فرانسوا فيون: التوتاليتارية الإسلامية مشروع عالمي!

02 : 01

غداة مقتل صامويل باتي الصادم، يظن رئيس الوزراء الفرنسي السابق فرانسوا فيون أن الوقت حان للتكلم عما يسمّيه منذ العام 2016 "التوتاليتارية الإسلامية" المسؤولة برأيه عن "أزمة اجتماعية كبرى".

كان فيون وزير التربية الوطنية بين العامين 2004 و 2005 وهو من أعدّ المذكرة التي تمنع ارتداء الحجاب في المدارس. يتكلم فيون في هذه المقابلة عن رأيه بآخر المستجدات...

لم نسمع مواقفك إلا في مناسبات نادرة منذ العام 2017. لماذا قررتَ أن تتكلم اليوم؟


ترددتُ كثيراً في إجراء هذه المقابلة لأنني انسحبتُ من الحياة العامة ولا أنوي العودة إليها. لكني لا أستطيع التزام الصمت حين تقع أحداث كنتُ قد سلّطتُ الضوء عليها مراراً. لا أريد أن أنضم إلى قافلة الانتهازيين الذين يستغلون أي حدث مأسوي لتحقيق طموحاتهم. يجب أن نتحلى بالتواضع ونتجنب العبارات الرنانة لأننا نواجه أزمة اجتماعية حقيقية. نحن لسنا أمام أزمة في المدارس ولا نستطيع تحميل هذا النوع من الأزمات مسؤولية الأحداث الأخيرة أصلاً. ولا يمكن أن ندّعي أننا قادرون وحدنا على مكافحة الأحداث المشتقة من وباء سياسي عالمي. تقع مئات الاعتداءات شهرياً حول العالم ومع ذلك لم تتباطأ هذه الظاهرة بأي شكل. لا يهتم نظامنا السياسي والإعلامي بما يحصل إلا عند وقوع حدث مأسوي يثير عواطف الناس. ثم يصبح الصمت سيّد الموقف مجدداً ويعود الوضع إلى سابق عهده حتى وقوع الاعتداء اللاحق.

ماذا تعني بـ"الأزمة الاجتماعية" على وجه التحديد؟

يرفض جزء كبير من الجماعات الإسلامية الاندماج في المجتمع أو تقبّل قواعد الجمهورية الفرنسية ومبادئ الحياة المشتركة فيها. الوضع في المدارس ليس إلا نتيجة لهذا السياق العام. لهذا السبب، أؤكد مجدداً على أن المدارس والمعلّمين لا يستطيعون وحدهم محاربة هذه الظاهرة التي تتمثّل بحصول تحولات كبرى في أحياء كاملة يطغى عليها شكل من "الانفصالية" كما قال رئيس الجمهورية.





هل توافق على استعمال هذه الكلمة؟

لا، لأن محرك المواقف الرافضة للاندماج لا يقتصر على النزعة الانفصالية بل يتعلق أيضاً بفرض قواعد الدين الإسلامي وقيمه وعقائده على العالم. لهذا السبب أتكلم عن التوتاليتارية. يطغى هذا الموقف طبعاً لدى أقلية من المسلمين الفرنسيين لكنه بدأ يتوسّع في أنحاء العالم.

