زيزي إسطفان

جمْع الأغراض هواية ممتعة... وهوس مكلف

من الطوابع إلى التنك والكبريت وفيش الكازينو

21 كانون الأول 2020

02 : 00

بيلي كرم
بعضهم تعرف إليها عن طريق الصدفة وبعضهم تعلق بها منذ الصغر وباتت شغفاً يرافق ايامه. إنها هواية جمع القطع وتحويلها الى مجموعات متناسقة تتحول مصدر فخر وسعادة لجامعها. عند البعض تبقى في إطار الهواية فيما تبلغ عند البعض الآخر مرحلة احترافية عالية تجعله خبيراً ومرجعية في ما يختص بما يجمعه من قطع يعرف تاريخها وحقباتها و كل تفاصيلها و خباياها. من علبة كبريت في فندق الى وثيقة سرية للدولة اللبنانية ومن زجاجة كازوزة فارغة الى طابع بريدي نادر هكذا تختلف القطع المجمعة لكن يبقى الهوس واحد.



هواية الجمع لا تشبه سواها من هوايات فهي ليست نشاطاً ترفيهياً أو يدوياً، بل إنها كما يصفها هواتها شغف يجتاح الفرد ويجعله في سعي دائم للبحث عن القطع التي تهمه ورصد مكانها وبذل كل ما يمكن للحصول عليها ومن ثم تنظيمها وفهرستها وعرضها وتخزينها وصيانتها. هي عمل دؤوب يخلق لدى صاحبه غلياناً دائماً لا يبرده إلا الحصول على القطعة التي يحتاجها، ليعود من ثم الى التأجج من جديد.

ميداليات وأوسمة لبنانية من حقبات مختلفة



هوس مكلف وعلقة يصعب الخروج منها

كثيرة ومثيرة قصص اصحاب المجموعات تتلاقى وتختلف لكنها تدور في الفلك نفسه. نديم الرجل الستيني الناشط مهنياً دخل عالم جمع النقود المعدنية من باب الصدفة المحض، بعد ان اشترى من احد المتسكعين من باب المساعدة علبة حليب صدئة بـ 100000ملأى بالنقود المعدنية المختلفة، ليفاجأ حين كان يتفحص محتواها بوجود قروش من بداية القرن العشرين وفرنكات "مقدوحة" وغيرها من عملات لبنانية معدنية قديمة. أذهله الأمر واثار اهتمامه وراح يبحث عن تاريخ تلك العملات وأسعدته العودة الى التاريخ وهكذا وجد نفسه قد "علق" على حد قوله وبات مدفوعاً للبحث عن قطع اخرى من الحقبة نفسها وبدأ يكتشف ان جمع العملات عالم قائم بذاته له كاتالوغات خاصة وكل قطعة لها محلها في الكاتالوغ. وانطلقت رحلته في تجميع النقود المعدنية وفرزها وفهرستها والسعي الى الحصول على المزيد والمزيد منها لضمها الى مجموعته التي يتمنى ان تكون إرثاً قيماً يستفيد منها اولاده لاحقاً...

قصة سولو فغالي مع هواية التجميع ليست وليدة الصدفة بل هي شغف بالسينما وأبطالها يرافقه منذ ايام الطفولة حين كانت الصحف والمجلات هي المصدر الوحيد للصور والمعلومات. حينها كان يقص صور الممثلين من المجلات ويجمعها، وحين كبر قليلاً بدأ يجمع المجلات المتخصصة بالسينما ويحفظها في مكتبة خاصة الى أن أوصله شغفه هذا الى دراسة السينما والتلفزيون والتعمق أكثر في هذا العالم الخيالي وبدأ يجمع بعض المجسمات لشخصياته المفضلة. في كندا تطورت هوايته بشكل كبير وتحولت الى سعي حثيث لاقتناء هذه المجسمات وإبقاء ابطال الأفلام التي يعشقها قريبة منه. بدأ يكون مجموعة figurines وصلت اليوم الى 400 قطعة وهي كما يؤكد سولو ليست الألعاب البسيطة التي يقتنيها الأطفال لشخصياتهم المفضلة بل قطع ثمينة تنتجها شركتان أميركيتان متخصصتان لتكون نسخة طبق الأصل عن الشخصيات الاصيلة في الأفلام". فريدي، الجوكر، إلفيس، مايكل جاكسون، الوطواط وغيرها الكثير يعرضها في مكتبة خاصة باتت ممتلئة حتى التخمة.


