المحكمة الأوروبّية لحقوق الإنسان تُدين روسيا بشدّة

باريس ترغب في "إعادة النظر" بالعلاقات مع موسكو

09 : 52

ما أفق العلاقة بين فرنسا وروسيا؟ (أرشيف)

اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال الاجتماع السنوي لسفراء بلاده في باريس أمس، أنه يجب "إعادة النظر بعلاقتنا مع روسيا لأنّ دفعها بعيداً عن أوروبا خطأ جسيم"، لافتاً في الوقت ذاته إلى أنّه "يجب أن نستطلع استراتيجياً سُبل هكذا تقارب وأن نطرح شروطنا". وسبق لماكرون أن أعلن رغبته بتطبيع العلاقات مع موسكو بعدما توتّرت إثر ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانيّة العام 2014.

وقال ماكرون للديبلوماسيين الفرنسيين: "أعرف أنّ كثراً بينكم عملوا أحياناً على ملفات قادهم كلّ شيء فيها إلى الريبة تجاه روسيا، عن حق في بعض الأحيان"، مضيفاً: "نحن نظّمنا هذه العلاقة منذ سقوط جدار برلين في سياق هذه الريبة، وبناءً على سلسلة من سوء التفاهمات". وتابع: "نحن في أوروبا، وفي حال لم نعرف في لحظة ما القيام بشيء مفيد مع روسيا، فإنّنا سنُبقي على توتر عقيم، وستبقى الصراعات مجمّدة في أنحاء أوروبا كافة، وستبقى القارة مسرحاً لمعركة إستراتيجيّة بين الولايات المتّحدة وروسيا، وبالتالي سنبقى نتلقّى تداعيات الحرب الباردة على أرضنا".

وأردف الرئيس الفرنسي: "هذا ما قلته للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي في بريغنسون (مقرّ الرئاسة الصيفي): ينبغي علينا التقدّم خطوة بخطوة". وفي 21 آب، اعتبر ماكرون أنّه "من المهمّ أن تنضمّ روسيا مجدّداً إلى مجموعة السبع" (مجموعة الثماني بوجود روسيا)، بعدما أُقصيت منها العام 2014 إثر سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم. وأوضح أنّ "الشرط المسبق الذي لا بدّ منه للقبول بعودة روسيا إلى المجموعة، هو أن يتمّ إيجاد حلّ في شأن أوكرانيا على أساس اتفاقات مينسك". وكشف الرئيس الفرنسي في ختام قمّة بياريتس أمس الأوّل، تنظيم قمّة بخصوص الأزمة الأوكرانيّة في أيلول، تجمع المسؤولين الأوكرانيين، الروس، الألمان والفرنسيين.

على صعيد آخر، دانت المحكمة الأوروبّية لحقوق الإنسان روسيا بشدّة في قضيّة سيرغي ماغنيتسكي، وهو خبير قانوني توفي في السجن العام 2009 بعد كشفه فضيحة فساد، واستمرّت محاكمته بعد وفاته، في قضيّة أثارت أزمة ديبلوماسيّة بين موسكو وواشنطن آنذاك. وأشارت المحكمة بصورة خاصة إلى انتهاكات للحقوق الأساسيّة في هذا الملف، خصوصاً سوء المعاملة التي تعرّض لها ماغنيتسكي على أيدي حرّاسه قبيل وفاته، وعدم إجراء تحقيق "كامل وفعّال" في ظروف هذه الوفاة، واحتجازه بشكل احتياطي لمدّة طويلة، وأوجه القصور في العناية الطبية التي تلقاها، ومحاكمته وإدانته بعد وفاته في آليّة تنطوي على "قصور جوهري".

واعتبر قضاة المحكمة في مدينة ستراسبورغ في فرنسا، أن ماغنيتسكي كان ضحيّة سوء المعاملة قبل ساعات من وفاته. كما رأوا أنّ قرار السلطات الروسيّة في آذار 2013 بإغلاق التحقيق بعد وفاته كان "سطحيّاً". ودين ماغنيتسكي في تموز 2013، بعد وفاته، بالتهرّب الضريبي، في محاكمة قاطعتها عائلته. وأكّدت المحكمة الأوروبّية في هذا الخصوص أنّ "محاكمة شخص متوفٍ تتجاهل بوضوح مبادئ الحق في محاكمة عادلة".

وحكمت المحكمة الأوروبّية على روسيا بدفع 34 ألف يورو لزوجة ووالدة ماغنيتسكي، تعويضاً للضرر المعنوي الذي لحق بهما. وتتّهم زوجة ماغنيتسكي ووالدته كذلك، السلطات الروسيّة باحتجازه "بشكل تعسّفي"، وتؤكّدان أن السلطات حاولت إرغامه على العودة عن تصريحات له تُشير إلى تورّط موظّفين حكوميين في فضيحة فساد. لكن المحكمة الأوروبّية لم تأخذ بهذه الاتهامات، وإنّما دانت روسيا بالأخصّ لإطالتها فترة التوقيف الاحتياطي.

ورفع ماغنيتسكي قبل وفاته قضيّته إلى المحكمة الأوروبّية لحقوق الإنسان، وتابعتها والدته وزوجته بعد وفاته. وكان المحامي ماغنيتسكي يعمل في قسم الشؤون الضريبيّة في مكتب محاماة في موسكو، بين زبائنه "اريميتاج كابيتال"، التي يُديرها أميركي. وأوقف العام 2008 بعد كشفه عمليّة احتيال مالي بقيمة 5.4 مليارات روبل (130 مليون يورو)، خطّط لها وفق قوله، مسؤولون في الشرطة والسلطات الضريبيّة على حساب الدولة الروسيّة و"اريميتاج كابيتال".

وتوفي ماغنيتسكي عن 37 عاماً في تشرين الثاني 2009، حين كان قيد الحبس الاحتياطي. وأعلنت دائرة السجون في حينه أنّ الوفاة نتجت من وعكة صحيّة، غير أنّ تحقيقاً أجراه المجلس الاستشاري لشؤون حقوق الإنسان لدى الكرملين خلص العام 2011 إلى أنّه كان ضحيّة ضرب وحُرِم من العناية الصحيّة. ولم يتمّ البدء بأيّ ملاحقات جنائيّة في أعقاب ذلك.

وأدّت قضيّة ماغنيتسكي إلى أزمة ديبلوماسيّة بين واشنطن وموسكو، خصوصاً بعد اعتماد قانون أميركي باسمه (قانون ماغنيتسكي) العام 2012، يُقيّد حرّية الحركة لدى المتّهمين في الولايات المتّحدة بانتهاك حقوق الإنسان وينصّ على تجميد أصولهم. وردّت روسيا بتبنّي لائحة تضمّ أسماء أميركيين ومن جنسيّات أخرى غير مرغوب فيهم على أراضيها، وإصدار قانون يمنع تبنّي أطفال روس من قبل أميركيين.

وروسيا عضو في مجلس أوروبا منذ 1996، غير أنّها لم تُنفّذ بشكل تام سوى 38% من قرارات المحكمة الأوروبّية الصادرة بحقّها، بحسب أرقام نشرها في الربيع الماضي منتدى منظّمات غير حكوميّة روسيّة.


MISS 3