يوهان غرول

الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء رينهارد غينزل: ما يحصل في علم الفلك اليوم لا يُصدَّق!

22 تشرين الأول 2020

المصدر: DER SPIEGEL

02 : 00

فاز عالِم الفيزياء الفلكية الألماني رينهارد غينزل للتو بجائزة نوبل في الفيزياء. وُلِد غينزل في منطقة قريبة من "فرانكفورت" وأصبح اليوم مدير "معهد ماكس بلانك للفيزياء خارج كوكب الأرض" في "ميونيخ". يتكلم في هذه المقابلة عن مسار اكتشافه للثقب الأسود في وسط درب التبانة.

نهنئكَ على فوزك بجائزة نوبل في الفيزياء. ما الذي كنت تفعله حين تلقيتَ المكالمة التي تبلغك بفوزك من "ستوكهولم"؟

كنت منشغلاً بما نفعله نحن العلماء يومياً في آخر ستة أشهر: التواصل عبر تطبيق Zoom طوال الوقت. كنت أجلس مع 25 شخصاً آخر خلال مؤتمر عقدته لجنة افتراضية تابعة لـ"معهد ماكس بلانك" عبر تطبيق Zoom.


لماذا كنت تتمنى نيل جائزة نوبل في العام 2011 ولم تكن تتوقعها في العام 2020؟


تتعدد أسباب ذلك. في المقام الأول، كنتُ خارج الترشيحات لأنني تلقيتُ جائزة "كرافورد" منذ ثماني سنوات. إنها جائزة موازية لجائزة نوبل في السويد وتُعنى بالمجالات البحثية التي لا تتماشى مع خانات جوائز نوبل، منها الرياضيات وعلوم الأرض ومجالي أنا، أي علم الفلك. لهذا السبب، لم أكن أظن أنني أملك أي فرصة، لا سيما هذه السنة.


ما هو الأمر المختلف في هذه السنة؟


إذا راجعنا جوائز نوبل في الفيزياء خلال السنوات الخمس الماضية، سنلاحظ أنها أُعطيت لخبراء في مجالات النيوترينو وموجات الجاذبية وعلم الكونيات والكواكب الخارجية. هل حان الوقت للعودة إلى مجال الفيزياء الفلكية مجدداً؟ قد يبدأ الخبراء في مجالات فيزيائية أخرى بالتذمر.


يبدو أننا نعيش في العصر الذهبي لعلم الفلك.


هذا مؤكد! ما يحصل في علم الفلك اليوم لا يُصدّق ومن المتوقع أن تستمر هذه التطورات. لنتكلم عن الكواكب الخارجية مثلاً. نشهد اليوم انفجاراً مدوّياً من الاكتشافات في هذا المجال. تُعتبر أداة "الجاذبية" (GRAVITY)، أي مقياس التداخل الذي نستعمله في "التلسكوب فائق الكِبر" في تشيلي، جزءاً من هذا الانفجار. قمنا بقياس الغلاف الجوي لبعض الكواكب الخارجية حديثاً، ونوشك على تطبيق الكيمياء الفلكية على الكواكب الواقعة خارج نظامنا الشمسي.


ثمة سبب آخر قد يدفع الناس إلى استغراب فوزك بجائزة نوبــل. غطّت صورة الثقـــــب الأسود المدهشة التي نشرتها شبكة Event Horizon Telescope في السنة الماضية على اكتشافك للثقب الأسود في وسط درب التبانة. لماذا لم يحصد ذلك الاكتشاف الجوائز؟


كان الانتباه الفائق الذي حصدته تلك الصورة إيجابياً. من الضروري أن نثير حماسة الناس تجاه الأبحاث، ويلعب علم الفلك دوراً مميزاً في هذا المجال.


