أوزاي بولوت

جرائم الحرب الأذربيجانية والتركية ضدّ الأرمن يجب ألّا تمرّ بلا عقاب

16 تشرين الثاني 2020

المصدر: Modern Diplomacy

02 : 01

توقفت الحرب التي أطلقتها أذربيجان وتركيا في 27 أيلول ضد الجمهورية الأرمنية "أرتساخ" (أو "ناغورنو كاراباخ") في جنوب القوقاز بعد التوصل إلى اتفاق أُبرِم بواسطة روسيا وفُرِض على أرمينيا. بناءً على الاتفاق المتداول، يتعين على الأرمن أن يتخلوا عن معظم أراضيهم في "أرتساخ" لصالح أذربيجان بحلول 1 كانون الأول، ما يعني إجبار جميع الأرمن المقيمين في تلك المناطق على الرحيل قبل ذلك التاريخ. في خضم حملات القصف العشوائي، ارتكب المعتدون (أي أذربيجان وتركيا إلى جانب قوات جهادية سورية) عدداً كبيراً من جرائم الحرب ضد الأرمن. فقتلوا المدنيين، وأصابوا الصحافيين، وأحرقوا القرى والغابات والكنائس، وعذبوا الأرمن وقطعوا رؤوسهم، وأعدموا السجناء.

ذكرت قناة "بي بي سي" في 24 تشرين الأول: "يُظهِر فيديو منشور على تطبيق مراسلة كيف ألقت القوات العسكرية الأذربيجانية القبض على شخصَين أرمنيَين بزي عسكري. ويكشف فيديو آخر على ما يبدو إطلاق النار على هذين الرجلَين فيما كانت أيديهما مكبّلة وراء ظهريهما. سرعان ما تعرّفت السلطات الأرمنية عليهما: إنهما بينيك هاكوبيان (73 عاماً) ويوري أداميان (25 عاماً)".

كذلك، استخدمت القوات الأذربيجانية ذخائر عنقودية ضد "أرتساخ" في محاولة منها لإحراق الغابات التي اختبأ فيها المدنيون الأرمن. وفق تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في 23 تشرين الأول، "استعملت أذربيجان بشكلٍ متكرر ذخائر عنقودية محظورة على نطاق واسع في المناطق السكنية في "ناغورنو كاراباخ". مُنِع استخدام الذخائر العنقودية بسبب آثارها العشوائية الواسعة ومخاطرها طويلة الأمد على المدنيين".

أدى الاقتناع الهوسي والخاطئ بانتماء "أرتساخ" إلى أذربيجان إلى إطلاق حملة تطهير عرقي لتهجير السكان الأصليين الأرمن من أراضيهم.

كانت منطقـــة "أرتساخ" في الأصل واحدة من محافظات أرمينيا القديمة وقد حافظت على أغلبية سكانية أرمنية على مر القرون. مع ذلك، أصدر الدكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين قراراً بضم "أرتساخ" إلى جمهورية أذربيجان السوفياتية الجديدة في بداية العشرينات. سرعان ما عاقبت أذربيجان الأرمن بعنف حين طالبوا سلمياً بتقرير مصيرهم.

تعرّض الأرمن تحت سيطرة أذربيجان لحملة اضطهاد كبرى، منها المذابح المنظّمة في "سومجيت" و"باكو" بين العامين 1988 و1990. ثم انهار الاتحاد السوفياتي في السنة اللاحقة وأعلنت أذربيجان وأرمينيا و"أرتساخ" استقلالها. لكن رفضت أذربيجان من جهتها استقلال "أرتساخ" وأطلقت في العام 1992 حرباً استمرت سنتَين وأسفرت عن مقتل حوالى 30 ألف شخص.

بعــــد مرور 26 سنة على تلك الأحداث، هــــا هم الأرمن في "أرتساخ" يتعرضـون مجـدداً للاعتداء من جانب أذربيجاـن. لكن تفوقت أذربيجان في الصراع هذه المرة بفضل إمدادات الأسلحة والدعم الديبلوماسي والعسكري من تركيا. كذلك، ذكرت وكالات إخبارية وحكومات ومصادر الأمم المتحدة أن تركيا أرسلت إرهابيين جهاديين من سوريا لدعم أذربيجان في معركتها ضد الأرمن.

صرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل: "نملك معلومات الآن مفادها أن المقاتلين السوريين المنتمين إلى جماعات جهادية عبروا في مدينة "غازي عنتاب" (جنوب شرقي تركيا) للوصول إلى ساحة العمليات في "ناغورنو كاراباخ". هذه المعلومة الجديدة خطيرة جداً وكفيلة بتغيير الوضع القائم".

على صعيد آخر، أصدر مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريراً في 11 تشرين الثاني، جاء فيه: "تعليقاً على استخدام المرتزقة، تكلم فريق عمل الأمم المتحدة عن انتشار تقارير مفادها أن حكومة أذربيجان، بمساعدة تركيا، اتّكلت على مقاتلين سوريين لتعزيز عملياتها العسكرية ومتابعتها في منطقة الصراع "ناغورنو كاراباخ" وعلى خط المواجهة أيضاً. بدا وكأن المقاتلين يتحركون في المقام الأول من باب المنفعة المادية نظراً إلى تدهور الوضع الاقتصادي في الجمهورية العربية السورية وفق خبراء الأمم المتحدة. وفي حال مقتلهم، تفيد التقارير بأن أقاربهم حصلوا على وعد بتلقي تعويض مالي والجنسية التركية".

يقول كريس كواجا، رئيس فريق عمل الأمم المتحدة: "بدا وكأن طريقة تجنيد هؤلاء الأفراد ونقلهم واستعمالهم في منطقة الصراع "ناغورنو كاراباخ" ومحيطها تتماشى مع تعريف المرتزقة الذي حدّدته جهات قانونية دولية، بما في ذلك "الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم"، علماً أن أذربيجان منتسبة إليها. يضيف كواجا: "تذكر التقارير أيضاً أن تركيا شاركت في عمليات تجنيد واسعة النطاق ونقلت الرجال السوريين إلى أذربيجان عن طريق فصائل مسلّحة، بعضها منتسب إلى الجيش الوطني السوري. يشكّل دور تركيا المزعوم مصدر قلق إضافي نظراً إلى ادعاءات مشابهة نشرها فريق العمل في وقتٍ سابق من هذه السنة حول دورها في تجنيد هؤلاء المقاتلين ونشرهم وتمويلهم كي يشاركوا في صراع ليبيا".

نُشِر تقرير الأمم المتحدة بعد يومين على توقيع المعاهدة. لكن لطالما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صريحاً حول دعمه للحرب على "أرتساخ"، فقال في 6 تشرين الأول: "نحن ندعم أذربيجان حتى تحقيق النصر. أقول لإخوتي الأذربيجانيين: لتكن غزوتكم مباركة"!

تشير "الغزوة" في الإسلام إلى معركة أو هجوم ضد غير المسلمين بهدف توسيع الأراضي الإسلامية و/‏أو دفع غير المسلمين إلى اعتناق الإسلام. وفي خطاب آخر في 1 تشرين الثاني، أعلن أردوغان: "نحن موجودون في سوريا وليبيا وأذربيجان. لقد أثبتنا موقفنا المُشرّف نفسه من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأسود، ومن سوريا إلى ليبيا، ومن قبرص إلى كاراباخ".

قبل الحرب، كان العدد السكاني في "أرتساخ" يبلغ حوالى 150 ألف نسمة. سببت الاعتداءات التركية والأذربيجانية ضد المنطقة أضراراً هائلة على مستوى البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المنازل والمستشفيات، وتهجّر حوالى 90 ألف أرمني. وفي 23 تشرين الأول، أصدر عدد من خبراء الإبادات الجماعية بياناً حول "التهديد الوشيك بارتكاب إبادة جماعية نتيجة هجوم أذربيجان وتركيا ضد أرتساخ". تخلى المجتمع الدولي بالكامل عن أرمينيا، فواجهت تهديداً وجودياً واضطرت للتوقيع على اتفاق يسمح لأذربيجان بالاستيلاء على معظم أجزاء "أرتساخ". وبعد تدمير 60% من هذه المنطقة ومحاصرة القوات الأذربيجانية العدائية للأراضي المتبقية، أصبح جزء كبير من الأرمن المقيمين هناك منذ أجيال مضطراً للهرب من أرضه الأم.

