تايوان وهونغ كونغ... ساحتان تُجسّدان حساسيّة الكباش الصيني - الغربي

11 : 15

متظاهر يحمل جواز سفر بريطانيّاً أمام قنصليّة المملكة المتّحدة في هونغ كونغ أمس (أ ف ب)

ندّدت الصين أمس ببيع الولايات المتّحدة الأميركيّة 66 مقاتلة من نوع "أف 16" إلى تايوان، وتعهّدت بفرض عقوبات على الشركات الأميركيّة الضالعة ببيع هذه الطائرات الحربيّة، في وقت أكّدت بكين كذلك توقيف موظّف يعمل في القنصليّة البريطانيّة في هونغ كونغ فُقِدَ الاتصال به في الثامن من آب، في أجواء من التوترات المتصاعدة بسبب التظاهرات الحاشدة في المستعمرة البريطانيّة السابقة.

وأكّد المتحدّث باسم الخارجيّة الصينيّة غنغ شوانغ خلال مؤتمر صحافي أن بلاده "ستتّخذ التدابير الضروريّة كافة لحماية مصالحها، ومن ضمنها فرض عقوبات على الشركات الأميركيّة الضالعة في عمليّة بيع الأسلحة هذه إلى تايوان"، محذّراً من أن "الصفقة بمثابة تدخّل خطير في شؤوننا الداخليّة وتقويض لسيادتنا ومصالحنا الأمنيّة"، إذ تعتبر الصين تايوان جزءاً لا يتجزّأ من أراضيها. ورفعت الصين احتجاجاً ديبلوماسيّاً ضدّ الصفقة، وحضّت الولايات المتّحدة على "التراجع فوراً عن مشروع بيع الأسلحة هذا، والتوقّف عن بيع أسلحة لتايوان، وقطع كلّ علاقاتها العسكريّة معها".

وأعلنت واشنطن أمس الأوّل أنّها وافقت على بيع تايوان مقاتلات، في صفقة تُقدّر قيمتها بثمانية مليارات دولار، جاءت بعد شهر من صفقة بيع أسلحة أخرى أثارت الجدل أيضاً، ويأتي ذلك في ظلّ توتر في العلاقات بين واشنطن وبكين على خلفيّة أشهر من الحرب التجاريّة. وكشف وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وافق على الصفقة بعد إبلاغ الكونغرس رسميّاً بها الأسبوع الماضي. ورأى بومبيو أن مقاتلات "أف 16" "تتوافق بشكل عميق مع الترتيبات والعلاقة التاريخيّة بين الولايات المتّحدة والصين"، موضحاً أن "تصرّفاتنا متوافقة مع السياسات الأميركيّة الماضية"، مضيفاً: "نحن فقط نفي بالتزامات اتخذناها إزاء كلّ الأطراف".

ويحكم جزيرة تايوان نظام منافس لبكين بعد سيطرة الشيوعيين على الحكم في الصين القاريّة العام 1949، في أعقاب الحرب الأهليّة الصينيّة. وتُهدّد بكين مراراً باللجوء إلى القوّة في حال إعلان تايبيه استقلالها أو في حال تدخّل خارجي فيها، خصوصاً من واشنطن. وتايوان غير معترف بها كدولة مستقلّة في الأمم المتّحدة. وتُريد تايوان تحديث دفاعاتها الجوّية وسط خروق متزايدة لسلاح الجوّ الصيني لمجالها الجوّي. وفي هذا الاطار، اعتبر المتحدّث باسم الرئاسة التايوانيّة تساي إينغ وين أن مقاتلات "إف 16" "تُعزّز بشدّة قدراتنا الدفاعيّة الجوّية". وتملك تايوان أصلاً أسطولاً من طائرات "أف 16" حازت عليه العام 1992. لكن الصفقة العسكريّة الأخيرة مع واشنطن تشمل أجهزة أكثر حداثة ومزوّدة بتقنيات وأسلحة متطوّرة، وتشمل إضافة إلى المقاتلات 75 مفاعلاً ورادارات وقطع غيار مختلفة وأسلحة متنوّعة.

