أوروبا عالقة وسط الصراع الإيراني - الأميركي

01 : 44

عناصر من الحرس الثوري الايراني يتفقدون ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز
قد يتحدّد مستقبل السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية المشتركة قريباً في مضيق هرمز، الممر البحري الواقع بين إيران وسلطنة عمان وأحد أهم طرق نقل النفط في العالم. هل يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي لاعباً مؤثراً على الساحة العالمية، أم أنه كيان مفكك ومشلول؟ في الصراع القائم بين الولايات المتحدة وإيران، يريد الأوروبيون لعب دور الوسيط. لكنهم بدأوا ينجرّون إلى ذلك الصراع الآن وقد يُسحَقون بين ترامب والقيادة الإيرانية.

تأثرت حركة الشحن في الخليج العربي ومضيق هرمز سلباً منذ شهر أيار بسبب الاستفزازات الإيرانية. وقعت انفجارات في سفن للشحن، وتلوم واشنطن الإيرانيين على ما حصل. وفي 19 تموز، احتجز الحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط "ستينا إمبيرو" التي تحمل العلم البريطاني في مضيق هرمز، رداً على القرار البريطاني باحتجاز ناقلة تحمل نفطاً إيرانياً غير مُكرَّر بالقرب من جبل طارق.

منذ ذلك الحين، يشعر القادة الأوروبيون بالقلق بشأن طريقة الرد على الاستفزازات الإيرانية وكيفية الحفاظ على حركة شحن آمنة في مضيق هرمز. كيف يمكن كبح طهران وحماية المصالح الأوروبية من دون المجازفة في الوقت نفسه باندلاع الحرب؟

زاد الوضع تعقيداً حين تولى بوريس جونسون رئاسة الحكومة في لندن حديثاً وبدأ يُوجّه بلده نحو الخروج من الاتحاد الأوروبي خلال 90 يوماً تقريباً، علماً أن البرلمان البريطاني وحده قادر على وقف خطته.

حتى الآن، كانت لندن واحدة من ثلاثة لاعبين أوروبيين أساسيين يحاولون إنقاذ الاتفاق النووي الدولي مع إيران، إلى جانب برلين وباريس، غداة انسحاب الولايات المتحدة. لكن هل يتحول جونسون إلى حليف قوي لترامب، مثلما كان توني بلير حليفاً لجورج بوش الإبن خلال حرب العراق في العام 2003؟

من الواضح أن لندن ستزيد اتكالها على واشنطن مستقبلاً، وفي حال إقرار "البريكست بلا اتفاق"، ستضطر حينها للرضوخ لرغبات ترامب بدرجة إضافية.

لهذا السبب، تحاول برلين إشراك إسبانيا، وحتى إيطاليا وبولندا، في المفاوضات مع إيران. إذا نجح ترامب في تقسيم الجبهة الأوروبية، لن يتمكن أي طرف حينها من منع تفاقم الأزمة مع إيران. بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، حاول الاتحاد الأوروبي تشجيع الإيرانيين على الالتزام بالاتفاق. لكن رغم التطمينات التي قدّمها الأوروبيون، لم يتمكنوا من التعويض عن الخسائر الاقتصادية الهائلة التي تكبّدها الإيرانيون بسبب العقوبات الأميركية.

يقول عدنان طباطبائي، خبير في الشؤون الإيرانية في مؤسسة "كاربو" الألمانية التي تُعنى بقضايا الشرق الأوسط: "لا تزال الحكومة في طهران تؤمن بقيمة الاتفاق النووي الفاعل. لكنها تختبر الآن خياراً أكثر واقعية: العودة إلى الاتفاق أو التخلي عنه والتفاوض مع الأميركيين على طريقة لتأمين مبيعات النفط الإيراني".

نتيجةً لذلك، تطبّق الولايات المتحدة وإيران معاً سياسة التصعيد، ويأمل الطرفان في استسلام الطرف الآخر أولاً.

اليوم، تتنافس خطتان لضمان تجارة آمنة عبر مضيق هرمز: "عملية سنتينال" بقيادة الولايات المتحدة، أو إرسال بعثة بحرية أوروبية.

