جولي مراد

مناظرةٌ هادئة وتعادلٌ سلبيّ من دون أرجحيّة حاسمة

24 تشرين الأول 2020

02 : 00

ترامب وبايدن في آخر مناظرة لهما في تينيسي (أ ف ب)

قد تكون المناظرة الثانية والاخيرة للمرشحَين، ولكنها الاولى التي تستوفي فعلاً معايير النقاش الرئاسي الذي يعبّد الطريق الى البيت الابيض. وخلافاً لسابقتها كانت أجواء المناظرة التي جمعت ترامب وبايدن في تينيسي- بعد انقطاعٍ فرضه فيروس كورونا- هادئة بشكلٍ مفاجئ اذ سادها الاحترام والانضباط. السبب؟ شروط جديدة وضعتها لجنة المناظرات تمثلت بـ"كتم" الميكروفون حين لا يحين دور المتكلّم وفتحه فقط في الوقت المخصص له، والذي لا يتعدى الدقيقتين للاجابة على كل سؤال.

وخلافاً للمناظرة السابقة في كليفلاند أوهايو والتي عمّتها الفوضى والاتهامات المبتذلة، كان واضحاً أنّ ترامب أصغى الى نصائح مستشاريه ضابطاً أعصابه ليظهر كشخصٍ لا ينفعل بسرعة بل يتمالك نفسه مهما اشتدّت الظروف. والمناظرة هذه لم تحمل جديداً في طياتها، بل جاءت بقالبٍ شبيه: ترامب مستخفاً بفيروس كورونا وحصده مئات آلاف الضحايا في البلاد، ومستمرّاً باعتماد سياسة التفريق متحدّثاً على الدوام عن ولايات حمراء وزرقاء مركزاً انتقاداته اللاذعة للزرقاء منها، على نقيض خصمه الذي احجم عن سلوك تلك الدرب طارحاً نفسه منذ مدّة كمرشحٍ موحّد للطرفين. يكفي الاطلاع على إعلانات بايدن الانتخابية لندرك أن الرجل اختار استغلال ضعف ترامب في هذه النقطة بالذات ففاضت الشاشات بإعلاناتٍ له تتحدّث عن رغبته في توحيد المجتمع الاميركي ووقف الانقسام.

وبقي فيروس كورونا محوراً أساسياً للنقاش وأبقى بايدن على تكتيكه السابق مصوّباً سهامه المسنّنة نحو ترامب محمّلاً إياه مسؤولية انتشار الجائحة التي حصدت أرواح 222 ألف شخص حتى الآن ومعيباً عليه فشله في احتوائها: "أي شخص يكون مسؤولاً عن هذا العدد الهائل من الوفيات لا يجب أن يبقى رئيساً للولايات المتحدة، خصوصاً حين يبرهن أنه يفتقر الى خطة للمواجهة". وتوقّع بايدن أن يكون شتاء الولايات المتحدة "قاتماً" متهكماً: "ما مِن عالِمٍ جدّي يعتبر أنّ الفيروس سيختفي قريباً، فيما يتحفنا الرئيس بزواله قريباً". لم يأتِ رد ترامب فاتراً، بل بالحماسة السابقة عينها أكد أنه يحارب الوباء بحزمٍ وبأنه يفضل فتح البلاد لتحفيز نموها اقتصادياً على ايذاء الاميركيين في لقمتهم ومعيشتهم. وشأنه دوماً وعد بأنّ اللقاح بات "وشيكاً" من دون أن يحدد موعداً مرتقباً، مؤكداً أنّه بنفسه الدليل الملموس لنجاح العلاجات المقترحة كونه تعافى في فترةٍ قياسية، وأن الحلّ لا يكون بمس وظائف الناس فقد تعلّموا كيفية التعايش مع الفيروس، ليسارع بايدن الى ردّ الصاع بقوله بسخرية: "لا بل إنّهم يتعايشون مع فكرة الموت بسببه".

وبدا واضحاً أن ترامب يسعى مجدداً الى اعتماد الهجوم الشخصي وسيلة لتسجيل النقاط مستعيداً بعض ممارساته في انتخابات 2016 حين أثار شكوكاً حول أخلاق هيلاري كلينتون ومناقبيتها، فطالب بايدن بتوضيحات حول الفساد المحيط بنشاطات نجله هانتر في الصين وأوكرانيا، إبان توليه منصب نائب للرئيس أوباما من 2009 إلى 2017. وتحدّث ترامب بإسهاب عن شريك هانتر السابق توني بوبولينسكي الذي يتهم نجل المرشح الديمقراطي في روايته باستخدام اسم العائلة لتحقيق الملايين في الخارج بموافقة والده. "لا تدّعي أنك طفل بريء"، نهَر ترامب بايدن بابتسامةٍ صفراء فردّ عليه الأخير بهجوم مضاد بنبرةٍ واثقة: "لم أتلّق فلساً واحداً. وماذا عنك أنت يا من ترفض نشر سجلاتك الضريبية. ماذا تخفي يا ترى؟ كلّ ما نعرفه عنك هو أنك لا تدفع ضرائبك أو أنّها متدنية جداً"، ملمّحاً إلى تقارير بشأن بيانات ضريبية مسرّبة تظهر انّ الرئيس دفع ضرائب فدرالية بلغت قيمتها 750 دولاراً كحدّ أقصى في السنوات الأخيرة.

أما على صعيد السياسة الخارجية فقد تعهّد بايدن بأن تدفع كلّ من روسيا والصين وإيران ثمن تدخّلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية في حال فاز في الانتخابات، منتقداً ترامب بشدّة في الوقت عينه لمصادقته ديكتاتوريين مثل زعيم كوريا الشمالية في وقتٍ يخون فيه حلفاء أميركا الحقيقيين.

المناظرة إذاً جاءت بتعادل سلبيّ بشكلٍ عام، اذ لم يوجّه أي مرشح ضربةً قاضية الى الآخر كفيلة بتغيير معادلة الاستحقاق الرئاسي المقرّر بعد 11 يوماً، وقد صوّت حتى الآن نحو 45 مليون أميركي مُبكراً، وتلك سابقة في تاريخ الانتخابات الاميركية، فيما تظهر استطلاعات الرأي أنّ غالبية الناخبين حسموا أمرهم أساساً. وأظهر استطلاع للرأي أعدته جامعة كوينبياك على الصعيد الوطني تقدّم بايدن بنسبة 51% مقابل 41% لترامب. ومع ذلك لا يمكن القول إن ثمة أرجحية لمرشحٍ على آخر، وإن أجمع بعض المحلّلين على أنّ تقدّم بايدن الثابت في الاستطلاعات مؤشرٌ لوجود فرصة أكبر لديه لانتزاع الرئاسة.


MISS 3