طابع تجارب تعادل قيمته عشر ليرات ذهبية



نسأل السيد فغالي، وهو يعمل في مجال التلفزيون، مزيداً من التفاصيل عن هذا النوع من التجميع الذي يعتبر غريباً بعض الشيء في لبنان وعن اسعار هذه المجسمات ومدى ندرتها، فيخبرنا انها تقسم الى ثلاثة مقاسات يتراوح سعرها بين 25$ و 300 $ وما فوق حين يتم شراؤها جديدة. ولكن حين يتوقف انتاج شخصيات فيلم ما، تتبعثر القطع المنتجة في أنحاء العالم ولا يبقى منها إلا عدد قليل يصبح سعره خيالياً وقد يصل الى حدود 3000 $. نسأل الهاوي إذا كان يضع ميزانية شهرية معينة لشراء التماثيل فيقول إنه لا يفعل ذلك بل حين يرى قطعة تعجبه يجد نفسه مدفوعاً لشرائها ولكن اليوم مع أزمة بطاقات الإئتمان اضطر الى التخفيف من الشراء عبر الانترنت. بالنسبة لصديقنا يعتبر التجميع هواية اما بالنسبة للزوجة فالهواية تكاد تلامس الهوس وتنظيف القطع مشكلة حقيقية بعد أن ازدادت أعدادها ولم يعد يقوم بذلك اسبوعياً بل يكتفي بـ"حفلتي" تنظيف مرتين في السنة.


بيرة


LPNC أكبر ملتقى للهواة والخبراء

منذ بداية القرن العشرين بدأت تظهر هواية جمع الطوابع في لبنان ومع انتشارها في العالم شهدت فورة كبيرة في لبنان بحيث باتت المفضلة عند الكثيرين من الشباب لا سيما في الخمسينات والستينات ومع نشوء النقد اللبناني بدأت هواية تجميع العملات تأخذ طريقها الى قلوب الهواة الى جانب مجموعات متفرقة ولكن خلال الحرب اللبنانية ماتت قصة الهوايات ثم عادت الى الظهور تدريجياً وانتشرت بقوة منذ خمس سنوات تقريباً مع فورة مواقع التواصل وبدأت تتكون على هذه المواقع مجموعات تهتم باغراض معينة ويجمع بينها شغف واحد ومع الوقت انفرزت هذه المجموعات وفق الأغراض التي تجمعها وبات لكل منها صفحاته الخاصة التي يلتقي فيها الهواة ويتبادلون الخبرات والصور والمعلومات ونشأت صفحات خاصة للبيع. وقد برزت صفحة LPNC و هي اختصار Lebanese Philatelic & Numismatic Community كواحدة من أهم هذه الصفحات وأكثرها خبرة ومهنية بحيث باتت مرجعاً للهواة اللبنانيين والعرب نظراً لما تضمه الصفحة من خبراء كل في مجاله. ولكن إذا كان الهواة ناشطين على مواقع التواصل وعددهم كبيراً على الصفحات فهناك اعداد أكبر بعد يمارسون هوايتهم هذه بعيداً عن التواصل الاجتماعي ويقدر عددهم بعشرة آلاف وما فوق.

نسأل السيد غسان بالش المسؤول عن إدارة صفحات LPNC اي الصفحة الاساسية التي تشكل منصة اجتماعية يلتقي عبرها الهواة والصفحة المخصصة للبيع التي يتم من خلالها عرض القطع المخصصة للبيع ويتواصل الشاري مع البائع مباشرة بأن يرسم لنا بروفايلاً تشبيهياً عن الهاوي الذي يتعلق بهواية جمع الطوابع والعملات والميداليات فيخبرنا أن معظم الهواة هم من المتزوجين الذين باتوا يعيشون استقراراً مادياً ومهنياً ولديهم القدرة والإمكانيات المادية لإعطاء وقتهم لهذه الهواية. فهواية جمع العملات هي هواية الملوك لأن تكلفتها كبيرة وتنافسها هواية جمع الطوابع التي تعتبر هواية ملوكية ايضاً. وبحسب معرفته بالمنتسبين الى الغروبات التي يديرها والتي تضم الى جانب LPNC صفحة Antique depot lebanon المخصصة للتحف فإن الأعمار تبدأ من 35 وتصل الى 65 وما فوق، وللنساء حضور واضح فيها بالنسبة للتجميع لكن نسبتهن في عمليات البيع والشراء لا تتعدى 6%. ويؤكد بالش ان كل مجموعات لبنان التي تهتم بالبيع والشراء لا تقوم بذلك بهدف التجارة والربح بل هو نوع من التبادل إذ يبحث الشارون عادة عن إكمال النواقص عندهم فيما البائعون يسعون الى مبادلة قطعة بأخرى بشكل عام.