بدت الخطة الأميركية محكومة بالفشل قبل إطلاقها. حين طرحها البنتاغون في شهر حزيران، لم يوافق أي بلد عليها. هذا الوضع ليس مفاجئاً بما أن "عملية سنتينال" صفقة مريعة بنظر الشركاء المحتملين. على عكس ما حصل خلال "حرب الناقلات" في الثمانينات، حين رافقت السفن الحربية الأميركية ناقلات الشحن العائدة إلى حلفائها الكويتيين، لا يمكن اعتبار "عملية سنتينال" تحالفاً بين دول متضامنة في ما بينها، فقد أوضحت واشنطن أن كل بلد سيبقى مسؤولاً عن سفنه الخاصة. أرادت الولايات المتحدة إذاً الاكتفاء بتقاسم معلومات الاستطلاع مع شركائها.

أما الفكرة المتعلقة بإرسال بعثة أوروبية مشتركة بقيادة فرنسا وبريطانيا، فكانت أكثر واقعية. ومع ذلك، يبدو أن "عملية سنتينال" الأميركية تتفوق راهناً على المقاربة الأوروبية لأن تغيير الحكومة في لندن جدّد زخم الخطة الأميركية، إذ تميل حكومة جونسون الآن إلى تبنّيها وفق تلميحات نواب بريطانيين خلال اجتماع في فلوريدا في 25 تموز. بالنسبة إلى ترامب الذي يتوق إلى تقسيم الأوروبيين، يعني هذا التوجه تحقيق انتصار مهم. كما أنه يُشكّل نقطة تحوّل يقودها جونسون لتهميش الأوروبيين الآخرين. في النهاية، كانت لندن الجهة التي اقترحت إرسال بعثة بحرية تابعة للاتحاد الأوروبي، مع أن هذا الاقتراح صدر حين كانت تيريزا ماي رئيسة الحكومة.

يَقِلّ مؤيدو الخطة الأميركية في هذه المرحلة: باستثناء لندن، وحدها كوريا الجنوبية أعلنت نيّتها المشاركة حتى الآن، وهو قرار منطقي نظراً إلى اتكال هذا البلد على ترامب في صراعه مع كوريا الشمالية. أما باريس وبرلين، فسبق ورفضتا المشاركة. وحتى بولندا المستعدة لتأييد ترامب في ملفات أخرى أعلنت أنها ستكتفي بتقديم دعمها السياسي في أفضل الأحوال.

عبّرت دول الخليج من جهتها عن ترددها أيضاً. يبدو أن الإمارات العربية المتحدة، التي كانت من أشرس منتقدي إيران سابقاً، بدأت تتخلى عن دعم ترامب. زار وفد إماراتي إيران حديثاً لمناقشة أمن الخليج، وتكثر المجازفات المطروحة على الدول الصغيرة في الخليج العربي بسبب الصراع مع إيران. يُعتبر مضيق هرمز أبرز ممر لصادراتها، كما أنها لا تملك أي وجود بحري بارز أو أنظمة صاروخية دفاعية لحماية نفسها.

في ما يخص الخطة الثانية المرتبطة بإرسال بعثة أوروبية، يتراجع احتمال تنفيذها بسبب مسار جونسون المتعرّج.

أما الحكومة الألمانية، فلن تشارك في أي ظرف من الظروف في العملية الأميركية في الخليج العربي. إنه موقف واضح جداً، حتى لو بدت رسائل وزير الخارجية هيكو ماس (من "الحزب الديموقراطي الاجتماعي") ووزيرة الدفاع أنيغريت كرامب كارنباور (من حزب "الاتحاد الديموقراطي المسيحي") مختلفة تماماً. تظن الحكومة الاتحادية أن هذه الخطة لن تتماشى مع السياسة التي تُطبّقها في الملف الإيراني حتى هذه المرحلة وترتكز على رفض استراتيجية ترامب المبنية على فرض "أقصى درجات الضغوط"، لذا تريد متابعة الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران. كذلك، تشعر برلين بالقلق من أن تؤدي العملية الأميركية إلى تصعيد عسكري في هذا الصراع.

