أردوغان يؤجّج العداء لباريس ويتحدّى واشنطن وأثينا

ماكرون يرفض "خطاب الحقد": لن نتراجع

02 : 00

العلاقات الفرنسيّة - التركيّة في "موت سريري" (أ ف ب)

بعد يوم على استدعاء باريس سفيرها لدى أنقرة على خلفيّة تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المسيئة بحقّ نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، جدّد أردوغان أمس دعوته لماكرون للخضوع إلى فحوص لـ"صحته العقليّة"، لأنّه "مهووس بأردوغان ليلاً نهاراً"، بينما أتى ردّ الرئيس الفرنسي عبر تغريدات عدّة، منها بالإنكليزيّة والعربيّة، شدّد فيها على رفض "خطاب الحقد" ومواصلة الدفاع عن "النقاش العقلاني". وإذ قال ماكرون: "نعتزّ بالحرّية، نضمن المساواة، ونعيش الأخوّة بعمق. لا شيء سيجعلنا نتراجع، أبداً"، أضاف: "تاريخنا قائم على محاربة كافة نزعات الاستبداد والتطرّف، وسنُواصل ذلك. نحترم كلّ أوجه الاختلاف بروح السلام... سنقف دوماً إلى جانب كرامة الإنسان والقيم العالميّة".

وقبل ردّ الرئيس الفرنسي، أمطر وزير خارجيّته جان إيف لودريان أنقرة بوابل من "السهام الديبلوماسيّة"، مندّداً بما سمّاه "رغبة تركيّة في تأجيج الكراهية" ضدّ فرنسا ورئيسها، مشيراً إلى أن السفير الفرنسي لدى أنقرة إيرفي ماغرو سيعود إلى باريس "للتشاور" اعتباراً من الأحد.

وانتقد لودريان على متن طائرة كانت تقلّه إلى مالي، "سلوكاً غير مقبول من جانب دولة حليفة"، قائلاً: "في غياب أي تنديد رسمي أو تضامن من جانب السلطات التركيّة بعد الإعتداء الإرهابي في كونفلان سانت أونورين، باتت تُضاف منذ بضعة أيّام دعاية كراهية وافتراء ضدّ فرنسا".

وشجب لودريان أيضاً "الإهانات المباشرة" ضدّ الرئيس الفرنسي، التي "تمّ التعبير عنها في أعلى مستويات الدولة التركيّة". لكن الخارجيّة التركيّة أكدت أن سفير بلادها في فرنسا إسماعيل حقي موسى قدّم تعازيه عقب اغتيال المدرّس صامويل باتي. علماً أنّه لم تصدر أي إدانة في هذا الصدد من أي مسؤول تركي أو الخارجيّة التركيّة.

وبعد حملة تحريض واسعة، خصوصاً من قبل الإعلام التركي ومن يدور في فلك النفوذ التركي، دعت الخارجيّة الفرنسيّة حكومات الدول المعنيّة إلى وقف الدعوات لمقاطعة السلع الفرنسيّة والتظاهر، معتبرةً أنّها تصدر من "أقليّة راديكاليّة". وقالت الخارجيّة الفرنسيّة في بيان إنّ "الدعوات إلى المقاطعة عبثيّة ويجب أن تتوقّف فوراً، وكذلك كلّ الهجمات التي تتعرّض لها بلادنا والتي تقف وراءها أقليّة راديكاليّة".

كما اعتبرت أن هذه الدعوات "تُشوّه المواقف التي دافعت عنها فرنسا من أجل حرّية الرأي وحرّية التعبير وحرّية الديانة ورفض أي دعوة للكراهية"، مؤكدةً أن مشروع القانون حول التطرّف الإسلامي وتصريحات ماكرون تهدف فقط إلى "مكافحة الإسلام الراديكالي والقيام بذلك مع مسلمي فرنسا الذين يُشكّلون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع والتاريخ والجمهوريّة الفرنسيّة".

