فون إيزابيل هولسين

كبيرة خبراء الاقتصاد في البنك الدولي كارمن راينهارت: قطاعات كاملة غير قابلة للتعافي بسبب كورونا!

4 تشرين الثاني 2020

المصدر: DER SPIEGEL

02 : 01

تناقش كبيرة خبراء الاقتصاد في البنك الدولي كارمن راينهارت في هذه المقابلة العوامل التي تجعلها تعتبر التعافي الاقتصادي السريع مجرّد وهم وأسباب اقتناعها بأن سياسات الإنفاق على الديون قد تسهم في محاربة مظاهر الفقر المتزايدة. تنحدر راينهارت (65 عاماً) في الأصل من هافانا، كوبا، وقد أصبحت نائبة رئيس البنك الدولي في واشنطن منذ شهر حزيران. هي كرّست مسيرتها الأكاديمية لدراسة الأزمات الاقتصادية والديون السيادية ونشرت في العام 2009 كتابها This Time Is Different:Eight Centuries of Financial Folly (هذه المرة مختلفة: ثمانية قرون من الحماقات المالية) بالتعاون مع كينيث روغوف. يصف هذا الكتاب كيف يغفل المستثمرون والمصرفيون في البنك الدولي والسياسيون عن المؤشرات التحذيرية التي تنذر بركود حاد في معظم الأحيان لأنهم يظنون أن الظروف المستجدة لا تشبه سابقاتها.

في آذار 2020، حذرتِ من أن الوضع هذه المرة مختلف. لماذا كوّنتِ هذا الرأي منذ مرحلة مبكرة؟

لأن هذا الانهيار لم يبدأ بحصول تجاوزات مالية كتلك التي تسبق الأزمات المالية في الحالات العادية، ولم يبدأ بسبب فقاعات الإسكان أو فرط المديونية في الأُسَر والشركات. كان جزء من تلك المشاكل كامناً لكن لم تنشأ الأزمة المستجدة بسبب تلك الاضطرابات. لا تكون المقارنات التاريخية للأوبئة مفيدة جداً في هذا المجال أيضاً. حين تفشى وباء "كوفيد-19"، أول ما فعلتُه هو مراجعة مسار الإنفلونزا في العام 1918. ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الولايات المتحدة حينها بنسبة 9% وكنا منشغلين بالحرب العالمية الأولى. ما هي المعلومات المفيدة التي يمكن استخلاصها من هذه المقارنات؟

إذا كانت هذه الأزمة مختلفة جداً، ما معنى هذا الاختلاف على مستوى سرعة التعافي؟

كلما طالت مدة الإقفال التام والشكوك السائدة، ستزيد الأضرار على مستوى الميزانيات العمومية للحكومات والأُسَر والشركات. تبدأ نقاط التشابه بين هذه الأزمة والأزمات التاريخية الأخرى بالظهور في هذا المجال بالذات. في ظروف مماثلة، تصبح مسائل الهشاشة المالية وحالات الإفلاس أكثر تأثيراً بكثير. كل من يخسر وظيفته ولا يجد عملاً آخر بسرعة سيواجه صعوبة في تسديد ديونه. تكثر الشركات التي تنشط في قطاعات غير قابلة للتعافي مثل الترفيه والمطاعم والبيع بالتجزئة.


هل نتجه نحو ركود طويل الأمد؟


تاريخياً، في آخر 160 سنة تحديداً، بلغ متوسط الوقت اللازم للتعافي، أي العودة إلى مستوى الدخل الفردي المُسجَّل قبل الأزمة، ثماني سنوات. بعض البلدان سيتعافى بوتيرة أسرع من غيره بينما يحتاج البعض الآخر إلى وقتٍ أطول. بعد الأزمة المالية بين العامين 2008 و2009، كانت ألمانيا أسرع من تعافى. واجهت البنوك الألمانية مسألة أوراق الرهن العقاري، لكن لم تتعامل ألمانيا مع مشكلة فقاعات الإسكان وفرط المديونية في الأُسَر كما في الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا وأيرلندا. هذه المرة أيضاً، من المتوقع أن تحتاج أفقر البلدان إلى أطول مدة للتعافي.


