عون للحريري: "تعا ولا تجي"!

أميركا تضغط على سلامة: معنا أو مع "حزب الله"؟

01 : 59

من مشاهد الازدحام الخانق الذي لفّ بيروت والمناطق أمس غداة انتهاء مفاعيل الإقفال العام (فضل عيتاني)

حدثان منفصلان يلتقيان عند مسار الضغط الدولي المتصاعد لتحقيق الإصلاح في لبنان، سيلقيان بثقلهما على الساحة الداخلية هذا الأٍسبوع. الأول مع انعقاد مؤتمر باريس الدولي بالشراكة مع الأمم المتحدة غداً لاستكمال البحث في المساعدات الطارئة للبنانيين وحثّ السلطة السياسية على الإقلاع عن لعبة التعطيل الهدّامة والإسراع في تأليف "حكومة مهمة" تعمل على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، والحدث الثاني يترقبه المتابعون خلال الأيام المقبلة من واشنطن حيث تواترت معلومات عن اتجاه لإصدار حزمة عقوبات جديدة لن يكون المصرف المركزي بعيداً منها، ربطاً بدوره في عرقلة التدقيق الجنائي واستمراره في تغطية المنظومة السياسية الفاسدة، وصولاً إلى اتهام مسؤولين في مصرف لبنان بلعب دور "مركزي" في تأمين "بعض الخدمات" المصرفية لـ"حزب الله" المدرج على القائمة الأميركية للتنظيمات الإرهابية.

فمن حيث لم يحتسب حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، دخلت الولايات المتحدة بقوة على خط "التدقيق الجنائي" في حسابات المصرف، موجهةً سلسلة رسائل مباشرة وغير مباشرة إلى سلامة لا تحتمل التموضع الرمادي: "إما معنا أو مع حزب الله"! وتحت هذا العنوان، لاحظت أوساط مالية مواكبة للأجواء الأميركية أنّ التلويح المباشر خلال الساعات الأخيرة بإدراج مسؤولين كبار في المصرف المركزي اللبناني على قائمة العقوبات، وضع الحاكم أمام خيارين: "إما الإصطفاف إلى جانب المجتمع الدولي والمضي قدماً في كشف المستور وتسليم المستندات المطلوبة عن حسابات الدولة للتدقيق بها حتى ولو أدت إلى الإطاحة برؤوس كبيرة، أو الاستمرار في تغطية المنظومة السياسية واعتباره بالتالي اختار التموضع على ضفة هذه المنظومة التي يهيمن عليها "حزب الله" وآثر عدم التراجع عن حماية أركانها".

وأوضحت المصادر أنّ المقال الذي نُشر في "وول ستريت جورنال" أمس والذي يصوّب مباشرةً على تمويل المصرف المركزي للفساد في لبنان، إنما يبيّن أنّ "الإدارة الأميركية تتبنى بشكل حاسم مطلب التدقيق الجنائي وستضغط بقوة خلال الفترة المقبلة لإنجازه، وهذا التوجه بدا واضحاً على لسان المبعوث الأميركي ديفيد هيل خلال زيارته الأخيرة بيروت حين قال: "هناك تركيز كبير على المصرف المركزي وعلى الحاجة للتدقيق في حساباته لنفهم ماذا حصل بالفعل هناك". ولفتت الانتباه في هذا المجال إلى أنّ "مهمة التدقيق الجنائي من المنظور الأميركي تهدف بشكل أساس إلى محاولة كشف النقاب عن كافة المعلومات ذات الصلة باستفادة "حزب الله" من النظام المصرفي اللبناني لتمويل أنشطته، وفي ذلك تذهب واشنطن باتجاه تأكيد تلازم المسارات بين مكافحة الإرهاب ومكافحة الفساد".

ومن بين المسؤولين المصرفيين الموضوعين تحت المجهر الأميركي، برز اسم أحمد ابراهيم صفا الذي كان يشغل موقعاً في لجنة الرقابة على المصارف في المصرف المركزي وتتهمه الولايات المتحدة بأنه عمل من خلال موقعه على تسهيل عمليات مصرفية لأشخاص متصلين بـ"حزب الله" وكان عنصراً مساعداً في تأمين حركة أموالهم عبر عدة حسابات وعمليات مصرفية. وإذ لا تخفي المصادر خشيتها من "تداعيات هائلة" على النظام المصرفي في لبنان في حال إدراج مسؤولين رفيعين في المصرف المركزي على قائمة العقوبات الأميركية، تؤكد في المقابل أنّ الإدارة الأميركية تبدو عازمة على إحكام الخناق على "حزب الله" لاعتبارات تتصل من جهة بكونه مصنفاً "منظمة إرهابية" على مستوى لبنان والمنطقة والعالم، ومن جهة ثانية بوصفه "حامي المنظومة السياسية الفاسدة في لبنان ولا يريد لها السقوط لكونها تؤمن المظلة الرسمية لسطوته على البلد".

أما حكومياً، فلا جديد يُعتدّ به خارج إطار حالة "الرهاب" التي يمرّ بها العونيون إزاء احتمال إقدام رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على خطوة تقديم تشكيلة اختصاصيين إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ووضعه بالتالي أمام مسؤولياته الدستورية في قبولها أو رفضها، مع ما سيعنيه الرفض من ظهور رئيس الجمهورية في موقع المعرقل لولادة الحكومة الإصلاحية المطالب بها شعبياً والمطلوبة دولياً.

وتحت هذا الهاجس، بدا عون من خلال تسريبات قصر بعبدا الإعلامية خلال الساعات الأخيرة كمن يقول للحريري: "تعا ولا تجي"... بحيث أتى بهذا المعنى تعميم دوائر الرئاسة الأولى أجواء ترحّب من ناحية بزيارة الرئيس المكلف المرتقبة إلى القصر الجمهوري إذا كان الهدف منها "التشارك مع الرئيس عون في وضع التشكيلة الحكومية"، وتحذره من ناحية أخرى من أنه إذا كان ينوي التوجه للقاء عون بغية وضع "تشكيلة أمر واقع تتجاوز المعايير الموحدة فهذا أمر لن يوصل إلى مكان"، مع التشديد على أنّ "العقدة لا تزال في الأسماء، ورئيس الجمهورية ليس بوارد القبول أن يكون مفتاح التسمية بيد الحريري وحده".

وعلى هذا الأساس جاءت خلاصة الرسالة الرئاسية الإعلامية لتقول للرئيس المكلف: "ليس المهم أن تتوجّه إلى بعبدا أم لا، المهم ماذا ستحمل معك وكيف ستتصرّف؟".