د. ميشال الشماعي

إنقلابان ناعمان على النار

12 كانون الأول 2020

02 : 00

أسبوع جديد أقفل على ملفّ التشكيل الحكومي ومن دون أيّ نتيجة. لكن ما لفت في النقاشات التشكيلية هذا الأسبوع هو تقديم فخامة الرئيس اقتراح تشكيلة للرئيس المكلّف، ليُصار بعدها إلى نقاشات واضح أنّها لن تفضي إلى أيّ نتيجة، على عكس ما تمّ وَهم النّاس، بأنّ هذا الأسبوع سيُحْسَمُ موضوع التشكيل بتوقيع رئيس الجمهورية، وذلك بعد قطيعة دامت أسابيع ثلاثة. فهل سيشهد الأسبوع المقبل أي حلحلة حكومية؟ أم أنّ انقلاباً خفياً يتحضّر من فريقين: الأوّل على الدّستور والثاني في الشارع؟

يبدو أنّ الرئيس الحريري لم يرُق له ما أقدم عليه رئيس الجمهوريّة حيث اعتبر اقتراح الأخير تعدّياً على صلاحياته الدستورية، إذ بحسب المادّة 53 من الدستور اللبناني، وفي البند الرابع منها الذي مفاده: "یصدر بالاتفاق مع رئیس مجلس الوزراء مرسوم تشكیل الحكومة ومراسیم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم"، يقتصر دور الرئيس على الاتّفاق مع رئيس الحكومة. وهذا ما لم يحصل حتّى هذه اللحظة، حيث ما زال فخامته يتصرّف وكأنّ الحياة توقّفت قبل تاريخ 21/9/1990، أي تاريخ التعديل الأخير للدستور في الطائف، فما زال يمارس المادة 53 كما لو كانت قبل ذلك التاريخ: "رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويسمّي منهم رئيساً ويقيلهم ويولي الموظّفين مناصب الدولة، ما خلا التي يحدد القانون شكل التعيين لها على وجه آخر ويرأس الحفلات الرسمية"·

لذلك، يصبح الإستنتاج مشروعاً بأنّ أساس الأزمة في لبنان هو في عدم تطبيق الدستور. والخلاف الذي ما زال منذ تاريخ الطائف وحتّى اليوم يكمن في التطبيق الانتقائي للدستور وفق ما تقتضيه مصلحة الفريق الأقوى في الساحة السياسية؛ بغضّ النظر عن سبب هذه القوّة، حيث كانت تارة مستندة إلى وجود المحتلّ السوري، واليوم تستند إلى قوّة السلاح غير الشرعي الذي يمدّ فائضه "حزب الله" فريق السلطة الحاكمة.

هذا التشخيص للأزمة إن دلّ على شيء فعلى عدم حصول أيّ انفراج حكومي إلا في حال حدوث أي طارئ خارجي قد يقلب الموازين كلّها. فهذا الانقلاب الناعم الذي يقوده فريق العهد على الدستور يأتي استكمالاً لنهج الدّيموقراطية التعطيلية الذي بدأه مع حليفه منذ دخوله الحياة السياسية. مقابل هذا الانقلاب، يجب ترجمة نتائج الانتخابات الطالبيّة الأخيرة في مشروع سياسي واضح للفئة التي حقّقت خرقاً في ساحة السلطة بعد تراجع نسبة تمثيلها 52%، مقابل الصمود الذي حقّقه الفريق السيادي، بناء على رضى الناخب اللبناني على المشروع الذي يحمله هذا الفريق، وترجمة لعدم رضاه على المشروع الذي يقوده "حزب الله" من داخل السلطة اللبنانية بتغطية واضحة من حلفائه.

لذلك، مطلوب اليوم مِن كلّ مَن يريد المواجهة أن يحمل مشروعاً واضحاً، وألا يكتفي بالطروحات العامة كالعلمنة أو غيرها من الأفكار. فالناس اليوم لن تصوّت إلا للمشاريع الواضحة. من هنا، على أفرقاء ثورة 17 تشرين استلحاق ما تبقّى من قدرة لهم على التحرّك والتحريك لوضع مشروع واضح يقودون على أساسه المواجهة تماشياً مع خيارات الناس. ولا يقولنّ قائل بأنّ مطالب الناس واضحة. فالقول شيء والعمل السياسي شيء آخر. وإلا لن يتمكّن لا هذا الفريق ولا أيّ فريق غيره من تحقيق أيّ عملية تغيير للسلطة.

فالتغيير الحقيقي، وإن كانت تتمّ المطالبة به من الشارع، لن يترجم إلا من داخل المؤسسات على قاعدة العمل الديموقراطي الذي يتحقّق بانتخابات نيابية. ولا يحاولنَّ أحد تضييع البوصلة بالحديث اليوم عن ضرب للجوهر الذي قام على أساسه قانون الانتخاب الأخير تماشياً مع المطالب التي ينادي بها هذا الشارع. إذا سلكت الأزمة هذا الطريق فهذا يعني بأنّ السلطة قد نجحت في جرّ الناس إلى المعركة التي تريدها لتتمكّن أكثر من السيطرة عليهم.

أمام هذا الواقع، صار أكثر من نصف الشعب اللبناني تحت خطّ الفقر، والأمر المجدي الوحيد يبقى في كيفية تلبية حاجات الناس اليومية على وقع تزايد الحديث عن رفع الدعم والمسّ بالاحتياطي الأخير. ستعلو الصرخات الاجتماعية أكثر مقابل تعنّت هذه السلطة وإصرارها على وضع الأزمة في ثلاجة الانتظار ريثما تدور المحرّكات الاقليمية والدولية. فهل سيأتي الدّفع من خارج المؤسسات أم مِن داخلها لتحقيق الخرق المطلوب؟ أم سندخل أكثر فأكثر في ظلام هذا النفق الدامس؟


MISS 3