هل تعني أن تلك الصورة كانت مفيدة لجذب انتباه الناس لكنها ليست مهمة من الناحية العلمية؟


لا، لا يمكنني أن أقول ذلك مع أن صورة برتقالية وجميلة بهذا الشكل تُعتبر مثيرة للإعجاب رغم استحالة تفسيرها بوضوح. لا يزال النقاش مفتوحاً بين الخبراء: هل نحن واثقون فعلاً مما ننظر إليه في هذه الصورة؟


عند مناقشة الثقوب السوداء، تُستعمل هذه الصورة دوماً كمرجع. هل تخبرنا الآن بأننا لا نعرف أصلاً حقيقة ما تُظهره؟


هذا صحيح. ربما ننظر إلى ظل ثقب أسود بشكله الشائع. أو ربما ننظر إلى جدار خارجي لطائرة نفاثة تتجه نحونا مباشرةً بسرعة الضوء. للتأكد من الجواب، نحتاج إلى قياسات إضافية. لكننا نواجه مشكلة في الوقت الراهن: وباء كورونا. توقفت معظم أجهزة التلسكوب الأرضية عن العمل.


أخبِرنا بعض المعلومات عن بحثك. ما أهمية وجود ثقب أسود في وسط درب التبانة؟


نحن نتكلم هنا عن ثقب أسود عملاق تكون الجاذبية حوله قوية بشكلٍ خاص. تقضي أهم خطوة طبعاً بقياسه من الداخل، لكنها مهمّة غير ممكنة. ثمة حدّ طبيعي لهذه العملية: أفق الحدث. لذا يتعلق هدفنا الأساسي بالاقتراب من ذلك الحدّ قدر الإمكان في بيئة متطرفة، حيث يتحرك كل شيء بنصف سرعة الضوء تقريباً وتكون قوى المد والجزر للجاذبية قوية لدرجــة أن تمزق كل شيء. من خلال دراسة هذا النوع من الثقوب السوداء بدقة متزايدة، سنتمكن من فهم السبب الذي يجعل درب التبانة مجرّة حلزونية دوّارة بينما تتخذ المجرات الأخرى شكلاً بيضاوياً. تؤدي الثــقوب السوداء دوراً حاسماً في توضيح ذلك الفرق.


لا أحد يعرف مركز مجرتنا بقدرك. ما هي مواصفاته؟


إنها نقطة ساطعة! إذا تمكّنا من السفر إلى مركز مجرتنا، سنتفاجأ بدرجة سطوع المكان هناك ومستــوى تَركّز النجوم نسبةً إلى محيطـنا. العدد أعلى هنــــاك بمليون مـرة. ولا تكون النجوم هناك كثيرة فحسب، بل إنها عملاقة أيضاً. باختصار، تكون النجــــوم في السماء حيوية.


هل يستطيع أي شخص أن يعيش في منطقة مماثلة؟


وهل يمكن أن نجد ملجأً لنا خلال رحلتنا؟إنه سؤال وجيه، لكنني لا أملك أي جواب عليه. أفترض أن فرص حصول ذلك ضعيفة لأن تأثير الجاذبية من النجوم العملاقة والثقب الأسود يكفي لتفكيك جميع الكواكب خلال الرحلات الاستكشافية المتقطعة. لكننا لسنا متأكدين من ذلك.





يمكننا اللجوء إلى شخص آخر في العالم لجعله دليلاً مفيداً لنا خلال رحلة مماثلة: إنها أندريا غيز التي تتقاسم معها جائزة نوبل. لكن يبدو أن علاقتكما لا تخلو من التوتر.


لطالما كنا في منافسة دائمة على مر السنين. في مرحلة سابقة، كانت تلك المنافسة مفيدة لنا جميعاً. بدأنا قياساتنا في بداية التسعينات ثم انضمّت إلينا أندريا في العام 1995. لكنها كانت تتفوق من حيث قدرتها على الوصول إلى مرصد "كيك" في هاواي: إنه تلسكوب قطره 10 أمتار. في تلك الفترة، كنا نقيس سرعة النجوم بالقرب من مركز المجرّة وقد توصلنا معاً إلى النتيجة نفسها. وعندما حقق الفريقان نتائج متشابهة خلال جهود مستقلة عن بعضهما، أعلنت الأوساط العلمية تصديقها لاستنتاجاتنا. كانت المنافسة مفيدة جداً لنا كي نكسب الاحترام.


