"داعش" تبنّى الهجوم الانتحاري في كابول

زفاف أبيض يتحوّل إلى مأتم أسود

12 : 50

سقف القاعة المنهار وقطع زجاج النوافذ المتناثر على الأرض المكسوّة بالدماء يدلّان على عنف الانفجار

أسفر هجوم نفّذه انتحاري وتبنّاه تنظيم "داعش" مساء أمس الأوّل، عن مقتل أكثر من 63 شخصاً وجرح 182 آخرين خلال حفل زفاف في كابول، في مذبحة دمويّة تتزامن مع احتمال إبرام اتفاق وشيك بين الولايات المتّحدة الأميركيّة وحركة "طالبان" ينهي أطول حرب خاضتها واشنطن. وأوضح الناطق باسم وزارة الداخليّة الأفغانيّة نصرت رحيمي أن "بين الضحايا نساءً وأطفالاً"، مؤكّداً أن انتحاريّاً نفّذ الاعتداء الدامي.

وتبنّى فرع تنظيم "داعش" في أفغانستان (ولاية خراسان) الهجوم، وأعلن عبر حسابه على تطبيق "تلغرام" أن انتحاريّاً "فجّر نفسه في تجمّع كبير للرافضة". ويستهدف التنظيم الجهادي مراراً في أفغانستان أبناء الطائفة الشيعيّة، التي تنتمي إليها عائلتا العروسَيْن. بينما سارعت حركة "طالبان"، التي تخوض تمرّداً في البلاد منذ أن أطاحها من الحكم تحالف بقيادة الولايات المتّحدة العام 2001، إلى التنديد بالهجوم، نافيةً أيّ تورّط لها فيه. لكن الرئيس الأفغاني أشرف غني اعتبر أن "حركة "طالبان" لا يُمكن أن تُعفي نفسها من أيّ لوم، لأنّها تُستخدم منصّة للإرهابيين". ووصف الاعتداء بـ"الوحشي"، في وقت تستعدّ البلاد للاحتفال باستقلالها عن بريطانيا.

وفي التفاصيل، أشار أحد المصابين من بين المدعوّين لوكالة "فرانس برس" إلى أن "المشاركين كانوا يرقصون ويحتفلون عندما وقع الانفجار". وقال جريح آخر يبلغ 22 عاماً من سريره في المستشفى: "عمّت الفوضى وبات المكان مشهداً لمجزرة". كما كشف حميد قريش، الذي خسر شقيقه في التفجير، أن ألف شخص كانوا يُشاركون في الحفل. ويُقيم الأفغان حفلات زفاف ضخمة، غالباً ما يُشارك فيها مئات المدعوين وأحياناً كثيرة الآلاف، وهي تُجرى في قاعات ضخمة يُفصل فيها عادةً الرجال عن النساء والأطفال، إذ أوضح محمد فرهج، الذي كان حاضراً في حفل الزفاف، أنّه كان في القسم المخصّص للنساء عندما سمع دوي انفجار قوي في القسم المخصّص للرجال، مضيفاً: "هرع الجميع إلى الخارج وهم يصرخون ويبكون"، لافتاً إلى أن "الدخان ملأ القاعة لأكثر من عشرين دقيقة، وكلّ شخص تقريباً في قسم الرجال قُتِل أو جُرِح".

من جهته، قال العريس الذي يُدعى ميرويس للتلفزيون المحلّي: "قلبوا فرحي حزناً، فَقَدت أخي وأصدقائي وعائلتي"، مؤكّداً أنّه "لا يُمكن أن أشعر بسعادة بعد اليوم". وتابع أن "المدعوين دخلوا إلى العرس وهم مبتسمون، وفي المساء كنّا نقوم بإخراج جثثهم من قاعة الأعراس"، مشيراً إلى أن زوجته "يُغمى عليها باستمرار". وسقف القاعة المنهار وقطع زجاج النوافذ المتناثر على الأرض المكسوّة بالدماء، يدلّان على عنف الانفجار. وتُظهر لقطات بثها التلفزيون المحلّي مراسم تشييع نظّمت صباح أمس في مقابر المدينة، وبينها لقطة لأقرباء عائلة قُتِلَ 14 من أفرادها.

ووصف المسؤول في الاستخبارات الأفغانيّة رافي فضل الاعتداء بأنّه "جريمة ضدّ الإنسانيّة". وكتب في تغريدة على "تويتر": "من المؤلم أن نرى العالم يغضّ النظر عن هذه المعاناة التي لا تُحتمل لشعبنا بأيدي إرهابيين". أمّا رئيس السلطة التنفيذيّة عبد الله عبد الله، فدان "الاعتداء الإرهابي" وقدّم تعازيه لعائلات الضحايا، معتبراً أن "هذا الهجوم الشنيع واللاإنساني هو بالتأكيد جريمة ضدّ الإنسانيّة". كما صدرت تنديدات كثيرة من السفارات الأجنبيّة في أفغانستان، وبعثتي "حلف شمال الأطلسي" والأمم المتّحدة. كذلك دانت الإمارات الهجوم، وأعلنت وزارة الخارجيّة والتعاون الدولي في بيان أنّها تُدين "بأشدّ العبارات الهجوم الإرهابي"، مؤكّدةً دعمها للحكومة الأفغانيّة في "مواجهة خطر الإرهاب".

وجاء هذا الاعتداء الدموي بينما يلوح في الأفق اتفاق بين واشنطن و"طالبان"، قد يُمهّد لمفاوضات سلام بين الحكومة الأفغانيّة والحركة المتمرّدة. وألمحت مصادر أميركيّة عدّة في الأيّام الأخيرة إلى أن هذا الاتفاق قد يكون وشيكاً، لكن ما زالت هناك بعض النقاط التي يجب تسويتها. ويُمكن أن يتوجّه الموفد الخاص إلى أفغانستان زلماي خليل زاد، الذي يقود فريق التفاوض الأميركي، إلى المنطقة مجدّداً من أجل مواصلة المفاوضات وربّما إتمامها، حيث كتب في تغريدة: "علينا تسريع عمليّة السلام في أفغانستان، بما في ذلك المفاوضات بين الأفغان"، مضيفاً: "إذا نجحنا، فسيكون الأفغان في وضع أفضل بكثير لهزيمة تنظيم داعش".

وعبّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال اجتماع عقده الجمعة مع أقرب مستشاريه ووزراء إدارته، عن ارتياحه للاجتماع "الجيّد جدّاً" حول أفغانستان. وكتب ترامب في تغريدة: "كثيرون في المعسكر المعارض لهذه الحرب التي يبلغ عمرها 19 عاماً، ونحن شخصيّاً، نُفكّر في إبرام اتفاق إذا كان ذلك ممكناً". وينصّ الاتفاق على الانسحاب التدريجي للجنود الأميركيين البالغ عددهم 14 ألفاً من أفغانستان، لقاء تعهّدات أمنيّة من قبل "طالبان". وتُريد واشنطن أن تمتنع الحركة التي قامت بإيواء زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن في السابق، عن تحويل أفغانستان إلى ملاذ آمن للجهاديين. وإذا وصلت المفاوضات إلى ما تسعى إليه الولايات المتّحدة، تكون قد تمكّنت الأخيرة من إنهاء أطول حرب في تاريخها (بدأت العام 2001)، والتي أنفقت خلالها أكثر من تريليون دولار.


MISS 3