ريتا ابراهيم فريد

"صاروا مية"...يكتب تاريخ لبنان بأناقة

1 كانون الأول 2020

02 : 00

بهدوء وسلاسة، يستحضر وثائقي "صاروا مية" الذاكرة اللبنانية ويشقّ لها طريقاً جديداً نحو الضوء. يقرّب المسافة بين مختلف الحقبات والأحداث والمنعطفات، ويعرضها بنمط سريع وبعيدٍ عن الملل.

الوثائقي الذي يُعرض ليلة كل جمعة على شاشة الـMTV بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس دولة لبنان الكبير، من إعداد جان نخّول وتقديم نبيلة عواد، استطاع أن يجذب انتباه المُشاهد منذ الحلقة الأولى، في استعادة جميلة لتاريخ لبنان بمختلف جوانبه، وإعادة كتابته بأسلوب أنيق شكلاً ومضموناً.

هذا ونجح الوثائقي في تقديم مادة أرشيفية غنية بمشاهد نادرة عُرضت للمرة الأولى، مع عناوين صحف قديمة توثّق الأحداث، إضافة الى مقابلات خاصة أجريت في إطار الوثائقي لشرح بعض الأمور أو دعمها بتفاصيل إضافية.

مئة عامٍ من الأحداث الثقافيّة والسياسيّة والفنيّة والإجتماعيّة والدينيّة، الى جانب الأحداث العالمية التي رافقت مختلف المراحل، جمعها الوثائقي في ساعتين على الهواء لكل حلقة، بين مئوية لبنان الكبير، والشخصيات السياسية والفنية والأغنيات الوطنية والعامة والمصوّرة، كما استحضر الوثائقي وجع الذاكرة اللبنانية في حلقة عن الاغتيالات، إضافة الى حلقة خاصة عن أسطورة الفنّ اللبناني السيدة فيروز.

وفي هذا الإطار، يشير معدّ الوثائقي الإعلامي جان نخول في حديث لـ"نداء الوطن" الى أنّ الفكرة انطلقت العام الماضي عندما كان يبحث مع إدارة الـMTV عن أفضل طريقة للاحتفال بذكرى المئوية، ويقول: "لم نكن حينها قد واجهنا بعد الظروف الصعبة مثل الثورة وفيروس كورونا، والمشروع الأساسي أجهض. لكنني رغبتُ في أن يكون هناك ما يمكّننا من المشاركة في الاحتفال بالذكرى، وأن نتذكّر من خلاله الجميل والسيّئ في هذه المئوية لتكون عبرة بكلّ الأشكال".

وعن اختيار الإعلامية نبيلة عواد لربط الفقرات، أشار نخول الى أنّ نبيلة من الوجوه الرصينة والشابة على الشاشة، وكانا ينسّقان الموضوع سوياً. وتابع:"أنا أعمل في الكواليس منذ عشر سنوات. ورغم أنني أطلّ أحياناً على الشاشة، إلا أنني أفضّل العمل في الإعداد والإنتاج. لهذا السبب، اخترتُ أن يكون هناك وجه محبّب ومعروف، فكان الخيار نبيلة، التي لا يقتصر دورها على ربط الفقرات، بل هي مشارِكة أيضاً في العمل بكافّة جوانبه".





"التاريخ ليس ثرثاراً ولا فائدة من الإطالة"

هذا ويتحدّث نخّول عن بعض الحلقات التي تمّ عرضها على الشاشة، لافتاً الى بعض الصعوبات أو الانتقادات التي واجهها. فالحلقة الأولى التي حملت عنوان "مئوية لبنان الكبير" تميّزت بأنّها تمكّنت من رسم مسار معيّن لتاريخ لبنان، ولو كان هذا المسار بسيطاً. ويضيف نخول أنّ الصعوبة كانت في اختصار تاريخ لبنان الذي لم يتّفق عليه القادة أصلاً، مشيراً الى أنّه تلقّى إثر هذه الحلقة بعض الانتقادات التي تمحورت حول اختصار بعض المراحل من أجل أن تكون الحلقة شاملة، ويستطرد قائلاً:"لكنّ التاريخ ليس ثرثاراً ولا فائدة من الإطالة".

