندما اضطروا إلى مغادرة مدينتهم التي يعود تاريخها إلى 12 ألف سنة.
ويشكّل سدّ إيليسو ركناً رئيسياً في "مشروع جنوب شرق الأناضول"، وهو خطة لترتيب الأراضي، تهدف إلى تنشيط اقتصاد هذه المنطقة ارتكازاً على الطاقة والريّ، بعدما بقيت طويلاً عرضةً للإهمال.
وحاول عدد من السكان والمدافعين عن الإرث الثقافي إقناع الحكومة بصرف النظر عن إقامة السدّ وإنقاذ المدينة الأثرية، ولكن باءت محاولاتهم بالفشل.
واختفت أعمدة الجسر القديم التي كانت تجتذب الكثير من هواة التصوير، ومثلها الكهوف المحفورة في الصخور الكلسية بهدف الإقامة فيها قديماً. ويقول الناطق باسم جمعية "إنقاذ حصن كيفا" رضوان أيهان إنّ "الأمر مأسوي جداً، فكل ماضيك، وتاريخ أجدادك تغمره المياه فجأة".
وشنت هذه الجمعية حملة ضد إنشاء السدّ، لكنّ الحكومة التركية ترفض أي انتقاد، مؤكدة على نقل معظم المعالم الأثرية في حصن كيفا، ومشددةً على أن مدينة جديدة شيّدت في موقع قريب لإعادة إسكان أهالي المدينة التاريخية البالغ عددهم نحو ثلاثة آلاف.
وينقل التاجر بولند بصران عن السلطات تأكيدها أن حصن كيفا ستكون بمثابة "بودروم أو مرمريس الشرق"، في إشارة إلى المدينتين السياحيتين الشعبيتين الواقعتين على الساحل الغربي لتركيا. لكنّ غياب السياح بسبب جائحة كوفيد - 19 وعدم اكتمال إنجاز البنية التحتية للمدينة الجديدة لا يدفع بصران إلى التفاؤل إطلاقاً. ويقول: "في الوقت الراهن، لا أرى الضوء في نهاية النفق. ربما ستصبح الأمور مختلفة بعد خمس سنوات".
ويرى رضوان أيهان من جمعية "إنقاذ حصن كيفا" أنه من "السخيف" انتظار عودة السياح إلى حصن كيفا التي كان يزورها في السابق سياح من العالم كله، للاطلاع على معالمها التاريخية والتمتع بالمنظر البديع من أعلى القلعة الرومانية. ويتوقع أن يقتصر الزوار على "أولئك الذين يأتون مرة واحدة بدافع الفضول، ليروا كيف اختفت المدينة".
من جهتهم، يعتبر السياح المحليون، أنّ البحيرة الاصطناعية توفّر فرصاً لأنشطة جديدة. ويؤكد شيتين يلدرمار المرشد السياحي السابق أنّ "السياح سيعودون عند انتهاء كورونا". ويضيف: "الآن وقد تغير كل شيء، حان الوقت للتطلع إلى المستقبل".