ألكسندر غابيف

هل ينوي بوتين عقد تحالف عسكري مع الصين؟

9 كانون الأول 2020

المصدر: The Moscow Times

02 : 01

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ خلال حفل توقيع على إتفاقية / 21 أيار 2014 - شنغهاي (أرشيف)

خلال اجتماع لمنتدى "فالداي" الدولي للنقاش قبل أسابيع من الانتخابات الأميركية الرئاسية، أدلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعليق مثير للاهتمام. حين سُئل عن احتمال نشوء تحالف عسكري بين الصين وروسيا، أجاب قائلاً: "كل شيء ممكن... نحن لم نضع هذا الهدف نصب أعيننا. لكننا، في المبدأ، لا نستبعده أيضاً".

على مر سنوات عدة، كان بوتين وكبار المسؤولين الروس (والقادة الصينييون أيضاً) يعلنون بكل وضوح أن أي تحالف مع الصين ليس مطروحاً على جدول الأعمال. تدرك موسكو وبكين جيداً أن مصالحهما لا تلتقي دوماً. لا تعترف الصين مثلاً بأبخازيا أو أوسيتيا الجنوبية كبلدَين مستقلَين وتعتبر شبه جزيرة القرم جزءاً من أوكرانيا. في المقابل، لا تعترف روسيا بالمطالب الصينية في بحر الصين الجنوبي ولا تتدخل في النزاعات الإقليمية الصينية. ولا يريد أي طرف منهما المجازفة بالانجرار إلى صراع كبير خدمةً لمصالح أحد شركائه.

قد لا يرتبط التفسير المنطقي لرفض بوتين استبعاد التحالف العسكري مع بكين هذه المرة بعلاقة روسيا مع الصين، بل مع الغرب.

منذ أن اتجهت روسيا نحو محور الشرق غداة انهيار علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في العام 2014، اتخذت موسكو خطوات بارزة لتقوية شراكاتها مع الصين، فركّزت في المقام الأول على الاقتصاد والأمن. ساهمت مشاريع كبرى، مثل بناء خط أنابيب "قوة سيبيريا" ومبادرات أخرى في مجال الطاقة، في مضاعفة حصة التجارة الصينية في مجموع العمليات التجارية الروسية خلال أقل من عشر سنوات، فارتفعت نسبتها من 10% في العام 2013 إلى 18% في العام 2019. كذلك، بلغ التعاون العسكري مستوىً غير مسبوق، فباعت روسيا أحدث المعدات إلى الصين، منها الطائرات المقاتلة "سو-35" والأنظمة الصاروخية "إس-400"، وينظّم البلدان تدريبات عسكرية مشتركة على نطاق متزايد وفي منطقة جغرافية متوسّعة بدرجة غير مسبوقة، بدءاً من البلطيق وصولاً إلى بحر الصين الجنوبي.

لكن حتى لو زادت أهمية الصين كشريكة لا يمكن استبدالها بالنسبة إلى روسيا التي تخضع لعقوبات غربية، يسهل أن تستبدل بكين موسكو في المقابل لأنها تستطيع الحصول على معظم ما تتلقاه من الروس من أماكن أخرى. حتى أن دور الجيوش الروسية سيتلاشى تزامناً مع تطور التكنولوجيا الدفاعية الصينية. كذلك، بدأت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجعل روسيا تتكل تدريجاً على الصين للحصول على تكنولوجيا مدنية استراتيجية مثل أنظمة الجيل الخامس: رغم طرح حلول أوروبية (مثل "إريكسون" و"نوكيا") وصينية (مثل "هواوي" و"زد تي إي") في السوق الروسي، تبقى الشركات الصينية الخيار المفضّل نظراً إلى احتمال فرض عقوبات جديدة وبسبب اعتبارات أخرى مرتبطة بالأمن القومي.

لم يبلغ الاتكال الروسي على الصين مستوىً محورياً بعد. في النهاية، تسود في موسكو الفكرة التالية: بما أن روسيا استطاعت خلال أزمة أوكرانيا في العام 2014 أن تتحدى شريكها الأساسي (الاتحاد الأوروبي) مع أنها تتكل بشدة على الأسواق والتكنولوجيا والموارد المالية الأوروبية، يعني ذلك أن الكرملين يستطيع الدفاع عن مصالحه بالقوة نفسها في حال وقوع خلاف مع الصين. يمكن اعتبار هذا التقييم مبرراً لأن الصين تشكّل أقل من 20% من حجم التجارة الروسية ولا يزال الدين الروسي للمؤسسات المالية الصينية ضئيلاً.

لكن إذا استمر تدهور العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خلال عشر سنوات أو 15 سنة وتوسّع دور الصين كشريكة تجارية ومصدر للتكنولوجيا، قد تحصل بكين في نهاية المطاف على الوسائل اللازمة للضغط على موسكو. وجد الكرملين في العام 2014 بديلاً عن الغرب في الصين، لكنه قد لا يعثر على بديل عن الصين في منتصف ثلاثينات القرن الواحد والعشرين، لذا قد تجد روسيا نفسها مُلزَمة بخطوط الأنابيب الخاصة بعميلتها الوحيدة في سوق الشراء.

على صعيد آخر، لاحظت موسكو حتماً أن بكين اعتادت في السنوات الأخيرة على استعمال أسلحة اقتصادية مثل العقوبات والحصار والرسوم الجمركية لفرض الضغوط على الدول الأخرى، وقد اتّضحت هذه النزعة في الحرب التجارية المحتدمة راهناً بين الصين وأستراليا (مع أن هذا البلد كان يُعتبر حتى الفترة الأخيرة نموذجاً ناجحاً لتفاعل الدول الأخرى مع الاقتصاد الصيني).