في غضون ذلك، نزل مئات الأتراك والأذربيجانيين إلى الشوارع في مدينة "ليون" الفرنسية خلال الحرب بحثاً عن الأرمن. فنظموا مسيرات وهم يحملون الأعلام التركية وراحوا يهتفون بشعارات "الله أكبر" و"أين أنتم يا أرمن؟ أين أنتم؟ نحن هنا... يا أوغاد". ثم أعلن السفير الفرنسي في أرمينيا جوناثان لاكوت أن الشرطة الفرنسية كانت تحمي مراكز الجالية الأرمنية في فرنسا من الاعتداءات وأعمال التخريب التركية والأذربيجانية.

وفي خطوة أخرى للتصدي للاعتداءات التركية، حَظَر وزير الداخلية الفرنسي جماعة تركية قومية متطرفة تُعرَف باسم "الذئاب الرمادية" غداة تخريب نصب تذكاري لضحايا الإبادة الأرمنية من العام 1915.

في المقابل، أدانت وزارة الخارجية التركية ذلك القرار على اعتبار أن "حركة "الذئاب الرمادية" غير موجودة أصلاً، بل تشكّل محاولات فرض قرارات وهمية بناءً على تصرفات بعض الأفراد أحدث مثال على الوضع النفسي المتناقض الذي يعيشه هذا البلد".

لكنّ حركة "الذئاب الرمادية" موجودة فعلاً، وهي تُعرَف رسمياً باسم "الأندية المثالية". إنها منظمة تركية يمينية متشددة وعنصرية وتابعة لـ"حزب الحركة القومية" التركي. تورطت هذه الحركة في عدد من أعمال العنف ضد المدنيين وشخصيات سياسية ودينية، بما في ذلك مذبحة العلويين في مدينة "مرعش" في جنوب شرق تركيا في العام 1978، ومحاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في العام 1981.

تثبت الاعتداءات على الأرمن في جنوب القوقاز وأوروبا أن هذه الحرب لا تتمحور حول كسب الأراضي حصراً، بل تتعلق أيضاً بطموحات تركيا وأذربيجان التوسعية ومشاعر الكره المستمرة من الطرفَين ضد الأرمن.

كما حصل خلال الإبادة الجماعية ضد الأرمن في العام 1915 على يد السلطنة العثمانية، تخلى المجتمع الدولي مجدداً عن الشعب الأرمني السلمي الذي يُعتبر من سكان الأرض الأصليين. ما لم يتخذ العالم المتحضّر خطوات جديدة وفعالة فوراً، ستُحقق الحركة التركية العثمانية الجديدة والجهاد، النصر بفضل الاتفاق المفروض على أرمينيا حديثاً.

بدأت الأصوات المعارِضة للاتفاق ترتفع في أوروبا أخيراً. في 11 تشرين الثاني، ذكرت قناة "فرانس 24" أن الرئاسة الفرنسية بصدد دراسة معايير وقف إطلاق النار الذي لعبت فيه روسيا دور الوساطة، وأضافت أن أي اتفاق طويل الأمد يُفترض أن "يحمي مصالح أرمينيا أيضاً". ونقل مكتب ماكرون عن الرئيس موقفه القائل إن الجهود التي تصبّ في هذه الخانة يجب أن تُبذل "بلا تأخير" لمحاولة التوصل إلى "حل سياسي دائم يسمح للسكان الأرمن في "ناغورنو كاراباخ" بالعيش في ظروف حسنة ويُمهّد لعودة عشرات آلاف الناس بعد هربهم من منازلهم".

لضمان عودة الأرمن إلى أرضهم القديمة ومنع طمس جميع بقايا التراث الثقافي الأرمني على يد أذربيجان التوتاليتارية، يجب أن تعترف الحكومات الغربية رسمياً بـ"أرتساخ". وعلى الغرب أن يوضح للحكام الدكتاتوريين أيضاً أن جرائم الحرب التي ينفذونها ونزعتهم إلى ارتكاب إبادات جماعية لن تمرّ بلا عقاب.