مجموعة ميداليات وأوسمة من د. فادي زرازير



إذاً هي اكثر من هواية، هي هوس يصيب الهواة ويجعلهم ينفقون اموالاً قد تكون أحياناً باهظة لزيادة قطع على مجموعاتهم والغريب في الأمر انه قد يبدأ فجأة تجاه شيء يجذبهم وينمو ببطء بداية ليتحول في ما بعد عند الكثيرين الى نوع من الإدمان قد يصبح مرضياً إذا بات الشخص يؤذي نفسه اوعائلته من خلال ما ينفقه على هوايته هذه. أما من يضع ميزانية شهرية منطقية لهوايته فيمكن ان يكون مطمئناً الى كونه يقوم باستثمار رابح، إذ لا خسارة مادية بحسب ما يشرح لنا السيد طوني عنقة، بل يمكن في اي وقت بيع القطع والاستفادة من ثمنها الذي يزداد مع الوقت.

وتختص صفحة LPNC وفق السيدين طوني عنقا وغسان بالش بالعملات الورقية والمعدنية، الطوابع البريدية والمالية، الوثائق الرسمية القديمة التي تختص بلبنان، الميداليات والأوسمة اللبنانية، أوراق اليانصيب، الأزرار التابعة للجيش والاحزاب اللبنانية.


ساعات ساعات



هواة باتوا مراجع

علي شور، طوني عنقا، د. فادي زرازير، عبدو ايوب، وسام يوسف باتوا مراجع كل في اختصاصه واحتل بعضهم مراكز عالمية متقدمة وحطموا أرقاماً قياسية. فعبدو ايوب مثلاً صاحب أهم مجموعة كاملة للعملات اللبنانية وتقدر قيمتها بحوالى 3 ملايين دولار أما علي شور فصاحب مجموعة لا يستهان بها من العملات اللبنانية و تفوق قيمتها 700000 دولار وقد اصدر مؤخراً كتاباً يتعلق بتاريخ العملات اللبنانية نظراً لتمرسه الشديد بموضوع العملات. أما وسام يوسف الذي دخل كتاب غينيس للأرقام القياسية فيملك اكبر مجموعة عملات عالمية لا يمكن تقدير قيمتها. اما د. فادي زرازير فصاحب مجموعة واسعة من الميداليات التي توثق تاريخ لبنان وابرز أحداثه السياسية والثقافية وصدر له مؤخراً كتاب ميداليات لبنانية_ محطات من تاريخ لبنان 1840- 2020.

ويعتبر طوني عنقا مرجعية في تاريخ العملة اللبنانية وصاحب كتاب تاريخ النقد اللبناني 1919-1964. وهو مختص أيضاً بجمع الطوابع المالية يعرف تاريخ كل طابع منها من الزمن العثماني حتى اليوم ولا يغفل واحداً منها ويؤكد أن قيمة هذه الطوابع التاريخية تفوق بكثير قيمتها المادية ويتعدى مجموع ما يملكه منها 2000 طابع من مختلف مراحل لبنان. كذلك يقوم عنقا بتجميع اوراق اليانصيب ويقول أن هذه الأوراق كانت جميلة جداً في الماضي تزينها رسومات رائعة كان يقوم برسمها فنان روسي يدعى كوروليف وهو ذاته الذي كان يرسم العملات والطوابع.

250 ليرة نادرة بيعت بـ 40000 استرليني مؤخراً


وللناس في ما يعشقون مذاهب

أن يجمع المرء طوابع وعملات وميداليات ووثائق وحتى أوراق يانصيب وبطاقات بريدية فأمر مفهوم وله خلفية تاريخية وثقافية واضحة وقيمة معنوية عالية إضافة الى قيمته المادية. اما أن يجمع علب تنك او كبريت أو فيش الكازينو والفليبرز وبطاقات الهواتف وزجاجات كوكا كولا أو حتى واقيات ذكرية فالأمر هنا يتحول الى غريب عجيب. ولكن للناس في ما يعشقون مذاهب كما يقال ولا يمكن لأي كان ان يشرح سبب تعلق هؤلاء الهواة بغرض معين والبدء بتجميعه. ويخبرنا غسان بالش مثلاً ان ثمة لبنانيين يجمعون علب غندور المعدنية او علب Pionneer التي كانت تحوي في الماضي انواعاً من البسكويت وغالباً ما كانت تتحول في البيوت الى علب للخياطة، وقد وصل سعر إحدى العلب التي تعود الى العام 1920 الى 100$ رغم كونها من الكرتون لا التنك، وهذا النوع من تجميع العلب شائع جداً في أوروبا حيث البسكويت يدخل ضمن التقاليد هناك. ويمكن للصغار ان يبدأوا بتجميع اشياء يحبونها من ألعاب وسواها لتتحول عندهم بعد ذلك الى هواية راسخة، وعادة ما يميل الشباب الى تجميع أغراض لا تحمل قيمة مادية عالية وذلك تبعاً لإمكانياتهم المادية.

