يوسف مرتضى

بعد سنة على ثورة 17 تشرين... أين أصابت وأين أخفقت وماذا بعد؟

19 تشرين الأول 2020

02 : 00

أين أصابت؟





نجحت الثورة في إيجاد مساحات مشتركة بين اللبنانيات واللبنانيين وخاصة جيل الشباب، فاجتمعوا بمئات الألوف في ساحات الثورة على مساحة الجغرافيا اللبنانية بأكملها، رفعوا العلم اللبناني وحده، وأنشدوا النشيد الوطني وحده، خلعوا العباءة الطائفية والمذهبية وتوحدوا تحت راية المواطنة مجسدة بالهوية اللبنانية دون سواها. وهكذا أسقطت الثورة من جعب أبنائها سلاح الطائفية والمذهبية الذي لا تزال تتسلح به المنظومة الحاكمة، أداة ووسيلة لمنع الشعب من التوحد حول مصالحه، بتحفيز وإثارة الغرائز والعصبيات، ما يمكنها من تفرقة صفوف الناس واستقطاب صغار النفوس من الأتباع، والتهديد والتهويل بتفجير حرب أهلية كلما شعر أفرقاء هذه المنظومة باهتزاز الأرض تحت أقدامهم، بهدف إطالة أمد سطوتهم على مقدرات البلاد والعباد.

نجحت الثورة في تفكيك وحدة المنظومة الحاكمة عبر إسقاط التسوية الرئاسية بين عون والحريري، من خلال إسقاط حكومة الحريري في الشارع.

نجحت الثورة في جعل مختلف أفرقاء المنظومة يتبنون علناً مطالب الثورة، وإن كان ذلك رياءً، إلا أنهم باتوا يتملقون الثورة لتلميع صورتهم أمام جمهورهم المتعاطف مع الثورة.

نجحت الثورة بإظهار قوة إرادة التغيير عند الشعب، حيث أتيح لها أن تعبّر عن ذلك في صندوقة الإقتراع، نقابة المحامين والرابطات الطلابية نموذجاً.

نجحت الثورة، بأنها حولت الشارع إلى سلطة رقابية جدية على أداء أفرقاء المنظومة في السلطة بعد كشف ملفات فســادهم. وباتـوا يتوارون عن أنظار الثوار في الأماكن العامة، ويحذرون المشاركة في المناسبات الاجتماعية.

نجحت الثورة في إبراز دور المرأة في الحياة السياسية، وقدمت وجوهاً نسائية بمواصفات قيادية عالية.





أين أخفقت؟

لم تتمكن حتى الآن من تحقيق مطالبها الأساسية، والتي نعيد التذكير بها كما وردت في برامج مختلف المجموعات المنخرطة في الثورة، وهي تتلخص بـ:

أ- تشكل حكومة طوارئ مصغّرة من مستقلين أكفاء نظيفي الكف، وتمنح صلاحيات تشريعية إستثنائية، لكي تتحرر من قبضة كتل المنظومة الحاكمة لتنفيذ البرنامج التالي:

• تحقيق إستقلالية القضاء.

• وضع برنامج مالي اقتصادي اجتماعي طارئ لوقف التدهور وإعادة الحياة للدورة الاقتصادية في البلاد، ووضع الحلول السريعة لمعالجة الضائقة المعيشية للمواطنين واسترجاع ودائعهم.

• إلقاء الحجز الإحتياطي على أموال وممتلكات جميع الذين مارسوا ويمارسون دوراً في الشأن العام مع أصولهم وفروعهم، ومنعهم من السفر، وفتح المحاكم للتحقيق بمصادر تلك الثروات، لاسترجاع المال المنهوب ومحاسبة المسؤولين عنه.

• إقرار قانون انتخابات جديد وفق ما ينص عليه الدستور، لا سيما نظام المجلسين في المادة 22 منه.