وقطعت واشنطن علاقاتها الديبلوماسيّة مع تايبيه العام 1979، للتمكّن من الاعتراف بحكومة بكين الشيوعيّة كممثل وحيد عن الصين، لكنّها تبقى أقوى حلفاء تايوان والمصدر الأوّل لتزويدها بالسلاح. ويسعى ترامب إلى تعزيز العلاقات مع الجزيرة وأبدى استعداداً أكبر لبيعها منظومة تسلّح متطوّرة. وأشارت الخارجيّة الأميركيّة في تموز إلى صفقة بقيمة 2.2 مليار دولار لبيع تايوان 108 دبّابات قتاليّة و250 قاذفة صاروخيّة أرض - جو. وردّت بكين حينها أيضاً بالإعلان "عن عقوبات ضدّ الشركات الأميركيّة الضالعة في الصفقة".

وعلى صعيد آخر، أكّدت الخارجيّة الصينيّة توقيف موظّف يعمل في القنصليّة البريطانيّة في هونغ كونغ. وأوضحت أن الرجل وُضع قيد التوقيف مدّة 15 يوماً في شينزن، المدينة الصينيّة المجاورة لهونغ كونغ، لمخالفته قانوناً حول الأمن العام. ولم يكشف المتحدّث باسم الخارجيّة الصينيّة الوقائع التي يُتّهم بها الموظّف، ولا ما إذا كان سيُفرج عنه في نهاية مدّة توقيفه، مشيراً إلى أنّه لا يحمل الجنسيّة البريطانيّة بل هو من هونغ كونغ، أيّ أنّه صيني الجنسيّة، مؤكّداً بذلك "أنّها قضيّة داخليّة صينيّة".

وكان مكتب الشؤون الخارجيّة البريطاني عبّر في بيان أمس الأوّل عن قلقه بعد معلومات تتحدّث عن توقيف السلطات في الصين القاريّة أحد موظّفي قنصليّة المملكة المتّحدة في هونغ كونغ أثناء عودته إلى المدينة. ولم يكشف المكتب هويّة الموظّف. لكن عائلة الموظّف كشفت هويّته عبر موقع "فيسبوك"، معلنةً أن سايمون شينغ توجّه في الثامن من آب إلى مدينة شينزن في إقليم غواندونغ، التي تبعد ساعة عن هونغ كونغ، لعقد لقاء عمل. وعاد شينغ مساء اليوم نفسه بالقطار السريع إلى هونغ كونغ وتبادل الرسائل مع صديقته عند اجتيازه مركز الجمارك. وأوضحت العائلة أنّه "منذ ذلك الحين انقطع الاتصال معه".

ولفتت العائلة أيضاً إلى أن إدارة الهجرة في هونغ كونغ وبعد مشاورتها المكتب البلدي للتجارة في شينزن أبلغتها شفهيّاً بأنّ سايمون يخضع للاعتقال الإداري، لكنّها لم تحصل على أيّ تفاصيل عن أسباب ومكان ومدّة توقيفه. كما ذكرت أنّها لم تتلقَ أيّ إبلاغ رسمي عن توقيف إداري، بينما أكّد لها محامون أن قضيّة شينغ تُعالج من قبل مكتب الأمن العام في شينزن، لكنّهم لم ينجحوا في معرفة مكان احتجازه. وكتبت العائلة في رسالتها على "فيسبوك": "نشعر أنّنا عاجزون وقلقون جدّاً على سايمون"، مضيفةً: "نأمل في أن يعود في أقرب وقت ممكن إلى هونغ كونغ".

ويأتي ذلك بينما تشهد هونغ كونغ أخطر أزمة سياسيّة منذ عقود. فمنذ أسابيع يقوم متظاهرون مطالبون بالديموقراطيّة بتجمّعات حاشدة تخلّلتها أحياناً مواجهات عنيفة بين الشرطة والمحتجّين. ويتزايد تشدّد الصين في مواقفها إزاء التظاهرات، التي تعتبرها تهديداً مباشراً لسلطتها. وحذّرت بكين مراراً بريطانيا، سلطة الاستعمار السابقة في هونغ كونغ، من "التدخّل" في الاحتجاجات. ويبدو أن الانتقادات العلنيّة البريطانيّة لطريقة التعامل مع التظاهرات غير المسبوقة المناهضة لبكين، والتي تهزّ هونغ كونغ منذ أسابيع، قد أثارت غضب السلطات الشيوعيّة.