وكان لافتاً بالأمس تغريدة لرئيسة "التجمّع الوطني" مارين لوبن، حيّت خلالها استدعاء السفير الفرنسي من أنقرة، معتبرةً أن ذلك كان لا بدّ منه بعد أن اختار أردوغان ألّا يُعزّي فرنسا بقطع رأس باتي، وعوض ذلك قام بشتم رئيسها. كما رأت خلال حديث متلفز أن مهام مكافحة الإرهاب والإسلام الراديكالي تتطلّب تخلّي فرنسا عن تطبيق بعض مواد الاتفاقيّة الأوروبّية لحماية حقوق الإنسان والحرّيات الأساسيّة.

وفي هذا الصدد، قالت لوبن: "عندما يُطلق سراح إرهابي ارتكب جريمة على الأراضي الفرنسيّة، ولا يُسمح لفرنسا بإعادته إلى بلده الأصلي بحجّة أنّه قد يتعرّض لسوء المعاملة هناك أو يُحاكم بموجب قوانين لا تتّفق مع المعايير الأوروبّية، أعتقد أن هذا يُشكّل تهديداً لشعب فرنسا"، داعيةً السلطات إلى إعلان الإسلام الراديكالي رسميّاً "عدوّاً للدولة".

من جهته، ندّد وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبّية كليمان بون برغبة أردوغان في "زعزعة الإستقرار"، معتبراً أن الرئيس التركي يُقدّم نفسه على أنّه "حامي المسلمين بطريقة استغلاليّة بالكامل". ودعا بون أوروبا إلى التوقّف عن التصرّف "بسذاجة" حيال تركيا "كما كان يحصل خلال السنوات الـ15 الأخيرة"، في وقت ندّد فيه وزير خارجيّة الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بتصريحات أردوغان التي استهدفت ماكرون، معتبراً أنها "غير مقبولة"، ودعا أنقرة إلى "وقف دوامة المواجهة الخطرة".

ولم تقف "عنتريّات" أردوغان على فرنسا فحسب، بل وصل به الأمر إلى تحدّي الولايات المتحدة، بحيث ردّ الرئيس التركي بشدّة على التهديد الأميركي بفرض عقوبات على أنقرة بعد قيامها باختبار منظومة صواريخ "أس 400" الروسيّة. وقال أردوغان متوجّهاً إلى المسؤولين الأميركيين: "أبلغتمونا أن نُعيد صواريخ "أس 400". لسنا دولة قبائل نحن تركيا". وأضاف بلهجة تحدّ: "أنتم لا تعرفون مع مَن تتعاملون. مهما كانت عقوباتكم، فلا تتردّدوا في تطبيقها".

وفي ملف شرق المتوسّط، مدّدت تركيا مجدّداً مهمّة السفينة "عروج ريس" للتنقيب عن الغاز في مياه شرق المتوسّط، فيما حذّرت اليونان من أن القرار يُقلّل فرص إجراء أي "حوار بنّاء". وأخطرت البحريّة التركيّة نظام التحذير البحري الدولي "نافتكس" في وقت متأخّر السبت بأنّ "عروج ريس" ستبقى في المنطقة حتّى الرابع من تشرين الثاني، بينما كان من المقرّر أن تُغادر الثلثاء.

وفي رسالة على "نافتكس"، ردّت اليونان بوصف أنشطة تركيا بأنّها "غير مصرّح بها وغير شرعيّة، في منطقة تتداخل مع الجرف القاري لليونان"، في حين أكد وزير الخارجيّة اليوناني نيكوس دندياس خلال كلمة ألقاها أمام البرلمان أن بلاده لن تتسامح مع الإدعاءات المنحرفة ولا مع التهديدات بالحرب، معتبراً أن تركيا تتّجه نحو "العثمانيّة الجديدة"، وشدّد على أن اليونان ستُدافع عن حقوقها السياديّة بكلّ الطرق، فيما رأى المتحدّث باسم الحكومة اليونانيّة ستيليوس بيتساس أن الخطوة الأخيرة عبارة عن "إثبات إضافي لعدم صدقيّة أنقرة حتّى تجاه "حلف شمال الأطلسي".


MISS 3