يتذكر الكرملين طبعاً كيف أمّنت "شركة البترول الوطنية الصينية" حَسْماً من "روزنفت" و"ترانسنفت" في عقدٍ تم الاتفاق عليه سابقاً عبر الاستفادة من ضخامة ديون شركات النفط الروسية الحكومية للبنوك الصينية وهشاشة وضعها. إذا نجحت الصين في الضغط على روسيا في العام 2010، حين كانت الفجوة بين البلدين على المستوى الاقتصادي أصغر حجماً، فما الذي يمنعها من القيام بالمثل في العام 2036؟

في السنوات الأخيرة، حاولت موسكو استغلال تقرّبها من بكين لإخافة الغرب من احتمال نشوء كتلة صينية روسية موحّدة وإجباره على التساهل في سياسته تجاه روسيا. بدأت هذه المقاربة تعطي ثمارها مع الاتحاد الأوروبي، وقد اتّضح ذلك في مقابلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع مجلة "إيكونوميست" في السنة الماضية وزيادة الاهتمام بالعلاقات الصينية الروسية في برلين وعواصم أوروبية أخرى. لكن لا يستطيع الاتحاد الأوروبي ولا أي دولة أوروبية فردية (حتى البلدان القوية مثل ألمانيا وفرنسا) الحدّ من التقارب بين روسيا والصين من دون تنسيق جهودها مع الولايات المتحدة.



قوات بحرية صينية وروسية خلال مناورة بحرية مشتركة / تشانجيانغ، 2016 (أرشيف)



تبدو المواقف الأميركية من الوفاق الناشئ بين موسكو وبكين مختلطة. في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، ظن عدد من كبار المسؤولين أن علاقة البلدَين غير مهمة واعتبروا ذلك التقارب غير صادق لأن الطرفين لا يتبادلان الثقة وتسود مخاوف في روسيا من حصول توسّع ديمغرافي صيني في شرقها الأقصى. لكن تعاملت إدارة دونالد ترامب مع هذا التحدي بجدّية متزايدة، حتى أنها عززت فكرة مثلث القوى العظمى التي طرحها وزير الخارجية الأسبق هنري كسنجر. لكن لم تنجح محاولات الولايات المتحدة وضع نفسها على رأس ذلك المثلث، وكل ما حققته تحركات إدارة ترامب هو ترسيخ المحور الروسي الصيني.

من المستبعد أن يكون الرد على التقارب المتزايد بين الصين وروسيا جزءاً من أولويات فريق السياسة الخارجية في عهد جو بايدن، لكن لا مفر من التطرق إلى هذه المسألة في النقاشات الحاصلة بين أعضاء فريق الأمن القومي.

يعتبر الرئيس الأميركي المُنتخب الصين "منافِسة جدّية" للولايات المتحدة في المعركة على قيادة العالم. لكنه يضع روسيا في مصاف "الخصوم" ويعتبرها من أكثر القوى الكبرى عدائية. لهذا السبب، لا تستطيع واشنطن أن تتجاهل العلاقة القائمة بين بكين وموسكو. في مطلق الأحوال، سيتابع البيت الأبيض مراقبة هذه المسألة لأن الفريق الجديد يخطط لإعطاء الأولوية مجدداً لتحسين العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة، وقد أصبحت العلاقة الصينية الروسية محط تركيز متزايد في برلين وباريس ولندن وطوكيو وسيول.

تقضي المهمة الأساسية بفهم الجوانب التي لا يحبذها الأميركيون وحلفاؤهم في التقارب بين موسكو وبكين، وتحديد النقاط التي يستطيع الغرب التأثير عليها خدمةً لأهدافه الخاصة، وإيجاد الطرق المناسبة لتحقيق هذه الغاية.

تدرك موسكو جيداً أن أكثر ما يقلق الولايات المتحدة هو التقارب العسكري بين روسيا والصين، لا سيما استعمال التكنولوجيا الروسية وتعديل التجارب الروسية في الحملات العسكرية الأخيرة لتعزيز قدرات جيش التحرير الشعبي الصيني.

يتعلق جانب مقلق آخر باحتمال الانتقال من ميثاق عدم الاعتداء بين روسيا والصين (يقيّد هذا الاتفاق تحركات الولايات المتحدة وحلفائها أصلاً) إلى عمليات عسكرية مشتركة مثل الدورية الاستراتيجية لقاذفات القنابل في شمال شرق آسيا في السنة الماضية. قد تقضي الخطوة المقبلة بعقد شراكة أمنية أكثر عمقاً وأقرب إلى التحالف العسكري. ليست صدفة على الأرجح أن يبدي بوتين ذلك الموقف اللافت في تعليقاته الأخيرة خلال اجتماع منتدى "فالداي".

ترتبط أبرز مشكلة تواجهها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بإيجاد استراتيجية واقعية تأخذ بالاعتبار أهمية العلاقات الحسنة مع الصين بالنسبة إلى أي حكومة روسية، وتدرك استحالة رفع العقوبات الغربية الراهنة، وتعرف المصالح الغربية المحورية (مثل دعم سيادة الأراضي الأوكرانية) وخطوط موسكو الحمراء. بالنسبة إلى الكرملين، يتعلق التحدي الأساسي بعدم تأجيج المخاوف الغربية من التقارب الصيني الروسي والتمكن من تغيير السياسة المعتمدة لضمان استقرار العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا تزامناً مع الحفاظ على علاقات حسنة مع بكين.


MISS 3