واجهت بلدان كثيرة أزمة مرتبطة بفرط الديون. هل ستفتقر إلى الموارد التي تحتاج إليها؟


تملك الاقتصادات المتقدمة موارد كثيرة تفوق الاقتصادات الناشئة بأشواط لأنها تستطيع أن تقترض بسعرٍ أرخص، وهي تشبه بذلك عدداً كبيراً من البلدان منخفضة الدخل التي لا تستطيع الوصول إلى أسواق الرساميل الخاصة. زادت مخاطر التخلّف عن سداد الديون بدرجة كبيرة في الحكومات التي كانت تواجه أصلاً وضعاً مالياً هشاً حين بدأت الأزمة المستجدة. داخل البلدان أيضاً، تستهدف هذه الأزمة أضعف الناس وتُسبب لهم أسوأ المشاكل. يشير أحدث تقرير أصدره البنك الدولي حول الفقر والازدهار المشترك إلى أول ارتفاع فائق في معدلات الفقر العالمي منذ أكثر من 20 سنة.


ما هي البلدان المعرّضة للتخلف عن سداد ديونها؟


تواجه نصف البلدان ذات الدخل المنخفض (مجموعها 73 بلداً) ضائقة مالية بسبب الديون أصلاً أو تقترب من هذا الوضع الصعب بوتيرة سريعة. تُعتبر زامبيا أحدث مثال على الدول المُعرّضة للتخلف عن سداد الديون. سبق وواجهت بلدان مثل لبنان والأرجنتين والإكوادور هذا الوضع، وثمة مشاكل عالقة في فنزويلا وسورينام أيضاً.





حتى الآن، لم يسبب هذا الوضع أزمة مالية في الاقتصادات المتقدمة.


في حقبة تراجع أسعار الفائدة، نحن نبحث عن العائدات التي دفعت المستثمرين في الاقتصادات المتقدمة إلى إقراض المزيد للأسواق الناشئة. لكن يخطئ من يظن أن الاقتصادات المتقدمة لن تواجه أي تداعيات. تتعدد البلدان التي اقترضت من مستثمري القطاع الخاص وأصدرت السندات في مساحة السوق الحدودي. منذ خمس سنوات، اعتُبرت هذه الدول ناجحة جداً لكنها توضع اليوم في خانة الجهات الهشة. من المعروف أننا نتكلم عن دول البريكس، حيث بقيت الصين وحدها استثناءً على القاعدة. تواجه البرازيل نقاط ضعف كثيرة وتجد صعوبة متزايدة في احتواء وباء "كوفيد - 19"، وبدأ الفضاء المالي في الهند ينكمش. كذلك، أصبح جنوب إفريقيا وتركيا، وهما من أهم الأسواق الناشئة، أكثر ضعفاً بكثير مما كانا عليه قبل سنة فقط.


ما حجم المخاطر التي تطرحها الأزمة المالية العالمية؟


يظن الناس أن الأزمات المالية تترافق دوماً مع أسوأ الأحداث الدرامية، على غرار تجربة "ليمان براذرز". أنا لا أتكلم عن هذه الحالات، بل أعني فترة القروض الفائقة والمتعثرة التي تتطلب مضاعفة إعادة الرسملة من الحكومات وتجعل المؤسسات تتردد كثيراً في تقديم أي قروض جديدة خوفاً من حصول أزمة ائتمان. قد تنشأ هذه الظروف من دون أحداث درامية مفرطة وقد تدوم لوقتٍ طويل. تُعتبر أوروبا خير مثال على ذلك: بعد العامَين 2008 و2009، ترددت البنوك الأوروبية كثيراً في منح القروض.


هل من مؤشرات على تكـــــــرار ذلك الوضع مجدداً؟


في الوقت الراهن، توقفت جميع النشاطات. قررت بلدان كثيرة إعطاء فترات سماح للشركات والأُسَر بموجب قرار حكومي مباشر أو عبر مبادرة من البنوك. لكن لا مفر من انتهاء هذه الفترة ويبدو لي الوضع المرتقب مقلقاً حين أتطلع إلى السنة المقبلة. الائتمان هو محرك للنمو. وإذا شددت البنوك معايير الإقراض فيها وزادت حاجة الأُسَر والشركات إلى الائتمان، سيشكّل هذا الوضع عائقاً أمام التعافي.