ما كانت المشكلة بينكما؟


انتقلنا في تلك السنة إلى مشروع "التلسكوب فائق الكِبر" في تشيلي. حصل فريقنا على الوقت الكافي للمراقبة وتمكّنا نتيجةً لذلك من تحقيق نتائج مبكرة. نشرنا نتائجنا في أسرع وقت ممكن وهذا ما أثار استياء أندريا. خلال أحد المؤتمرات في تلك الفترة، ذهبت إلى حدّ ادعاء أننا فبركنا نتائجنا. قالت إننا ما كنا لنستطيع جمع تلك البيانات كلها لأننا لا نملك التلسكوب اللازم لفعل ذلك، إلى أن همس لها أحدهم: "ما عادوا يستعملون تلسكوباً بحجم ثلاثة أمتار ونصف"! فأجابت أنها لم تكن تعرف ذلك وأضافت أن عدم إبلاغها بما حصل مسبقاً ليس منصفاً بحقها. نتيجةً لذلك، شعرت بغضب شديد تجاهي. أنا لم أشعر بأنني ارتكبتُ أي خطأ، لكنني كنتُ مضطراً لتقبّل وجهة نظرها عن الموضوع. لذا قلتُ لنفسي: حان الوقت للتخلي عن كبريائي. ثم ذهبتُ لمقابلتها في كاليفورنيا حيث وبّختني ليومٍ كامل.


هل تصالحتما في نهاية المطاف؟


وعدتُها بأن أخبرها بما نفعله مسبقـاً من الآن فصـاعداً. كانت المشكلة تتعلق بكــل بساطــة بتفوقنا الدائم. كنا أكثر تقدماً من الناحية التقنية وحصلنا على فرصة استعمال التلسكوب لمدة أطول وشمل فريقنا أعداداً أكبر من العناصر. لهذا السبب، كنا نُصدِر النتائج أولاً.


أنتَ تزعم أنك كنت متفوقاً طوال هذه السنوات. لماذا فزتما معاً إذاً بجائزة نوبل الآن؟


أنا فزتُ بجائزة "شو" في العام 2008 وحدي. كنا متفوقين في المرحلة الأولى. لكن كان فوزنا نحن الاثنَين بجائزة "كرافورد" مبرراً بالكامل. حتى أننا كنا في حالة جمود حينها. ولو جاءت الجائزة الأخيرة في مرحلة لاحقة، أظن أن أثر مشروع GRAVITY كان ليصبح أكبر بعد. إنها أداة مدهشة فعلاً وسيبقى دورها هائلاً في علم الفلك خلال المراحل المقبلة. من ناحية أخرى، أنا مقتنع شخصياً بأن أندريا هي السبب الذي جعلنا نفوز بهذه الجائزة أصلاً.


هل تقصد حصة النساء من بين الفائزيــــن بجوائز نوبل؟


ربما تتذكرون الانتقادات التي انتشرت يوم الإثنين عند الإعلان عن جوائز نوبل في الطب. قال الجميع: فاز بها ثلاثة رجال بيض ومتقدمين في السن مجدداً! أتفهم هذا الموقف. إنه وضع مألوف بالنسبة إليّ بصفتي عضواً في لجنة جوائز "شو". نحن نتعرّض لضغوط هائلة. وفي بعض الحالات، تكمن المشكلة في اضطرارنا لانتقاء نساء للمشاركة في لجنة الاختيار بسبب غياب التوازن بين الجنسَين. لكننا نخسر بهذه الطريقة نصف النساء اللواتي يُعتبرن من أفضل المرشّحات.

تم الإعلان عن الجوائز لكنها لم تُقدَّم للفائزين بعد. ما هو الوضع القائم في ظل انتشار فيروس "كوفيد-19" هذه السنة؟ هل تُخطط للسفر إلى "ستوكهولم"؟

لا، لن يُقام أي حفل لتقديم الجوائز. أخبروني بأنهم يخططون للتعويض عن ذلك في السنة المقبلة. سمعتُ أيضاً شائعات مفادها أننا قد نتمكن من استلام شهاداتنا وجوائزنا من السفير.


MISS 3