يوسف مرتضى

الإسلام السياسي (السنّي - الشيعي) حصان طروادة لمشروع التفتيت (الصهيو - أميركي)

30 كانون الأول 2020

02 : 00

ما إن خفقت راية العروبة في سماء مصر على أثر تأميم قناة السويس في العام 1956، ورفض جمال عبد الناصر مشروع أيزنهور "حلف بغداد"، حتى بدأت دوائر الإستخبارات الغربية، الأميركية والبريطانية تحديداً إعداد العدة للنيل من الزعيم العربي الذي أثار مشروعه عاصفة نهضوية تحررية في أوساط النخب العربية وعلى امتداد الجغرافيا العربية من الفرات إلى النيل.

وعبر شعار (حرية، إشتراكية، وحدة) الذي ألّف عناوين برنامج الإتحاد الإشتراكي في مصر بقيادة جمال عبد الناصر، تطور عصف العاصفة الناصرية ليصيب أهم عاصمتين مشرقيتين تاريخيتين، عاصمتي الأمويين والعباسيين. فانتصرت فيهما ثورة البعث بين أعوام 1958-1963 بشعارها المعهود (وحدة، حرية، إشتراكية)، بعدما كانت قد قامت وانحلّت دولة الوحدة بين مصر وسوريا (1959-1961).

نشطت أجهزة المخابرات الغربية في التآمر على عبد الناصر فخططت لاغتياله أكثر من مرة لصد رياح تلك العاصفة وتداعياتها على الأقليم عبر النيْل من قبطانها. وإلى جانب محاولات الإغتيال الفاشلة، عملت تلك الدوائر على تشكيل الأحلاف الإقليمية ضده وضد التيار القومي العربي اليساري الذي أطلق شرارته.

كان بالتأكيد"لإسرائيل" لاحقاً الدولة (القاعدة) المتقدمة للإمبريالية دور في استراتيجية التصدي الغربي - الأميركي لعبد الناصر ولفكرة انبعاث تلك الدولة العربية التي طمح إلى تحقيقها سابقاً الشريف حسين وأجهضتها المخابرات الإنكليزية وحولتها إلى كيانات (سايكس- بيكو) في داخل كل منها ألغام معدة للتفجير بساعة تحكم غربية.

ومنذ ستينات القرن الماضي بدأنا نسمع ونقرأ عن مشروع دولة " إسرائيل" الكبرى، ليتبين أنها لا تعني سوى إقامة كيان يهودي على كامل أرض فلسطين، وتفتيت المنطقة العربية والإسلامية إلى كيانات دينية وعرقية ومذهبية تبرره. أي تجزئة كيانات سايكس – بيكو، إلى دويلات متناحرة طائفياً ومذهبياً وعرقياً وتكون "إسرائيل" الدولة اليهودية ضابط الإيقاع الأقوى بينها طالما أنها تحظى بكل أشكال الدعم والحماية الغربية والأميركية على وجه الخصوص.

في مرحلة الإنحطاط العربي التي دشتنها اتفاقات كمب دايفيد في العام 1978  اشتد التنافس للسيطرة على المنطقة العربية في غياب المشروع العربي بين ثلاث قوى إقليمية هي: إسرائيل مدعومة من الإمبريالية الأميركية، المشروع الإسلامي الشيعي الفارسي بعد انتصار الثورة في إيران، ومشروع الخلافة الإسلامية العثمانية في استعادة لتاريخ السلطنة البائد على يد أردوغان.

وفي غمرة التنافس بين تلك المشاريع انفجرت في بداية العقد الثاني من القرن الحالي ثورة الخبز والحرية والكرامة التي أشعل شرارتها الأولى الشهيد التونسي البوعزيزي، ومن ثم امتدت من تونس إلى مصر وليبيا وسوريا... غير أن تلك الثورة، سرعان ما تعرضت إلى هجوم شرس وهي لم تزل طرية العود، بهدف إجهاضها وحرفها عن مسارها في الانعتاق والتحرر من الإستبداد، فاخترقت صفوف الثورة الأذرع المضادة في الأنظمة وخارجها ودفعت بذاك المشروع الجهنمي التفتيتي للمنطقة من خلال النفخ في بوق الحرب المذهبية السنية - الشيعية والتي يعتقد البعض أن التأسيس لها كان قد بدأ في أواخر سبعينات القرن الماضي، عبر الطالبان ومن ثم القاعدة في أفغانستان، (السنية). وفي إيران مع قيام الجمهورية الإسلامية (الشيعية) في العام 1979.

من هنا مشروعية التساؤل، حول ما إذا كانت الحروب التي تدور رحاها اليوم من العراق إلى اليمن إلى دمشق إلى مصر إلى ليبيا.... والتي في معظمها تُخاض تحت راية الإسلام وبين المسلمين أنفسهم سنة وشيعة، والتي تُغذى وتُحارب في آن من أميركا وأحلافها، في سيناريوات غير مفهومة من الرأي العام العربي والإسلامي، هي ما ستقود بالنهاية إلى مشروع التفتيت الفعلي للمنطقة إلى كيانات دينية ومذهبية وعرقية بديلاً للدولة المدنية التعددية الديموقراطية التي شكلت مطلب وطموح الشارع العربي في ثورته الربيعية الخضراء؟

وهل أن أصحاب المشاريع الإسلامية تلك، الذين انقضوا على الربيع العربي هم جزء من خطة التفتيت عن سابق تصور وتصميم؟ أم أنهم قد أُوقعوا في الفخ وأصبحوا يخدمون هذا المشروع من خلفية الدفاع عن النفس بحجة أنهم باتوا في الواقع في حرب وجودية لا مفر منها  كما يدعون ؟؟