تركيا بين فكّي كماشة العقوبات الأوروبية والأميركية

02 : 00

القادة الأوروبّيون يقفون دقيقة صمت تكريماً للرئيس الفرنسي الراحل فاليري جيسكار ديستان في بروكسل (أ ف ب)

بدأت أنقرة تقطف "الثمار السامة" لسياساتها التوسعيّة التي تنتهك عبرها سيادة جيرانها، وتحدّيها المستمرّ لمصالح حلفائها "الأطلسيين" الإستراتيجية والجيوسياسية والتكنولوجية في أكثر من ملف حسّاس، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، عبر شرائها على سبيل المثال لا الحصر، منظومة الصواريخ الروسية "أس 400"، ضاربةً بذلك عرض الحائط خطوط حمر غربيّة بهذا الخصوص. وكانت المحصّلة أن قرّر قادة الاتّحاد الأوروبي خلال اجتماعهم في بروكسل فرض عقوبات على تركيا، فيما أقرّت لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي تشريعاً بدعم من الحزبَيْن الديموقراطي والجمهوري لفرض عقوبات عليها كذلك. وباتت تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان مطوّقةً بين فكّي كماشة العقوبات الأوروبّية والأميركيّة.

وفي هذا الصدد، أوضح متحدّث باسم المجلس الأوروبّي أن العقوبات تأتي على خلفيّة تصرّفات أنقرة "غير القانونيّة والعدوانيّة" في البحر المتوسّط ضدّ أثينا ونيقوسيا، في حين رحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإظهار الاتحاد الأوروبي "الحزم" تجاه تركيا، قائلاً في ختام قمة أوروبّية في بروكسل أمس: "أعطيناها فرصة" في تشرين الأوّل، "لكنّنا لاحظنا بالإجماع أنّها واصلت أنشطتها الإستفزازية".

من جهته، أوضح ديبلوماسي أوروبي لوكالة "فرانس برس" أنّ "الإجراءات التي تمّ إقرارها هي عقوبات فرديّة"، محذّراً من أنّه "يُمكن اتّخاذ إجراءات إضافيّة إذا واصلت تركيا أعمالها"، فيما ستوضَع لائحة بالأسماء في الأسابيع المقبلة وستُعرض على الدول الأعضاء للموافقة عليها، بحسب خلاصات قمّة الدول الـ27 في بروكسل.

وستُدرج الأسماء على اللائحة السوداء التي كانت قد وُضِعت في تشرين الثاني 2019 لفرض عقوبات على تركيا. وهي تضمّ مسؤولَيْن في شركة البترول التركيّة "تُركِش بيتروليوم كوربوريشن" ممنوعَيْن من الحصول على تأشيرات وجُمّدت أصولهما في الاتّحاد الأوروبّي.

كذلك، أعطى القادة الأوروبّيون تفويضاً لوزير خارجيّة الاتّحاد جوزيب بوريل "لكي يُقدّم لهم تقريراً في موعد أقصاه آذار 2021 حول تطوّر الوضع"، وأن يقترح، إذا لزم الأمر، توسيعاً للعقوبات لتشمل أسماء شخصيّات أو شركات جديدة، بحسب الديبلوماسي الأوروبّي الذي أوضح أن "الفكرة هي تضييق الخناق تدريجاً".

وبينما أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي تشريعاً لفرض عقوبات على تركيا، كشفت وكالة "بلومبيرغ" أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقّع على حزمة عقوبات ضدّ أنقرة. ونقلت الوكالة عن مصادر مطّلعة، أنّ ترامب وقّع على "حزمة من الإجراءات"، التي اقترحها وزير الخارجية مايك بومبيو، موضحةً أن العقوبات ضدّ تركيا سيتمّ فرضها بموجب قانون "كاتسا". وتحدّثت تقارير عن أن العقوبات على تركيا ستستهدف رئاسة تركيا للصناعات الدفاعية ورئيسها إسماعيل دمير.

وفي المقابل، رفضت أنقرة قرار الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على شخصيات تركية، لكنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قلّل من شأنها ساعياً في الوقت عينه إلى التهدئة، فيما تراجعت الليرة التركية بشكل إضافي أمس مسجّلةً خسائر جديدة تحت تأثير وهج العقوبات المزدوجة.

وإذ رفضت الخارجية التركية في بيان "هذا الموقف المنحاز وغير القانوني الذي تمّ إدخاله في نتائج قمّة الاتحاد الأوروبي"، أوضح الرئيس التركي أن "دولاً في الاتحاد الأوروبي تتحلّى بالحكمة اعتمدت مقاربة إيجابية ونسفت هذه اللعبة الهادفة إلى فرض عقوبات أشدّ"، معتبراً أنّه "لدينا علاقات سياسية واقتصادية عميقة مع كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولا يُمكن لأي منهما تجاهلها أو المجازفة بفقدانها". وفيما بدا تحسّساً لخطورة مسار العقوبات على بلاده، شدّد أردوغان على أنّ تركيا "لم تقم ولن تقوم أبداً بأي عمل من شأنه المساس بروحية هذه العلاقات"، مؤكداً أنّه "لا توجد مشكلة لا يُمكن حلّها بالحوار والتعاون".