هادي جان بو شعيا

الصراع الفرنسي - التركي: "نيو - أوتومان" وانبعاث جديد...

27 تشرين الأول 2020

17 : 50

بات جلياً، لدى القاصي والداني، ولكل من يرصد الحراك التركي في دول النفوذ الفرنسي إذا جاز التعبير، وما تشهده المنطقة من جبهات تشتعل من هنا وتستعر من هناك،

يلحظ أن شبح إعادة إحياء السلطنة العثمانية، او ما بات يعرف بالتمهيد لمخاض على ما يبدو سيكون عسيراً، او ما يُطلق عليه السلطنة العثمانية الجديدة "نيو أوتومان" Neo-Ottoman، سيكون دامياً ويرتفع منسوبها مع تثمين وتقدير المزايا والامتيازات الإستراتيجية،

خصوصاً في ظل الكباش الحاصل في منطقة الشرق الأوسط والذي تبدأ ذيوله من شمال القارة السمراء فغربها.

مما لا شك فيه، أن الخلافات بين تركيا وفرنسا باتت شبه قائمة وترتفع حدتّها قياساً بالأهمية الإستراتيجية لأي منطقة تكون موضوع نزاع.

ولعل المثال الصارخ على ذلك، أن باريس لا تستسغ على الإطلاق التدخلات العسكرية التركية القائمة في ليبيا.

كما ترفض بشكل قاطع التحركات التركية في المياه المتنازع عليها بين قبرص واليونان والتي احتدمت في الآونة الأخيرة شرقي البحر المتوسط.

والمعلوم أن النزاع بين تركيا وفرنسا يتجاوز القضايا الراهنة ويعود في أساسه إلى الحراك التركي غير الحميد في مناطق النفوذ الفرنسي في دول غرب وشمال إفريقيا.

اليوم فرنسا، وهي التي كانت تشكل القوة الاستعمارية السابقة في غرب إفريقيا لفترة لم تكن قصيرة من القرن الماضي،

تواجه مساعي تركية لتعزيز نفوذها الإقليمي، سواء من خلال تحالفات دينية وعسكرية ام حتى عبر إطلاق مشاريع تنموية.

تركيا-إردوغان التي تلهث خلف تثبيت موطئ قدم لها في القارة السمراء، تعتمد في إستراتيجيتها سياسة "القوة الناعمة"،

ويتجلّى ذلك من خلال المساعدات الإنسانية والدينية وحتى الثقافية، كما تسعى لتمهيد الطرق بغية إقامة قواعد عسكرية على غرار النهج الذي اعتمدته في الصومال في العام 2010.

ويأتي ذلك، في ظل توطيد العلاقات مع زعماء القبائل والمجموعات الدينية في الصومال، الأمر الذي ضمن لأنقرة إلى حدّ ما كسب القوة الكبيرة المرجوّة. مما أدى في نهاية المطاف إلى إقامة قاعدة عسكرية.

هذا السيناريو يقضّ مضجع فرنسا، ويدعوها للقلق من تكراره مجدداً، ولكن هذه المرة عبر بوابة دول غرب إفريقيا.

ولعلّ الانقلاب الذي شهدته دولة مالي في شهر آب/ أغسطس الماضي أزال الستارة عن احتدام الصراع الفرنسي-التركي في المنطقة.

وتجلّى ذلك من خلال زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لأعضاء المجلس العسكري الحاكم في مالي، معلناً تأييد بلاده للسلطة الجديدة.

لكن في المقابل، كان الموقف الفرنسي مناهضاً تماماً لما حصل، حيث اعترضت باريس على الانقلاب، مطالبةً في الوقت ذاته بعودة الرئيس المخلوع أبو بكر كيتا، قبل أن تعود وتتراجع لاحقاً عن ذلك.

ولكن، شبح التمدّد التركي لم يتوقف عند هذا الحدّ، لا بل طوى صفحة مالي، وصعّد مجدداً، وهذه المرة من خلال الاختراق الأكبر له عبر مجموعة الساحل الإفريقية المدعومة من باريس.

وتمكّنت انقرة من توقيع اتفاق عسكري مع دولة النيجر (إحدى الدول الأعضاء في المجموعة). إذ نص الاتفاق على إقامة قاعدة عسكرية تركية في المنطقة،

ما يُعطي لهذا الاتفاق أهمية قصوى بغية تشكيل حماية خلفية للقوات التركية في ليبيا، كما يوفّر دعماً للمجلس العسكري في ليبيا.

في المقابل، تشهد الدول الإفريقية دعماً تركياً للتصدي للمشكلات الاقتصادية والأمنية التي تتهدّدها وتعصف بها.

وتكاد ساحات النزاع الفرنسي-التركي لا تنتهي عند هذه الحدود والدول. بل تشكل البوابة المغاربية أرضية خصبة لتعميق النزاع وتظهير صراع المصالح بين القوّتيْن.

بُعيد انتخاب عبد المجيد تبّون رئيساً جديداً للجزائر، قام رجب طيب إردوغان بزيارة تهنئة وكان خطابه الشهير الذي أعلن في خلاله أن الجزائر تشكل أحد أهم المنافذ التي تمهّد لتركيا الولوج إلى مناطق المغرب العربي وأفريقيا.

والجدير ذكره، أن مئات الشركات التركية على اختلاف تخصصاتها ومجالاتها تعمل وتنشط في الجزائر،

لكن الغلبة في هذا الصعيد يبقى لفرنسا حيث تتفوّق في المجال الاقتصادي هناك. إذ تبقى المستورد والمصدّر الأول من وإلى الجزائر.

ولعل تونس تعتبر مثالاً آخر لمحاولات التوسع التركي في مناطق النفوذ الفرنسية، حيث تعزز انقرة تواجدها عبر الديبلوماسية الثقافية على غرار المنح الدراسية والمدارس الخاصة لتعليم اللغة التركية، وحتى من خلال بثّ أفلام ومسلسلات تركية في القنوات المحلية.

وعلى الصعيد السياسي، تشكّل حركة النهضة في تونس ابرز الأحزاب الموالية ايديولوجياً لأنقرة.

ولا بد من التنويه هنا، إلى أن العامل الديني، في منطقة غرب إفريقيا، يلعب دوراً بارزاً في الصراع ضد فرنسا.

إذ تعمد أنقرة الى ممارسة التغلغل الديني ودعم المجموعات الدينية فيها لتشكّل بذلك غطاءً بهدف توسيع نفوذها المالي عبر مشاريع تنموية وإقامة استثمارات في البنى التحتية.

النزال الفرنسي-التركي في منطقة غرب إفريقيا يتجاوز الاستثمارات والمساعدات الإنسانية.

وفي هذا السياق، يكشف تقرير صادر عن المركز الفكري للحروب الاقتصادية الخطوات التي تنتهجها تركيا في طموحها لإعادة إحياء "نيو-أوتومان" عبر استخدامها للمعلومات المضللة على شبكات التواصل الاجتماعي وتركيزها المبرمج على السياقات الأيديولوجية والدينية للبلدان المستهدفة.