هل بذلتَ ما يكفي من الجهود حين كنتَ وزيراً ثم رئيس الوزراء؟

أنا لا أبرئ نفسي من جميع المسؤوليات لأننا لم نأخذ بالاعتبار توسّع مواقف التطرف في المدارس بدرجة كافية. أنا شخصياً بذلتُ جهوداً أكثر من غيري بقليل، بدءاً من القانون المرتبط بارتداء الحجاب وصولاً إلى المواقف التي اتخذتُها حول هذه المواضيع. يجب ألا ننسى حجم العدائية والمعارضة التي واجهتُها. كنتُ من الوزراء القلائل الذين دافعوا عن قانون الحجاب في المدارس داخل حكومة رافاران. لتجنّب أي وصم اجتماعي مسيء، استُعمِلت صيغة مبهمة تعكس الانزعاج السائد حول هذه المواضيع وتُعرَف باسم "قانون الرموز الدينية"، مع أن هذا القانون يهدف فعلياً إلى حماية الشابات من أحد أشكال الاستعباد الذي يتمثل بالحجاب الإلزامي. وبما أننا لم نتمتع بالشجاعة الكافية للذهاب إلى النهاية في هذا التفكير، أصبحنا أمام خطاب مبهم ومنعنا وضع الصليب. لكن يجب أن نسمّي الأشياء بأسمائها ونعترف بوجود مشكلة مع الدين الإسلامي، لا الديانات الأخرى. التوتاليتارية الإسلامية تهديد عالمي ويجب أن نحاربه بلا مماطلة ومن دون الاختباء وراء الكلمات أو اللجوء إلى ابتكارات لغوية لتجنب الإحراج. إنه وضع مبرر لأن الموضوع وجودي. تتعلق هذه المسألة بالحضارة وقد تخلق لدى المسؤولين السياسيين شعوراً بالإحباط والعجز.

هل يجب أن نذهب أبعد من قانون العام 2004، كما يطالب البعض في معسكر اليمين؟

نعم. سأتكلم بصراحة مطلقة. حتى الفترة الأخيرة، كنتُ أظن أن هذه التدابير يجب أن تقتصر على المدارس لأن الهدف الأساسي يتعلق بالدفاع عن حرية الشابات غير الراشدات والمعرّضات للضغوط العائلية. ارتداء الحجاب ليس ممنوعاً إلا إذا كان يحمل طابعاً متطرفاً. لذا كان حرمان الأمهات المحجبات وغير المتطرفات في العائلات من المشاركة في الرحلات المدرسية قابلاً للنقاش من الناحية القانونية. اليوم، أنا مضطر للاعتراف بأن انزلاق جزء من المجتمع المسلم أصبح أكبر من أن نتمسك بهذه الرؤية. يجب أن نمنع الحجاب في جميع الأماكن العامة برأيي. لن نمنعه في الشوارع، بل في المدارس والجامعات وخلال الرحلات المدرسية وفي جميع المؤسسات التي تستقبل الناس.

هل تؤيد تكثيف دروس اللغة العربية في المدارس كما يريد الرئيس إيمانويل ماكرون؟

كنتُ قد اقترحتُ في برنامجي الرئاسي سابقاً أن نوقف تعليم لغات وثقافات المنشأ ونستأنف الدروس اللاتينية والصفوف ثنائية اللغة التي تجمع بين الفرنسية والألمانية. لقد أرادوا إلغاء الحصص التي تحمل طابعاً وطنياً مزدوجاً واستبدالها باللغــــة العربية، مع أن تلك الحصص عامل محوري لبناء مساحة أوروبية ثقافية وتضامنية. لكنّ سياق الأحداث الطارئة يكشف لنا أن تعلــيم هذه اللغة يجـب ألا يكـون علـى رأس أولويــــات المدارس الحكومية.


كيف لا نقتنع اليوم بأن حرية التعبير أصبحت قضية خاسرة؟

لا أستطيع تقبّل هذه الفكرة. إذا كانت قضية خاسرة فعلاً، يعني ذلك أننا نتجه إلى نهاية عصر الديموقراطية بالشكل الذي نعرفه ونقترب من نظام استبدادي غير مقبول. يجب أن ندافع عن حرية التعبير بأي ثمن. لكني لا أستطيع الإغفال عن المسؤولية الجماعية التي يتحمّلها كل من يقترح تقليص هامش حرية التعبير للحفاظ على الأمن حالما يقع أي حدث مزعج. لا يمكن تقسيم حرية التعبير. إنها الحرية التي تسمح بنشر رسوم كاريكاتورية عن النبي، لكنها تشمل أيضاً حرية الصحافي إريك زيمور بالتعبير عن آرائه على القناة الإخبارية، أو حرية الكاتبة سيلفيان أغاجينسكي بالذهاب إلى جامعة "بوردو" للتعبير عن معارضتها للتقنيات المساعِدة على الإنجاب وتأجير الرحم. تشهد فرنسا اليوم ظهور أشكال جديدة من الأصولية على المستويات البيئية والاجتماعية والسياسية. أنا مناضل شرس في سبيل حرية التعبير، حتى لو كانت تزعجني وتهاجمني في بعض الحالات. حدودها الوحيدة هي التحريض على الكره.





