محمد علي مقلد

في نقد الثورة (2)

2 تشرين الثاني 2020

02 : 00

قال سمير عطالله المُبدع في مقالته: "شعبك مهاجر ومسافر وبلا سقف وعلى الطرقات. ولنكفّ عن كذبة 30 عاماً. ما شهدنا شيئاً من هذا ولا في 300 عام. ما عرفنا شيئاً من كلّ هذا السوء إلا في الأعوام الثلاثة الأخيرة".

انتبهت حين قرأته إلى أنّ كذبة 30 عاماً لم تكن كذبة الحكّام وحدهم، بل استساغ حملها الثوار أيضاً، ما كان أكثر تعبيراً عن الغضب من فشل الحكم وأكثر جدوى لتجميع اللبنانيين المنكوبين بحكّامهم من شعار "كلّن يعني كلّن".

في لحظة الغضب يعبّر المرء عن نفسه بلا قيود ولا رقابة، و"يخبط خبط عشواء، فمن تُصِبْ تُمِتْه"، على ما قال زهير بن أبي سلمى. بعد أقلّ من أسبوعين على انفجار 17 تشرين الأول، كان ينبغي أن يهدأ روع الثورة. هي انطلقت بعفوية ومن دون تخطيط، "من دون النظر إلى ساعة الحائط أو مفكّرة الجيب" عرفت موعد صراخها (محمد الماغوط). حقّقت إنجازها الأول وأسقطت الحكومة. كانت مطالبة بالصراخ وبات عليها أن تفكّر لماذا يتبارز المتّهمون بالفساد وبتدمير البلاد ويرشقون بعضهم بعضاً بالشعار ذاته، ويستخدمونه كجواز مرور للتقرّب من الثورة والتسلّل إلى صفوفها؟

أكثر من طرف في السلطة انبرى يحاكي الثورة ويتناغم معها في كلامه عن الشفافية وفي إدانته انتهاك الدستور وتهريب الأموال. رفعوا الشعار ذاته واستخدمه كلّ على هواه. صوغ الشعارات موهبة غير قابلة للاحتكار، ولا فضل لشعار على آخر إلا بجدواه، بقيمته الاستعمالية، بمرونته وقابليته على التوظيف لصالح من يحمله. لكن لا شيء بعد 17 تشرين كما كان قبله، بما في ذلك الشعارات.

شعار "كلّن يعني كلّن" فعل فِعله، لا في إسقاط الحكومة فحسب، بل في انفكاك قوى التحالف الحاكم، حتى لا نقول تفكّكاً. كان بإمكان الثورة أن تلتقط هذه اللحظة لتضيّق الخناق على التحالف الميليشيوي المافيوي، الذي أثبتت الوقائع اللاحقة أنّه هو المسؤول عن الإنهيار، فيما المسؤولون عن الأزمة هم كلّ من شارك في السلطة أو في الحرب الأهلية من أهل اليمين وأهل اليسار.

الثورة في موقع الهجوم وفي موقع المنتصر. كان عليها، من باب الأخلاق الثورية كما من باب الحنكة السياسية، أن ترحّب بمن انسحب من تحالف السلطة، وتُلزمه بالحياد على الأقلّ، خصوصاً أنّهم قرنوا انسحابهم بموقف يصبّ في مصلحة الثورة، إذ أعلنت قياداتهم استعدادها الطوعي للخضوع للمحاسبة أمام القضاء، وتحول مناصروهم مناصرين للثورة ومشاركين بفعالية في كل تحرّكاتها.

سنحت للثورة فرصة ثمينة لإعادة خلط الأوراق، نجحت في طيّ صفحة بعض الإنقسامات القديمة، وفشلت في أخرى. نجحت في جمع اللبنانيين تحت العلم الوطني، وفي فضح الأكاذيب المتوارثة عن الطائفية وشرورها، لكنّها لم تبذل الجهد الكافي لإعلان موت الإنقسام الآذاري، 8 و14، ربّما لأنّ شريحة واسعة من أهل الثورة يعود بها الحنين إلى تلك اللحظة التاريخية التي أخرجت الجيش السوري من لبنان. لكنّ التاريخ يأبى أن يكرّر نفسه.

لم يفت الأوان بعد. على الثورة أن ترسم خطوط تماس جديدة بين أنصار الدولة وأنصار الميليشيات.


MISS 3