جاد حداد

الرياضة الصباحية تُخفّض مخاطر السرطان؟

24 تشرين الأول 2020

02 : 00

تذكر دراسة جديدة أن الأشخاص المعتادين على ممارسة الرياضة بين الساعة الثامنة والعاشرة صباحاً قد يكونون أقل عرضة للإصابة بالسرطان مقارنةً بمن يمارسون الرياضة في وقتٍ لاحق من اليوم.

نُشرت نتائج هذا البحث في "المجلة الدولية للسرطان" وقد تُوجّه الأبحاث المستقبلية حول توقيت الرياضة كطريقة محتملة لتخفيض مخاطر السرطان.

تكشف الأبحاث عموماً أن ممارسة الرياضة لأغراض ترفيهية قد تُخفّض خطر التعرّض لأنواع مختلفة من السرطان. ونظراً إلى ارتفاع أعداد المصابين بالسرطان، قد يؤثر أبسط تغيير على تراجع تداعيات هذا المرض لدى مجموعة سكانية كاملة، حتى لو اقتصر ذلك التغيير على تعديل توقيت التمارين الجسدية.

بعبارة أخرى، قد يكون تكثيف النشاطات والاستفادة منها في الوقت المناسب طريقة محتملة لتخفيض نسبة شيوع السرطان في المجتمع.

تبرز أدلة أيضاً مفادها أن إيقاع الساعة البيولوجية في الجسم قد يرتبط باحتمال الإصابة بأمراض السرطان. يشير هذا الإيقاع إلى العمليات البيولوجية التي تؤثر على دورة النوم واليقظة.

صنّفت "الوكالة الدولية لبحوث السرطان" مستوى الأدلة المرتبطة بنوبات العمل الليلية التي تعيق إيقاع الساعة البيولوجية في خانـــة العوامل السرطانية "المحتملة" لدى البشر.

ربط الباحثون تحديداً بين العمل الليلي وزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي. لكن بقيت الأدلة المرتبطة بسرطان البروستات غير واضحة. أثبت العلماء أيضاً وجود رابط بين التمارين الجسدية وإيقاع الساعة البيولوجية في الجسم. وفق بحث من العام 2019، قد تسهم ممارسة الرياضة خلال النهار في تحسين إيقاع الساعة البيولوجية وتخفيف الآثار المعاكسة التي تنجم عن اضطراب أنماط النوم.

وبما أن الرياضة تستطيع تخفيض مخاطر السرطان وتحسين إيقاعات الساعة البيولوجية، بينما يزيد اضطراب تلك الإيقاعات خطر الإصابـــة بالسرطــان، افـــــترض المشرفـــون على البحث الجديـد أن توقيت النشاط الجسدي قد يؤثر على المخاطر السرطانية.

لاختبار هذه الفرضية، حلل الباحثون في الدراسة الجديدة بيانات 2795 فرداً. كان المشاركون جزءاً من مجموعة فرعية في دراسة إسبانية متعددة الحالات والشواهد تهدف إلى فهم العوامل التي تسبّب أمراضاً سرطانية شائعة في إسبانيا وتستكشف المقاربات القادرة على منع نشوء تلك الأمراض.

بين العامَين 2008 و2013، أجرى الباحثون مقابلات مع المشاركين للاطلاع على نشاطاتهم الجسدية الترفيهية والمنزلية في حياتهم اليومية. وبعد مرور ثلاث سنوات تقريباً، قيّم العلماء توقيت التمارين لدى هؤلاء المشـــــاركين وراقبوا تحديداً 781 امــرأة كنّ قد أصبن بسرطـــان الثدي وأَجَبْنَ على استبيان عن نشاطاتهنّ الجسدية، و504 رجال أصيبوا بسرطان البروستات وقدموا بيانات عن توقيـت نشاطــاتهم الجسدية. انتقى الباحثـون مجموعات مرجعيــة في الدراسة الإسبانية متعددة الحالات انطلاقاً من سجلات الممارسة العامة. اختار العلماء هؤلاء الأفراد بما يتطابق مع المشاركين في الدراسة عن السرطان، ما يعني أنهم كانوا متشابهين من حيث الجنس والعمر. كذلك، أجاب المشاركون في المجموعات المرجعية على أسئلة حول نشاطاتهم الجسدية وتوقيتها. فاكتشف الباحثون أن النشاط الجسدي بين الساعة الثامنة والعاشرة صباحاً يعطي أقوى مفعول إيجابي محتمل لتخفيض خطر الإصابة بسرطان الثدي والبروستات.

طبّق حوالى 7% من المصابات بسرطان الثدي و9% من المشاركين في المجموعة المرجعية معظم تمارينهم الجسدية في الصباح الباكر. ومارس 12.7% من المصابين بسرطان البروستات و14% من المجموعة المرجعية نشاطاتهم في الصباح الباكر أيضاً.

طوّر الباحثون نموذجاً أثبت أن احتمال الإصابة بسرطان الثدي قد يتراجع بنسبة 25% نتيجة ممارسة الرياضة في الصباح مقارنةً بأثر الامتناع عن أي تمارين جسدية.

لكن تتراوح الدقة الإحصائية لهذه التقديرات بين تراجع المخاطر بنسبة 52% وزيادتها بنسبة 15%. تكشف النتائج تقديرات مماثلة لسرطان البروستات. توقّع نموذج الباحثين أن يتراجع خطر الإصابة بسرطان البروستات بنسبة 27% لدى من يمارسون الرياضة في الصباح الباكر مقارنةً بمن لا يمارسون أي تمارين. لكن تراوحت دقة التقديرات هذه المرة بين تراجع المخاطر بنسبة 56% وزيادتها بنسبة 20%.

في المقابل، انخفض خطر الإصابة بسرطان البروستات بنسبة 25% عند ممارسة التمارين الجسدية بين الساعة السابعة والحادية عشرة مساءً. لكن على غرار نتائج الفترة الصباحية، لا تُعتبر الأدلة مهمة من الناحية الإحصائية.

يفترض الباحثون أن أي منافع محتملة للرياضة المبكرة على مستوى مخاطر سرطان الثدي قد تكون متعلقة بهورمون الأستروجين. يرتبط ارتفاع مستويات الأستروجين أصلاً بزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي وتسهم الرياضة في تخفيض مستوياته. كذلك، يبلغ إنتاج الأستروجين ذروته في الساعة السابعة صباحاً. قد يكون الميلاتونين عاملاً مؤثراً أيضاً. أثبت الباحثون أن الميلاتونين قد يحمي من مخاطر السرطان وأن التمارين الجسدية في وقت متأخر من اليوم أو خلال الليل قد تؤخّر إنتاج الميلاتونين.

لكن يذكر العلماء أن دراستهم بقيت محدودة على بعض المستويات وقد عجزوا عن رصد الأثر البسيط الذي يعطيه توقيت الرياضة بدقة.

تبرز مشاكل أخرى في الدراسة، منها عدم تسجيل جميع المعلومات عن مختلف المشاركين وعدم مراعاة بعض العوامل المؤثرة مثل الحمية الغذائية وأنماط النوم. لكن تبقى هذه المشاكل بسيطة مقارنةً بحجم العيّنة المستعملة، وقد كانت الاختلافات بين الحالات والمجموعات المرجعية في هذه الدراسة صغيرة.

في مطلق الأحوال، توضح الدراسة أهمية تكثيف الأبحاث لاستكشاف الرابط بين التمارين الجسدية ومخاطر السرطان.