• إجراء إنتخابات نيابية على قاعدة القانون الجديد، لإعادة تكوين السلطات جميعها، التشريعية والتنفيذية والقضائية، والسيـــر بحكـم البلاد تحت سقف النظام، وتطبيــق الدستور دون استنسابية أو اجتزاء.

وبعد جريمة انفجار مرفأ بيروت، استجدت مطالب ملحة عند الثوار، تتعلق بالإسراع في الكشف عن أسباب تلك الجريمة ضد الإنسانية، ومن المسؤول عنها ومحاسبته بشفافية عالية، وكذلك الإسراع بإجراءات التعويض على المتضررين وإعادة إعمار ما تهدم لتعود الناس إلى منازلها.

فشلت مجموعات الثورة في تنظيم صفوفها وتشكيل جبهة معارضة سياسية تقود الثوار وفق خريطة طريق محددة بالشعارات والأهداف والأدوات والزمن من أجل تحقيق مطالب الثورة. وهذا الفشل المستمر، يعود من وجهة نظري لأسباب عدة، منها:

• أن العديد من مجموعات الثورة هي حديثة العهد في التكوين وكذلك في السياسة، وبالتالي هي حديثة الخبرة في السياسة والتنظيم، لذلك الجمع بينها كمكونات سياسية للتحول إلى جبهة أو جبهات سياسية يستغرق الكثير من الوقت والنقاش. كل ذلك يترافق مع بروز تباينات أو خلافات داخل كل مجموعة في عملية استكمال بنائها الداخلي، خاصة وأن معظمها حديث التكوين كما سبق وذكرت.

• ظاهرة الأنا المبالغ بها على مستوى الأفراد والمجموعات، أيضاً تسهم بتأخير بلورة أجسام سياسية صلبة وقوية بين مجموعات الثورة.

• كورونا لعبت وتلعب دوراً سلبياً في التخفيف من التفاعل المباشر بين المجموعات، حيث أن التواصل عبر الزوم وإن يكن مفيداً، إلا أن لفعالية الإتصال المباشر أهمية كبرى في التفاعل وفي تقليص زمن النقاش.

• رغم كل ما سبق ذكره، فإن المحاولات لجمع الجهود مستمرة من أكثر من جهة، ولا بد لها أن تثمر في نهاية المطاف، وتفاقم الأوضاع أعتقد أنه سوف يحفز على ذلك أيضاً.




ماذا بعد وما العمل؟ الثورة إلى أين؟

من وجهة نظري، إن جوهر الأزمة في البلاد التي تتجلى وجعاً مالياً واقتصادياً واجتماعياً، جوعاً وبطالة وهجرة وفلتاناً أمنياً، هو سياسي بامتياز، ويعود لسببين أساسيين:

• الأول، ناجم عن منظومة الحكم الفاسدة التي عملت على بناء سلطة ولم تبن دولة منذ اتفاق الطائف إلى اليوم. فتحاصصت البلد وإداراته وثرواته، وجعلت منه مزرعة فالتة من أي ضوابط قانونية ودستورية، وحكمت من خارج الدستور والنظام، ما أدى إلى استشراء الفساد وهدر المال العام وسرقته، بالتكافل والتضامن بينهم جميعاً دون استثناء.

• الثاني، إدخال لبنان في صراع المحاور، ما أدى إلى عزلته العربية والدولية وخسارة ما يقارب ثلثي موارده.

لذلك، الحل يتطلب مواجهة سياسية من قوى تغييرية منظمة يكون سقف برنامجها في ظروف لبنان الراهنة، تطبيق الدستور دون استنسابية أو اجتزاء، والنأي الفعلي بالنفس عن محاور الصراعات الإقليمية والدولية. وهذا ما يجب أن تعمل عليه المجموعات الثورية بأسرع وقت في المقبل من الأيام مع دخول الثورة في عامها الثاني، من أجل تكوين كتلة شعبية وازنة تقود إلى تحقيق أهداف الثورة بالوسائل السلمية والديموقراطية. الثورة مستمرة وسوف تنتصر.