كل ما يخطر بالبال يمكن ان يكون صالحاً للتجميع بحيث انفرزت الهواية بين قطع رفيعة المستوى مثل الطوابع والعملات والوثائق والميداليات والأنتيكا وما شابهها وقطع عادية تشمل مقتنيات مختلفة. ولكن هذا لا يعني ان هذه القطع غير قيمة او لا تباع باسعار مرتفعة إذ أن القطعة تستمد قيمتها من ندرتها وحاجة الهاوي إليها. وقد يعتقد البعض ان القِدَم هو ما يمنح القطعة قيمتها لكن بحسب بالش هذا ليس بالعامل الأكثر تأثيراً إذ قد يكون الطابع البريدي مثلاً قديماً يعود الى أواسط القرن الماضي لكن لا تزال توجد كمية منه في الأسواق، حينها لا تكون قيمته مرتفعة. وسوق العرض والطلب هو الذي يتحكم بسعر اية قطعة فكلما ازداد الطلب على قطعة ما يرتفع ثمنها وتزداد قيمتها.


وسام اللحام، معن نعمه، طوني عنقة، وسام يوسف، غسان بالش وعبدو أيوب يحتفلون باستلام يوسف جائزة غينيس



غراندايزر وبوكيمون وسيارات سبور

بالعودة الى بعض المجموعات الغريبة ثمة من يجمع مفاتيح الأبواب القديمة او مجسمات غراندايزر او ألعاب بوكيمون او طائرات حديدية وهي طائرات صغيرة عرفت عزاً في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي وبات وجودها اليوم قليلاً لأنها سريعة العطب تنكسر بسهولة وقد يصل سعر إحداها الى 500$ وما فوق. ويمكن للائحة أن تطول الى ما لا نهاية لكن بعض انواع المجموعات معروفة اكثر من غيرها مثل جمع مصغرات السيارات. وفي لبنان دخل بيلي كرم موسوعة غينيس ثلاث مرات كصاحب أكبر مجموعة سيارات صغيرة في العالم وفي العام 2015 تجاوز كرم أرقام مجموعته الخاصة وبات بشهادة " غينيس" أكبر مالك للسيارات الرياضية الصغيرة في العالم وعددها 37777، والثانية للمجسّمات (ديوراما) وعددها 577. ولا شك ان أعداد هذه المجموعات قد ازدادت بشكل كبير منذ 2015 حتى اليوم.

ومن الهواة المعروفين كذلك في تجميع السيارات الصغيرة هشام الأبيض حداد الذي يهوى أيضاً جمع السيارات القديمة. اما باسم يمين فقد حول منزله الذي تبلغ مساحته 150 م2 الى متحف لقناني الكوكا كولا من كل البلدان والحقبات.



سولو فغالي في مكتبته



مصير المجموعات إرث ضائع

هذه المجموعات التي يتعب أصحابها في جمعها ويبذلون من أجلها الغالي والرخيص ماذا يكون مصيرها بعد رحيل اصحابها ( أطال الله بعمرهم)؟ هل تندثر ويضيع تعب العمر هباء ام تتحول ارثاً يكمله المقربون؟ الأمر هنا ملتبس فبعض الهواة أنفسهم لا يدركون القيمة الحقيقية لمجموعتهم بل اكتفوا بتكديسها على مر السنين لحاجة نفسية ربما وبعضهم الآخر يدركون تماماً كم تساوي وكم يمكن لقيمتها أن ترتفع مع الوقت. ولكن السؤال الأهم هل يعرف المحيطون بهم القيمة المادية الحقيقية لهذه المجموعات فيحافظون عليها وينمونها، او يسارعون الى التخلص منها وبيعها باسعار أقل بكثير مما تستحقه؟ وهنا يكمن الصيادون الذين يترقبون عمليات بيع كهذه لانتشال قطع مهمة وثمينة باسعار بخسة يضيفونها الى مجموعاتهم او يتاجرون بها ويعيدون بيعها باسعار خيالية فيكونون المستفيد الأول من إرث لم يعرف اصحابه قيمته.


MISS 3