د. ميشال الشماعي

أين ذهب سمير جعجع؟

2 تشرين الأول 2020

02 : 00

ما بال هذا الرّجل؟ شاغل الكلّ أينما ذهب وأينما حلّ. مهما قال ومتى قال، خياراته ومواقفه التي يذهب فيها إلى ما بعد النهاية فيربك خصومه، وحتّى رفاقه أحياناً ينتقدونه ولا يقدّرون قراراته في لحظتها، لكن سرعان ما يتبيّن للجميع صوابيّة القرار. ليس تبريراً لأيّ خيار اتّخذه في مسيرته، قد يكون على خطأ أو على صواب، لكن المهمّ في ذلك أنّه المبادر.

إنتقده الكثيرون يوم ترك مستقبله الأكاديمي لينصرف إلى الدّفاع عن وطنه وبلدته بشرّي، بعضهم رأى فيه صورة الشاب البطل، وبعضهم الآخر رأى فيه الخارج عن القانون فنبذه. بادر من ثكنة القطّارة ليستلم قيادة القوّات اللبنانيّة يوم طالبه مجتمعه بذلك، وعندما وصل إلى الأشرفيّة انتقدوه. نظّم "القوّات" ونقلها من ميليشيا إلى مؤسسة نحو المستقبل، فاتّهموه وفريق عمله بأنّهم يأخذون الخوّات من النّاس. يريدون منه ومن رفاقه أن يموتوا عن المجتمع فقط ليحيوا هم بأمان. في عهده صارت المنطقة التي كانت معروفة بالشرقيّة محرّرة فاتّهموه بإقامة وطن عنصري للمسيحيّين وهو الذي رفض إعلان دولته من كفرشيما إلى المدفون، يوم أعلنوا كلّهم دويلاتهم.

والمفارقة في هذه المرحلة، ما انتُقِدَت إلا "القوّات" كونها حزباً مسلّحاً، و "كلّن يعني كلّن" كانوا وما زالوا يمتلكون ترسانات من الأسلحة الظّاهرة والخفيّة بحجج واهية. وحده سمير جعجع امتلك جرأة تسليم سلاح "القوّات" والسير بخيار الدّولة. حتّى في هذه المسألة انتقدوه. دخل المعتقل السياسي بملء إرادته، فقالوا إنّه انتحار سياسيّ، ليتبيّن لهؤلاء كلّهم أنّها الحياة بعينها. سلّم السلاح وهو الذي قاتل مع رفقائه على الجبهات ولم يأبه يوم اتّهموهم في زمن القطاف الانتخابي بأخذ ربطات الخبز عن حاجز البربارة. وقالوا عن رفقائه الشهداء بأنّهم سقطوا على أبواب البارات.

وقّع اتّفاق معراب مع غريمه السياسي وانتخبه رئيساً للجمهوريّة فانهالت عليه الشتائم والانتقادات. حتّى في مصالحته لم يسلم. وتناسوا أنّهم هم من انتخبوا هؤلاء كلّهم وأعطوهم أكثر من 70% من أصواتهم؛ والبقيّة تنازلت عن حقّها الدّستوري بالانتخاب. واليوم يعيّرون ويعاتبون ولا يقبلون أن يقول لهم أحد إنهم هم المسؤولون بتخاذلهم وبعدم انتخابهم المشروع المناسب.

حتّى في تحالفاته الاستراتيجيّة ينتقدونه. فلا يريدون أن ينسج أحلافاً كيانيّة؛ لا مع المجموعة الحضاريّة السنيّة ولا مع الدّرزيّة، وذلك ليضمن كيانيّة لبنان الأجداد والآباء. وإذا طالب المجموعة الحضاريّة الشيعيّة بالعودة إلى أصالتها اللبنانيّة، يتّهمونه بالعمالة. حمل مشروع الفدراليّة في زمن مضى ليضمن تطوير الصيغة اللبنانيّة، وعندما استدرك رفض الشريك بالوطن لها، سار باتّفاق الطائف الذي ينصّ علناً على اللامركزيّة الموسّعة. طالب في 2 أيلول 2019 بتغيير السلطة لتقوم بعد كلامه "ثورة 17 تشرين" التي لم توفّره من انتقاداتها، والأنكى أنّها نادت بما طالب به. أتى الرّئيس ماكرون ليطالب أيضاً بمشروع سمير جعجع فنبّهه من سقوط مبادرته؛ صوّروه بأنّه لا يريد الحلّ، وهم العاجزون، وهم أسياد الديموقراطيّة التعطيليّة.

واليوم يسألون أين ذهب سمير جعجع؟ والأكثر يسوّقون له صورة مع صحن الخسّ الباريسيّ، وهم أنفسهم نعموا بكافيار باريس أكثر من 15 سنة. يستكثرون عليه صحن سلطة! قد يكون في فترة نقاهة، مع العلم أنّ هذا الرّجل لا يرتاح. فهل سفره للسياحة؟ أم أنّ هناك هدفاً سياسيّاً ما يحضّر له مع دوائر القرار؟ وهل هو يلتقي الديبلوماسيين الفاعلين للتحضير لمرحلة جديدة؟ والمعروف عن الرّجل هاجسه بالقضيّة فلذلك لا يعرف الرّاحة. ويسارعون لإشاعة عدم عودته على قاعدة مَن يتخلّى عن جنوده وسط المعركة ويرحل. حتّى الـ 4114 يوماً في المعتقل لا يريدون الاعتراف له بها.

متى قرّر الصمت يصبح متآمراً، ومتى تكلّم يصبح مزعجاً لا يعرفون كيفيّة إسكاته لأنّه يبكّت ضمائرهم. ملاحق دائماً مهما فعل. سواء أكان في لبنان أم خارجه. إنّه رجل الساعة شاء من شاء وأبى من أبى، ماذا وإلا... لماذا كثرة الكلام والانتقادات؟