لا تدعوا بلدي يشيخ!

00 : 14

د. سلوى شكري كرم- دكتوراه دولة في علم الاجتماع


يتفق جميع اللبنانيين، من مقيمين ومغتربين، أن الوضع في لبنان لم يعد يطاق، لا بل أكثر من ذلك يشكل خطراً وتهديداً شاملاً للكيان والوجود اللبناني. في الواقع، نحن من صنعنا واقعنا اللبناني المرير، على مدى سنوات طوال، بدءاً من طردنا الفرنسي حين كان لبنان تحت الانتداب، مروراً بطرد السفير الميركي، وصولاً الى طرد الجيش السوري أخيراً. 

بالمقابل، يتفوّق اللبناني في جميع بلدان العالم، إلا في بلده الذي بالطبع يجب أن يكون المساعد والشاهد الأول على تفوقه. إن الحق، كل الحق، ليس على الدولة اللبنانية التي لا توفّر فرص العمل والابداع والنجاح فحسب، وإنما يقع اللوم على المواطن الذي يتقيّد بالقوانين والأنظمة، في أنحاء العالم كافة، ما عدا في بلده.

فالإنسان، بطبيعته، يميل الى الفوضى والشر والشغب واللامبالاة. هكذا هي الطبيعة البشرية التي تبغى دائماً ما هو الأسهل والأوفر تحقيقاً ومفاعيل، من دون الانتباه الى النتائج الوخيمة التي تترتب عن تلك الأفعال. ولكن يستنجد البعض إلى الوساطة لينجو من فعلته.

يحكى أخيراً عن إرادة تدويل لبنان وإخضاعه الى أحكام وقوانين مؤسسات دولية، وأقصد هنا تدخل البنك الدولي. إذ أصبح من الضروري مراقبة النظام اللبناني، من النواحي المالية والاقتصادية والعسكرية والسياسية، وإخضاعه لأنظمة وقوانين مؤسسات دولية أثبتت قدرتها على تسيير الأمور على نحو أفضل، خصوصاً وأنّ الوضع المالي في البلاد ينهار كما باقي مكونات الدولة اللبنانية التي ستتفكك وتتلاشى، اذا بقي الوضع على حاله.

قد طردنا الجيش الفرنسي من أرضنا، وطردنا السفير الاميركي من مكاتبنا، وصولاً الى الجيش السوري. ومع الأسف لم نعرف كيف ندير شؤوننا الداخلية والخارجية، في وقت لا تزال الأحزاب تميل الى سياسات وأهداف تلك الدول التي طردناها، وهذا هو الاسوأ والأخطر والأكثر تفككاً للدولة اللبنانية. وتعمل هذه الأحزاب بكل ما أوتيت من الوسائل، من أجل حقيق مصالح تلك الدول، وصولاً الى تمرير تلك الغايات على حساب المصلحة اللبنانية الصرف.

يشعر المواطن اللبناني وكأنه مغترباً حتى في وطنه الام، وهذا الشعور بالغربة يتفاقم يوماً بعد يوم، في ظلّ تصرفات وتطلعات وأهداف بعض رجال السياسة في لبنان. فالمواطن لا يجد عملاً في وقت تنافسه عليه العمالة الاجنبية، من مختلف الجنسيات، العربية أو غيره. كما أنه لا يشعر بأن الدولة اللبنانية تحميه وتحصّل حقوقه ضد المعتدين، وعندها يجد نفسه مضطراً الى اللجوء لحزب ينتمي اليه. 

يا أيها السياسيون، لبنان يعجز ويشيخ. لكن لا تدعوه يتخبّط في نزفه وأوجاعه واحتضاره. ففي الشيخوخة الخمول، ونحن نحب النشاط. وفي الشيخوخة فناء، ونحن نحب الاستمرار. وفي الشيخوخة نفي، ونحن نحب البقاء. وفي الشيخوخة فشل، ونحن نحب النجاح، وفي الشيخوخة استسلام، ونحن نحب التحدي. وفي الشيخوخة ركود، ونحن نحب الحركة. وفي الشيخوخة تعاسة، ونحن نحب السعادة. وفي الشيخوخة قبح، ونحن نحب الجمال. وفي الشيخوخة غيبوبة، ونحن نحب الوعي.

MISS 3