ما العمل في هذه الظروف؟


الدرس الأساسي الذي يمكن استخلاصه على مستوى سياسات الدول هو التالي: كلما حصلت إعادة هيكلة الديون الخاصة في مرحلة أبكر، ستزيد سهولة تحديد القروض المتعثرة وتقييم الحاجة إلى خفض قيمة الموجودات سريعاً، ويمكن حينها إصلاح الميزانية العمومية المصرفية وتوجيه البنوك نحو حقبة جديدة من الإقراض في أسرع وقت.


لقد طالبتِ بتأجيل سداد الديون في أفقر بلدان العالم. ما الذي يدفع الدول المُقرِضة التي تواجه بدورها ضغوطاً مالية كبرى إلى الموافقة على هذا الطلب؟


ثمة تعليق موقّت للدفع اليوم بفضل "مبادرة تعليق خدمة الديون" لصالح البلدان ذات الدخل المنخفض، وقد أطلقتها مجموعة العشرين في شهر أيار الماضي ومدّدتها للتو لستة أشهر إضافية. لقد توقعنا أن يقوم القطاع الخاص بالمثل، لكن لم يحصل ذلك. لا يمكن التعبير عن خيبة الأمل التي نشعر بها.


لكن ماذا عن التدابير الدائمة مثل خفض قيمة الموجودات؟


يريد معظم الدائنين أن يتلقوا 100 سنت مقابل كل يورو تم إقراضه. لطالما كان الوضع كذلك. تاريخياً، كان المسار الذي يُمهّد لإعادة هيكلة الديون طويلاً وشاقاً في جميع الحالات. كنا نصل إلى هذا الوضع عموماً عبر التخلص من جميع البدائل الأخرى التي تثبت عدم فعاليتها. من خلال تجنب هذا السيناريو، يمكن إنقاذ البلدان ذات الدخل المنخفض من معاناة هائلة. على طول هذا المسار، تتدهور الظروف الاجتماعية والإنسانية بشكلٍ ملحوظ.


في ألمانيا، تسود فكرة عامة مفادها أن الدين عامل سيئ وأن الامتناع عن سداده انتهاك فاضح.


حفاظاً على مصلحة أفقر البلدان، نتمنى أن يتبنى الدائنون، بغض النظر عن فلسفتهم، رؤية أكثر عملية للاعتراف بأن جزءاً من تلك الديون لا يمكن سداده بقيمته الكاملة. لم تقرر هذه البلدان أن تطلق موجة من الإنفاق المفرط. بل تواجه أفقر الدول حالة طارئة ترتبط بأزمة صحية كبرى تزامناً مع زيادة حاجاتها الاجتماعية وانهيار مداخيلها.


لكنكِ تعتبرين زيادة الديون الحل المناسب لهذه الأزمة.


أنا لم أقل ذلك يوماً ولا أحمل نظرة حميدة إلى الديون أصلاً. ما قلتُه هو التالي: نحن نخوض حرباً حقيقية. وحين نخوض أي حرب، يجب أن نضمن أولاً الفوز بها قبل أن نقلق حول كيفية سداد الديون العالقة. للأسف، لا نملك في هذه المرحلة لائحة كاملة من البدائل المدهشة وما من حلول شاملة للمشكلة.


اقترض عدد كبير من الدول النامية المال من الصين وغالباً ما يبقى حجم هذا "الدين الخفي" مجهولاً. هل ستستعمل بكين القروض كورقة ضغط لتنفيذ أهدافها السياسية؟


أفضّل ألا أطرح أي فرضيات حول دوافع الصين. لكني سأوضح مخاطر هذا النوع من قلة الشفافية: كيف سيتمكن صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو الحكومات من إطلاق مبادرات فعالة لتحسين القدرة على تحمّل الديون إذا لم تعرف هذه الجهات حجم ديون الدول؟ قد يؤدي هذا الوضع أيضاً إلى خلل في تقييم المخاطر. ماذا لو اكتشف المستثمرون مثلاً أن الدين أكبر بكثير من الأرقام المعروضة؟ وماذا سيحصل حين يكتشفون أن قروض الصين لها الأولوية لأنها فرضت شكلاً من الضمانات؟ يترافق جزء كبير من القروض الصينية مع ضمانات محددة. في نهاية المطاف، من الواضح أن هذه المسألة تخصّ عامة الناس في تلك البلدان. يجب أن يعرفوا طريقة استخدام مواردهم.