فادي كرم

السلطة الحاكمة والأمر الواقع

13 تشرين الأول 2020

02 : 00

مُخطئ جدّاً من يتوقّع من أفرقاء السلطة الحاكمة في لبنان تفكيراً سليماً يعمل للمصلحة العامة، ويَسعى للأفضل والأسلم للمجتمع. فذلك ليس هدفاً لهم، والمفاهيم الإنسانية الطبيعية ليست نيّة لسلطويتهم، أمّا ميزانهم لإدارة الدولة فليس اختيار الصحّ، أيّ الخير، ورفض الخطأ، أي الشرّ.

قد يُعتبر الرأي هذا تجنِّياً وتمادِياً على أفرقاء السلطة، وشيطنةً مقصودةً لهم، وبذلك يفتقر للموضوعية السياسية. ولكن، بمتابعةٍ دقيقة لأدائهم وأفعالِهم، نكتشف أنّ العمل السياسي، الذي من المُفترض أن يكون نبيلاً، قد تحوّل عندهم تكتيكاتٍ شيطانية، هدفها الدائم فرض الأمر الواقع المرير الذي يخدم مصالحهم، مُعتمدين معايير هدّامة لا تراعي العلاقات السليمة المُتوقّع أن تحكم التعاطي الطبيعي بين السلطة والشعب، مُستبدلين العمل السياسي السليم بآلية إعلامية تُعتمد، أي الخبر الأول والسريع والكاذب.

إنّ الحكم الذي يترأسه "رجل عظيم"، مُرتكِزاً بسلطانه على عاملينِ: الأمن، أي الأجهزة الأمنية الخاضعة له لِخوفها على نفسها، والمال، المُساعد له لنشر الروح الزبائنية الشعبية. فمِن خلالِهما يبعث برسالته الأخطر للشعب "القرار لي والأمر لي، والقوة بيدي، وقُوْتك بأمري، وأدرك كرهَك لي، وتدرِك جيداً عدم قدرتك على التّخلّص مني، فعليك خشيتي، أنا الحاكم الأبدي".

أمّا المسار التقهقري لحياة الشعب اللبناني، النّاتج عن تمسّك السلطة الحاكمة الشريرة بمؤسّسات الدولة وأرزاق الشعب، فلا يُمكن إيقافه بمبادرات خارجية توفيقية مع السلطة الخبيثة، بل بمسارٍ إصلاحي إنقاذيّ وفرضي، لا يُراعي شروط السلطة ومصالحها، مسارٍ مُدعّم بسلطة المحاسبة الأمَمِية العقابية لكلّ عُظماء السلطة المحليّة، المُمثّلينَ لقِوى الشّر الإقليمية التي لا تحترم الحريات الإنسانية في أيّ مكانٍ ما وعلى أراضيها، فكيف بالحَريّ على أراضي الدول المُسيطر عليها من قبل ميليشياتِها؟

لا شكّ في أنّ التدّخلات الأممية بالشؤون الداخلية لأي دولةٍ كانت، وإن أتى لصالح الخير العام، يُعتبر خرقاً للسيادة الوطنية، ولكن في الوقت ذاتِه فإنّ سكوت المجتمع الدولي عن الأداء القمعي للسلطات المحلية هو ضربٌ لحقوق الإنسان وللشرائع السماوية، ومشاركة غير مباشرة، ليس فقط في الجريمة الجماعية التي تُرتكب بحقّ الشعب المعزول والمُعتقلْ، بل أيضاً في جريمة الدفع إلى مسارٍ تفجيري عاجلاً أم آجلاً للأوضاع الداخلية. فصمود الأنظمة القمعية والمواجهة الحتمية للشعب لها، ليسا إلاّ مشروع قتل ودمار وطني، ولا بديل عنه إلّا المسار التراكمي الدستوري الإجباري الذي يمنع ذلك المسار الدموي العصياني الشرّير، والويل الويل لشعبٍ قرّرت الأمم الفاعلة إجراء التسويات مع سلطاته القمعية بحجّةِ إطعامه وإنقاذه، فذلك يُعطي السلطة الحاكمة فرصةً كبيرة لها كي تبتزّ المجتمع الأُممي، وتُسمعَه دوماً صوت أنينِ الشعب الموجوع، كي تتراكض هذه الدول ومؤسّساتها لِنجدته من خلال إرضاء السلطة الخاطفة.

كم ارتُكِبتْ جرائم بحقّ الإنسانية تحت شعارات حماية الشعوب من خلال استجداء سلطاتها القمعية. فلا لِقتلِ الروح الوطنية مُجدّداً ومُجدّداً عند الشعوب، ولا لِتدعيم الروح الخاطفة مُجدّداً ومُجدّداً للسلطات الفاسدة، فالمسارات الإصلاحية لا يجب أن تعتمد المفاوضات مع من اعتقل شعبه، بل يجب أن تكون فرضية عليه، ولا نقاش فيها، وإلاّ سينتُج عن ذلك خضوع للشيطان الذي لن يرتدّ. فحسب قولٍ رهباني "الشيطان غير خلوق، يُكرّر ذاته مرّات" ولكن بأشكالٍ مختلفة وأسماء عديدة، واليوم إسمه في لبنان "جهنم" بعدما كان اسمه "العزّة والكرامة والمقاومة والإصلاح والحقوق".

بعد هذا الإستخلاص من التجارب التاريخية للشعوب التي مرّت في أوضاعٍ مُشابهة، على المجتمع الدولي أن يفهم الرسالة التي يُرسِلها له الشعب اللبناني، وهيَ عدم إعتماد الحلول التي تخدم سلطات الأمر الواقع، سلطات القمع والإجرام، سلطات التّسلّط والفساد. فالحلول الحقيقية يجب أن تكون على حساب هذه السلطات وليس على حسابه، وإلّا فسيتحمّل المجتمع الدولي مُجدّداً أمواجاً من النّازحينَ الذين يحملون معهم الكثير من الحقد والمشاكل الإجتماعية وفقدان الأمل، وستضطرّ الدول المُستضيفة لدفع الأثمان من أمنِها ومجتمعها ومالياتِها لإيجاد حلولٍ لهم على أراضيها، بدل إسعافهم على أرضهم.