لكن يمكن أن يصدر طلب مماثل من باريس. تلقّت وزارة الدفاع في برلين مؤشرات مفادها أن الفرنسيين يخططون لإطلاق عمليتهم الخاصة، بما أن فرنسا تحتفظ بقاعدة عسكرية في أبو ظبي، على مضيق هرمز تحديداً، منذ عشر سنوات. وإذا طلبت فرنسا الدعم، يصعب أن ترفض الحكومة الألمانية.

أوضحت وزيرة الدفاع كرامب كارنباور خلال زيارتها الافتتاحية إلى حلف "الناتو" يوم الأربعاء أن البرلمان الألماني يجب أن يوافق أولاً على أي تدخل ألماني. وبموجب الأحكام المعمول بها في المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية، لا يمكن السماح بعملية مماثلة إلا في إطار "نظام أمني جماعي". لكن لم يتّضح بعد ما إذا كان تحالف الجهات الراغبة في المشاركة، بقيادة الاتحاد الأوروبي، يتماشى مع الدستور.

في الوقت الراهن، تنشط سفينتان حربيتان ألمانيتان في شرق البحر المتوسط: الحراقة "لودفيغسهافن أم راين" بالقرب من الساحل اللبناني، والفرقاطة "هيسن" في بحر إيجة. وفي أواخر شهر أيلول المقبل، من المنتظر أن تستلم طائرة الاستطلاع "بي-3 سي أوريون" مهامها في جيبوتي. تشارك السفينتان والطائرة راهناً في مهام دولية، لكن يمكن استعمالها مجدداً عند الحاجة.

فيما يتابع الألمان انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع، بدأت بريطانيا تحشد قواتها البحرية. بالإضافة إلى الفرقاطة "إتش إم إس مونتروز"، أصبحت المدمّرة "إتش إم إس دانكن" جاهزة الآن لمرافقة السفن البريطانية باتجاه المضيق الواقع بين إيران وسلطنة عمان. ربما حَكَم البريطانيون البحار يوماً، لكن لا يمكن تشغيل إلا نصف السفن الحربية البريطانية الفاعلة راهناً (سبع فرقاطات وثلاث مدمّرات). أما السفن المتبقية، فتخضع للصيانة.

رغم تخطيط بريطانيا للمشاركة في "عملية سنتينال"، يبدو أن جونسون لم يتخلَّ بالكامل عن الإجماع الأوروبي، فهو لا يزال يلتزم بالاتفاق النووي مع إيران رغم الضغوط الهائلة التي تفرضها واشنطن. مع ذلك، لا يمكن توقع تصرفاته في مختلف الظروف.

سبق وارتكب رئيس الوزراء البريطاني الجديد أخطاء فادحة في طريقة تعامله مع إيران. حين كان وزير الخارجية، أطلق ادعاءً خاطئاً مفاده أن المواطنة البريطانية الإيرانية نازانين زغاري راتكليف التي اعتقلتها الجمهورية الإسلامية علّمت الصحافة هناك. أدى موقفه إلى ترسيخ الاتهامات الإيرانية القائلة إنها نشرت «حملة دعائية» مقصودة، وهكذا زادت المخاطر المطروحة عليها. اعتُقِلت زغاري راتكليف في العام 2016، حين كانت تمضي عطلة في إيران، ولا تزال محتجزة هناك.

على صعيد آخر، أعلنت طهران أنها ستعتبر تمركز أي سفن حربية إضافية في الخليج استفزازاً لها. لكنها تتابع توجيه رسائل متناقضة. من جهة، نشر الحرس الثوري بكل فخر فيديوات لاقتحامه ناقلة «ستينا إمبيرو». ومن جهة أخرى، يطلق كبار المسؤولين الحكوميين دعوات جديدة للتفاوض. اقترح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن تصادق إيران على بروتوكول جديد لتوسيع عمليات التفتيش في منشآتها النووية. يبدو أن طهران تحاول بهذه الطريقة استكشاف النوايا الأميركية.

صعّدت الولايات المتحدة من جهتها الضغوط عبر فرض عقوبات على ظريف. يُعتبر وزير الخارجية، وهو أحد مهندسي الاتفاق النووي، «وجه النظام» برأي واشنطن. لكن ردّ الأوروبيون سريعاً عبر التأكيد على نيّتهم متابعة التعاون مع ظريف.