مسعود محمد

"الحشد" يسعى لإسقاط التفاهم بين البارزاني والكاظمي

17 تشرين الثاني 2020

02 : 01

نيجرفان في وضع لا يُحسد عليه (أ ف ب)

التفاهم السياسي في ما بين رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ورغبتهما بحلّ المشكلات العالقة بين بغداد وأربيل بالحوار، أزعج جبهة "الحشديين" الموالين لإيران والساعين إلى حصار إقليم كردستان، الذي أصبح رأس حربة في مواجهة الإرهاب ومنع سيطرة إيران على العراق والتمسّك بضرورة الحفاظ على أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك من دون الإنجرار إلى مواجهة مباشرة مع طهران، التي يرغب الإقليم بأن يؤسّس علاقات ندّية تتّسم بالإحترام معها.

رئيس الإقليم سعى بشكل دائم إلى تأسيس العلاقات عبر الحوار والديبلوماسية، فهو مثلاً لم يُقاطع الرئيس برهم صالح إبّان خلافه مع الرئيس مسعود البارزاني، وأبقى الخطوط معه مفتوحة، وتعامل معه بإنفتاح من موقعه كرئيس للعراق، وهو يتمتّع بمروحة من العلاقات مع طيف واسع من كرد إيران وتركيا وسوريا، ويمتاز عن بقيّة أعضاء قيادة حزبه "الديموقراطي" بإمتلاكه لعلاقات جيّدة مع خصم الحزب "الإتحاد الوطني"، وحتّى مع حركة "التغيير".

كما أنّه صديق للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، وأسّس علاقات الإقليم مع الصين وروسيا ولم يُقاطع إيران يوماً، فهو يُجيد الفارسية ويتواصل مع إيران وتوسّط في ما بين أكراد إيران والنظام للوصول إلى حلول مقبولة، رغم ذلك سعى "الحشديّون" إلى إسقاط كلّ التفاهمات لإلغاء أي نوع من الإستقلالية المادية والسياسية للإقليم، ليتحوّل إلى لاعب ثانوي يتحرّك بأوامر طهران.

لماذا هذا الحقد وما الهدف؟

أوّلاً علينا الإعتراف أن مشهد التراشق والإتهامات بين بغداد والإقليم يعكس عمق الأزمة الماليّة التي يُعانيها العراق بسبب تدنّي أسعار النفط من جهة وتفشّي وباء "كورونا" وما خلّفه من آثار سلبية على اقتصاديات الدول من جهة ثانية. تُريد بغداد أن تضع يدها على أكبر قدر من المصادر الجاذبة للأموال في المنطقة الكردية، كالضرائب وعوائد المنافذ الحدودية وغيرها، قبل أن تدفع رواتب الموظّفين العاملين ضمن حكومة إقليم كردستان، وهو ما ترفض السلطات الكردية القبول به.

وبعد اجتماع عقدته الأربعاء عبر دائرة تلفزيونيّة، أوضحت حكومة الإقليم الكردي أنّها "لم تُبقِ أي مسوّغ دستوري أو قانوني أو إداري أو مالي إلّا وقدّمته خلال المباحثات من أجل التوصل إلى اتفاق، وقد وافق الإقليم على كلّ شروط الحكومة الاتحادية في إطار الدستور، غير أن بغداد وللأسف، لم تبدِ منذ أكثر من ثلاثة أشهر أي استعداد لإرسال الجزء الذي كانت تُرسله من الرواتب، ما أدّى إلى عدم تمكّن حكومة الإقليم من صرف المستحقات المالية لمن يتقاضون الرواتب".

مصدر من مكتب الرئيس نيجرفان أفاد بأنّ "إقليم كردستان شأنه في ذلك شأن كافة الأجزاء الأخرى من العراق، تمنحه القوانين النافذة في العراق حق استلام رواتب موظّفيه، إذ لا يجب التمييز بين مواطني الإقليم وباقي أجزاء البلاد، لا سيّما في موضوع الرواتب، وهذا حق دستوري"، معبّراً عن استيائه إزاء الموقف السلبي "للحكومة الاتحاديّة". ودعا بغداد إلى "التجاوب مع المساعي الجادة التي تبذلها أربيل بهدف حسم المشكلات جذريّاً بموجب الدستور، بما يضمن احترامها للحقوق والمستحقات والإيفاء بالتزاماتها الدستورية تجاه الإقليم".

العقدة الحقيقية ليست إقتصادية، هي عقدة الحصار الإقتصادي على إيران ورغبة طهران بتحويل الإقليم إلى معبر تتهرّب من خلاله من الحصار، وهو أمر مرفوض من قبل حكومة الإقليم، لذلك أسقط إتفاق سنجار القاضي بإنسحاب مقاتلي حزب "العمال الكردستاني" و"الحشد" وإعادة سيطرة "البشمركة" بالتعاون مع القوى الإتحادية على المنطقة، ودفعت إيران "العمال" إلى توتير الأوضاع والتهديد بحرب مع الحزب "الديموقراطي" بهدف إضعاف سيطرته على أربيل.

نيجرفان في وضع لا يُحسد عليه، فهو يلعب مع الأفاعي في ظروف تتطلّب منه الكثير من البراغماتية التي هو بارع بممارستها، إلّا أن الملفت بما حصل في البرلمان هذه المرّة وهو نجاح رئيس البرلمان العراقي الحلبوسي بوضع سنة العراق تحت الوصاية الكاملة للحشد وتصويتهم مع "الحشد" ضدّ الكرد الذين حموهم منذ سقوط صدام حسين. هناك في أوساط الكرد من يقول: "علينا العودة إلى مفاعيل الإستفتاء لعام 2017 والتفكير بحلّ يُبعد قبضة إيران عن عنق أربيل". وهناك من يقول أيضاً إنّ "رئيس الإقليم قادر بديبلوماسيّته العبور بالإقليم إلى برّ الأمان وإعادة الكرد إلى المشهد العراقي كمكوّن رئيسي من دون التهديد بالإنفصال".


MISS 3