شارل شرتوني

إنقضى زمن التعايش مع سياسات السيطرة الشيعية وحان وقت المواجهة

28 تشرين الثاني 2020

02 : 00

مجرد مراجعة اللغو الكلامي حول أسباب تعثّر التأليف الوزاري، والبدء في التحقيق الجنائي المالي، وعدم صدور أي نتائج لتحقيقات عملية المرفأ "الارهابية"، والسعي الى فرض قانون انتخابي لتخريج اكثريات نيابية تابعة إلى مراكز النفوذ الشيعية، وترسيخ الاقفالات السياسية وتثبيت الواقع الصوري للدولة اللبنانية، يقودنا إلى استنتاج وحيد هو مثابرة الفاشيات الشيعية في عملية تدمير الحيثيات الكيانية والدولتية اللبنانية، من دون اي تردد او وقوف على اعتبارات توافقية ولو في حدها الأدنى. إن مراجعة تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول اسباب تعثر التأليف الحكومي تنبئنا في شكل واضح إلى طبيعة الاستحالات المفتعلة: عدم التزام الرئيس المكلف سعد الحريري بخريطة الطريق الفرنسية لجهة الخروج عن قاعدة المحاصصة الطوائفية في التشكيل الوزاري المزمع التي يمليها عليه الفريق الشيعي، والانصياع لإرادة الثنائي الشيعي واملاءات "حزب الله" التي لا تحتمل المراجعة. ان تصريح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هو الاستنتاج الصريح لما يجري في لبنان منذ تكليف الحريري. الفاشيات نفسها هي بصدد عملية اخراج تدرجية لسياسة السيطرة التي اعلنت عنها على مدى السنة الماضية، كتنكرها لشرعية الكيان الوطني اللبناني، ووضع اليد على المؤسسات الدستورية من خلال تحالفاتها العابرة للطوائف، وتواطؤات انتهازية في الانتخابات النيابية والرئاسية، والائتلافات الوزارية، ووضع اليد على الادارات العامة، والممارسات على تنوع اشكالها.

تندرج اضاعة مزيد من الوقت في مجال التفتيش عن حل للأزمات الوزارية المستديمة، في سياق المشاركة بهذه السياسات واهدافها المعلنة. إن امكانية التواصل مع هذه السياسة الانقلابية واعطائها مداً زمنياً ومعنوياً، قد أصبح من المستحيلات إذا ما أردنا الخروج بحلول سياسية متماسكة وعادلة وقابلة للحياة، كما أن المراهنة على تبلور اعتدال شيعي يعادل المد الفاشي المهيمن يقع في دائرة التمنيات الفارغة التي ستدفع به قدما.

يتطلب الخروج عن املاءات هذا الواقع المسدود الافق حركة سياسية بالاتجاهات التالية:

أ- المطالبة بتدويل الازمة اللبنانية والخوض في مفاوضات تأسيسية لعقد وطني واجتماعي جديد يضع حداً لسياسات السيطرة الشيعية ومرادفاتها، والتشابكات النزاعية الناشئة عن تمفصلها على خط التقاطع بين الخارج والداخل. هذا يعني الدخول في مواجهة سياسية مبرحة ورفض اي مجاراة لها في طروحاتها وسياقاتها السياسية، وبالتالي وضع كل الفاعلين السياسيين، بدءاً برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف، والنواب امام مسؤولياتهم لجهة ابقاء الالتزام باللعبة السياسية القائمة او رفضها، اذ لم يعد هنالك مجال للمواقف الملتبسة.

ب- لا بد من السعي الحثيث من اجل انفاذ سياسة العقوبات المعممة على كل اطراف الاوليغارشيات السياسية - المالية وشركائها، ومصادرة اموالها لحساب صندوق مالي باشراف الامم المتحدة، ليصار الى اعادة توظيفه في مشاغل الاصلاح البنيوي على تنوع مندرجاته الانمائية.

ج- اصدار مذكرات توقيف دولية بحق كل من اعضاء الاوليغارشيات المالية - السياسية وشركائها ومنع خروجها من الاراضي اللبنانية، تمهيداً لمحاكمتها امام محاكم دولية ومحلية بناء على مسؤولياتها الجنائية المترتبة عن نشاطات الجريمة المنظمة التي تديرها بالتكافل مع منظمات ودول مارقة.

د- اعلان الحياد تجاه كل النزاعات الاقليمية القائمة والانخراط في العمل الدبلوماسي الدولي من اجل المشاركة في عمليات التسوية على قاعدة عقلانية وعادلة ومستديمة.

ه- ان الابقاء على واقع انسداد الافق وتمديد آجاله، بناء على توقعات واهمة سيفتح المجال واسعا امام نزاعات اقليمية متأهبة أسست لها سياسات "حزب الله" ومداخلاته الاقليمية المتشعبة، تملي علينا اخذ كل البعد عنها ورفض مقولاته والتنصل من كل مترتباتها.

لم يعد هنالك من مجال للتعايش مع هذه الخيارات التي تحكم المتخيل والاداء السياسي الفاشي في الاوساط الشيعية، والاخطار الناشئة عن منطق الحرب الكلية التي يعتمدها في تعاطيه مع المسائل السياسية والاستراتيجية، والنهيلية التي تنحو باتجاه سياسات التدمير الشامل كما جرى في عملية المرفأ "الارهابية"، واستباحة حقوق اللبنانيين وحرياتهم وممتلكاتهم، وتحويل لبنان الى قاعدة للجريمة المنظمة التي يديرها دولياً، وترسيخ واقع الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والبيئية المعممة، وتحويل الدولة اللبنانية واللبنانيين الى رهائن لحماية خياراته السياسية والعسكرية، وتحفيز الراديكاليات السنية المرادفة، وتغطية اعمال الجريمة المنظمة التي يديرها عالميا. لقد اتى وقت اعلان جبهة لمواجهة سياسة الاستباحة المعتمدة من قبل من هذه المنظمات المافيوية، انطلاقاً من خيارات وسياسات وتحالفات اقليمية بديلة لئلا نخسر أمننا الوجودي، وما تبقى لنا من حيثية سياسية وكرامة انسانية، وندخل في متاهات نزاعية نسعى لتلافيها.

MISS 3