ما الفرق بين التوتاليتارية الإسلامية والانفصالية الإسلامية؟

الفرق واضح جداً. تبدأ الانفصالية الإسلامية حين يرغب المسلمون في العيش بحسب عاداتهم وقوانينهم وتنظيماتهم على هامش الجمهورية. أما التوتاليتارية الإسلامية، فتشير إلى مشروع عالمي يقضي بفرض قواعد وأفكار الدين الإسلامي على العالم. اتّضحت هذه الظاهرة بشدة في مشروع "الدولة الإسلامية" حين كان التنظيم يحتلّ الأراضي في سوريا والعراق. لكنها تتّضح أيضاً في خطاب جزء كبير من الدعاة حول العالم وفي سلوك دول كثيرة ترفض أي شكل من الحرية الدينية. يتعلق أحد مظاهر هذه التوتاليتارية بمصير مسيحيّي الشرق مع أن أعدادهم قليلة هناك وهم لا يطرحون أي تهديد على غيرهم. لكنهم يتعرضون للاضطهاد والطرد التدريجي من معظم البلدان المسلمة، كما حصل مع اليهود قبلهم. لقد جعلتُ الدفاع عن مسيحيّي الشرق نضالاً رمزياً لأن تقبّل التنوع والأقليات يضمن شكلاً من التعايش السلمي. تتعامل باكستان منذ وقتٍ طويل مع أكثر الحركات الإسلامية تطرفاً، وتكاد أفغانستان تقع مجدداً في قبضة حركة "طالبان"، وبدأت الحركات المتطرفة تتجدد في آسيا الوسطى. وفي الساحل الإفريقي، يزداد وضع القوات الفرنسية صعوبة مع مرور الوقت. باختصار، نحن نواجه نزعة توتاليتارية ذات مشروع عالمي.

ألا تعتبر مشروع القانون الراهـــــــن مناسباً إذاً؟

كل ما يصبّ في خانة محاربة التوتاليتارية الإسلامية يُعتبر إيجابياً. لكن لم تعد التدابير الجزئية ممكنة. تحترم الأغلبية الساحقة من الجماعات المسلمة قوانين الجمهورية الفرنسية، لكنها لا تتمتع بالشجاعة الكافية لمحاربة النزعات التي تُسبب حوادث مأسوية مثل قطع رأس مدرّس في وسط "إيل دو فرانس".

ما الرابط الذي نستطيع إقامته بين النزعة الإسلامية والهجرة؟

الرابط بين العاملَين غير مباشر. في المقام الأول، ثمة هجرة خارجة عن السيطرة أو يوجد خلل في طريقة التحكم بها بسبب حق اللجوء تحديداً، فقد كان هذا القانون مسؤولاً عن ارتكاب أعمال عنف متكررة على أرضنا. أدت موجة توافد المهاجرين بأعداد ضخمة نسبةً إلى قدرات الاندماج في بلدنا إلى نشوء النزعة الانفصالية التي يتكلم عنها رئيس الجمهورية، ما يعني أن جزءاً من الشعب يشعر بإحباط كبير ويسهل أن تصبح هذه الجماعة بيئة حاضنة للتطرف. لهذا السبب تحديداً، اقترحتُ أن نغيّر قوانين اللعبة على مستوى استقبال المهاجرين في بلدنا، ودعوتُ إلى تحديد حصصٍ يصوّت عليها البرلمان سنوياً بناءً على قدرات الاستيعاب في أماكن السكن والمؤسسات التعليمية والوضع الاقتصادي وعوامل مؤثرة أخرى. ويجب أن تترافق هذه الخطوة مع رغبة صادقة في إقامة التوازن المناسب بين مختلف مصادر الهجرة في أنحاء العالم، كما يفعل الكنديون مثلاً. باختصار، يجب أن تكون الهجرة منتقاة بدل أن تُفرَض علينا. في النهاية، يرتكز الرابط القائم بين الهجرة والأسلمة بشكلٍ أساسي على فشل عملية الاندماج الاجتماعي.