"الأشرار أيضاً يصنعون التاريخ"

الحلقة الثانية كانت عن الشخصيات السياسية، حيث حاول من خلالها إقناع الناس بأنّ الخيار ليس للأبطال، ويقول نخول في هذا الإطار: "الأشرار أيضاً يصنعون التاريخ. وكثيرون يعتقدون أنّ الشخصية التي تُدرج هي حكماً طيّبة".


"الفنانون أصعب من السياسيين... وفي ناس ما بيعرفوا حجمن


"الحلقة الثالثة عن الشخصيات الفنية، التي بدأ الخيار فيها مع قائمة من 250 شخصية. "ولكن لضرورات اختيار مئة شخصية، تمّت المفاضلة وفق المدرسة والأسلوب والخانات المختلفة. وهذا الأمر أدّى الى بعض العتب، لكن الانتقاد حق"، يقول نخول.

وعن حلقة الأغنيات العامة، يشير الى أنّ "الفنانين أصعب من السياسيين. وبعض الفنانين اعتقدوا أنهم يستحقون حلقة خاصة بهم وحدهم مثل حلقة السيدة فيروز. وهذا أمر مؤسف، لأنه في ناس ما بيعرفوا حجمن". ويضيف أنّ الخيار كان صعباً أيضاً بين الآلاف من الأعمال في حلقة الأغنيات المصوّرة، "لذلك اعتمدنا معياراً معيّناً رغم أنّ هناك عشرات الأعمال التي كانت تستحقّ أن تكون موجودة".

وعن حلقة الأغنيات الوطنية يقول نخول: "كثيرون انتقدوا فكرة الحلقة قبل عرضها بما أننا في ظروف أبعد ما تكون عن الوطنية. لكن بعد العرض، فوجئت بأنها كانت من الحلقات الأكثر مشاهدة".

"حلقة السيدة فيروز تختصر تاريخ لبنان بكامله"

من جهة أخرى، أكّد نخول أنّ الحلقة الأقرب إلى قلبه هي حلقة السيدة فيروز، وهي من أكثر الحلقات التي لم تقابل بانتقاد. ويكشف أنه كان يحلم بتحضير حلقة عنها حتى لو كانت خارج إطار الوثائقي عن المئوية، وفرح جداً بردود الفعل الإيجابية التي رافقت الحلقة، رغم أنه كان قلقاً في البداية، "لأنّ السيدة فيروز لها هالة وهناك الكثير من الكلام الذي يمكن أن يقال عنها. هذه الحلقة بالنسبة إليّ هي ما يختصر تاريخ لبنان بكامله"، حسب قوله.

وبعيداً عن الانتقادات التي طالت "صاروا مية"، يُسجّل لجان نخول أنه نجح في تقديم مادة وثائقية موضوعية، رغم تشعّب الأحداث اللبنانية لا سيما في حلقة الاغتيالات والشخصيات السياسية، ووضع بين أيدي المشاهدين مادة ثقافية مميزة قدّم فيها المعلومة بأسلوب بسيط ومشوّق.

ولا بدّ من الإشارة الى أنّ جان نخول معدّ سلسلة "من زمن الكبار" التي أبدع فيها بتكريم العمالقة من خلال فقرة أسبوعية كانت تُعرض في نشرة الأخبار، يسابق نفسه اليوم مجدداً بأعماله الناجحة التي يوقّعها بأناقة قلمه ورقيّ كلماته وحسن اختياره للتعابير، الأمر الذي يطبع العمل المصوّر ببصمة أدبية مميزة.

صاروا مية: يُعرض كل ليلة جمعة الساعة 9,30 مساء على شاشة الـMTV