خضر حلوة

أمير الديبلوماسية والإنسانية

2 تشرين الأول 2020

02 : 00

رحل الامير صباح الاحمد الجابر الصباح ورحلت معه حقبة طويلة حافلة بالاحداث والصراعات والتحديات والتعديات في العالم العربي تحديداً، وكان خلالها، على مدار ستة عقود تقريباً، الأمير الحاضر والأمير الناشط، والمتحرك الدائم كالدينامو الذي لا يهدأ له بال إذا اختلف الإخوة، ولا يتجاهل العقد والمشاكل، بل يسعى من دون كلل أو ملل إلى حلها ومحاولة التقريب في وجهات النظر، ورأب التصدعات الكثيرة التي مرت بها البلاد العربية. فقد كان الامير صباح الاحمد أمير الديبلوماسية الكويتية أولاً وهو الذي أسسها على قواعد صلبة، بدءاً من الموارد البشرية ذات المستوى الرفيع في أدائها، إلى الدور الذي لعبته الديبلوماسية الكويتية التي رعاها برموش عينيه حفاظاً على السمعة النظيفة التي تحلّت بها، وعلى الدور أو الأدوار التي لعبتها تحت اشرافه الشخصي حين كان وزيراً ثم أميراً متابعاً منذ الصباح (وهو من اركان الأسرة الصباحية) لكل ما يجري في الكويت، وفي العالم العربي، وفي العالم الاممي.

كان الراحل رجل المهمات الصعبة، لا يهاب المواجهة، ولا يخشى المصاعب، ولا يغض الطرف عن نزاع أو تشنج أو عدوان، بل حتى في أواخر العمر لم يتوانَ عن فعل الممكن والمستحيل للحفاظ على تماسك مجلس التعاون الخليجي ووحدته. ولنا في حراكه الديناميكي أمثال وأمثال، بدءاً من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى إيران إلى المغرب والمشرق وإلى اليمن والسودان وإلى كل ناحية من نواحي المعمورة كلها.

هذا بالنهج الشخصي لرجل سياسي مميز استطاع أن يحلّق بالكويت إلى أعلى المنابر رغم صغر البلد بالجغرافيا ورغم حداثتها بالتاريخ، فقد حلّق الأمير الراحل وحلّق سياسياً واقتصادياً وعمرانياً واجتماعياً حتى باتت الكويت بلد اللقاءات الهامة والمؤتمرات الدولية والقمم العربية وغير العربية، الى جانب الحركة المستدامة لمؤسساتها المتعددة الاهداف السامية، واذكر منها على سبيل المثال: مؤسسة التقدم العلمي، جمعية الهلال الاحمر الكويتي، الصندوق العربي للانماء، الصندوق الكويتي للتنمية، غرفة التجارة والصناعة وغيرها وغيرها من مؤسسات لامعة بنشاطاتها واداراتها البشرية ذات المستوى العلمي الرفيع. هذه المؤسسات التي لعبت أدواراً ثاقبة ومؤثرة في انماء بلدان من الشرق والغرب عبر الدعم المالي المدروس والسخي والهادف الى تطوير البشرية والرفع من شأنها عبر التعليم والصحة والزراعة والانتاج لتكون الكويت تستحق لقب أميرها الراحل بقائد الانسانية.

إن الكلام عن الراحل الكبير صباح الاحمد الجابر الصباح لا ينتهي، خصوصاً في ما يتعلق بلبنان الذي أحَبه هو وكل الاسرة الصباحية، وكذلك الكويتيون، على شتى مشاربهم، العاشقون لهذا البلد ولأهله، والحزينون على تاريخه المجيد الذي كان لهم اليد الطولى في ازدهاره عبر الاستثمارات وعبر السكن في ربوعه، ولم يتخلوا عنه في أحلك الظروف، وأكاد أجزم انه لا توجد منطقة في لبنان من اقصاه الى ادناه إلا وتوجد آثار اليد الكويتية النظيفة التي لا غاية سياسية لها فيه ولا تمايز ديني او مذهبي او عقائدي، وانما هو حب أو تناغم أو انسجام بين شعبين متشابهين بالجغرافيا، وبالحدود والاطماع، بالطبائع والعادات، بالتركيبة البشرية وبالتعلق بالحرية واحترام الرأي، بالنضال والحق... صفات كثيرة مشتركة يلمسها أي مقيم فيها، أو زائر أو صديق، وقد لمستها حين مثلت بلدي فيها وسرعة التأقلم كانت لافتة لأشعر بالارتياح الرسمي الراقي، وكذلك بالارتياح المجتمعي مع نخبٍ من الاصدقاء والمفكرين والاعلاميين ورجال الاعمال وادوار النساء الرفيعات المستوى علماً وتربيةً وخلقاً.

إنها كويت صباح الاحمد الجابر الصباح الذي برحيله سيفتقده الجميع ولكن لن ننساه بمآثره وانجازاته التي ستكتمل مع سمو الامير الجديد نواف الاحمد الصباح ومع افراد الاسرة الصباحية، التي تزخر وتفخر بأفرادها وأبنائها الذين يكملون المسيرة بثقة وثبات حفاظاً على العهد وعلى التاريخ المجيد لهذا البلد الحبيب.

*سفير لبنان السابق في دولة الكويت


MISS 3