توماس رايت

مخاطر تطبيق سياسة جون كيري للتعامل مع الصين

6 كانون الثاني 2021

المصدر: The Atlantic

02 : 01

الرئيس المنتخب جو بايدن وجون كيري
ستكون المنافسة مع الصين على الأرجح أصعب مسألة يواجهها الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن في مجال السياسة الخارجية. وستصبح الجهود التي يقرر إطلاقها والمجالات التي يلتزم بها أو يتصدى فيها لبكين بالغة الأهمية. لهذا السبب، قد يواجه الرئيس المقبل مشكلة على مستوى التعامل مع الصين بعد اختيار جون كيري مبعوثه الخاص في ملف التغير المناخي.

عيّن بايدن جون كيري، صديقه القديم وحليفه الجدير بالثقة الذي كاد يفوز بالرئاسة الأميركية في العام 2004، وزاده قوة عبر توسيع صلاحياته في مسألة تؤثر على جميع المجالات الأخرى في السياسات المحلية والخارجية. هذا التعيين يضمن أيضاً عضويته في الحكومة ومجلس الأمن القومي ويعطيه صلاحية استعمال الطائرات العسكرية لتنفيذ جهوده الديبلوماسية. لكن يبدو أن بايدن لم يرسم بعد حدود دور كيري ولم يفسّر كيفية دمجه مع الاستراتيجية العامة المعمول بها. هذا الوضع يثير قلق عدد من مستشاري بايدن الآخرين.

تدرك بكين جيداً موقف كيري، فهو عبّر عنه خلال "مؤتمر ميونخ للأمن" في العام 2020 (قبل ترشّح بايدن بفترة). وسبق وبدأت الصين استعداداتها لإعادة ضبط علاقاتها مع الولايات المتحدة. في الأسبوع الماضي، تكلم وزير الخارجية الصيني وانغ يي أمام "جمعية آسيا" ودعا إلى استئناف التعاون معتبراً أن التوتر بين البلدين تفاقم لأن الولايات المتحدة تسيء فهم الصين. على صعيد آخر، تطلق بكين حملة إيجابية مكثفة في ملف التغير المناخي، فقد أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ في أيلول الماضي أن الصين ستخلو من انبعاثات الكربون بحلول العام 2060.

يظن عدد من مستشاري بايدن في مجال السياسة الخارجية أن هذه المبادرات الحميدة ظاهرياً من الجانب الصيني تدعو الولايات المتحدة إلى تقبّل التحركات الاستفزازية الصينية التي أدت إلى تصاعد التوتر أصلاً. هذا الخطاب لا يعني أن بكين ستغيّر سلوكها في بحر الصين الجنوبي أو تايوان أو هونغ كونغ أو شينجيانغ أو في مجال التجارة أو تطوير قدراتها العسكرية الجديدة القادرة على تهديد المصالح الأميركية. بل إن الكلام المتكرر عن إعادة ضبط العلاقات هو مجرّد محاولة للتأثير على النقاشات الداخلية المبكرة في أوساط إدارة بايدن ولتقوية موقف الأطراف التي تؤيد استئناف التعاون مع الصين.

كيري شخص نشيط ودقيق في كل ما يفعله، ويعرف كل من عمل معه سابقاً خلال عهد باراك أوباما مدى حيويته وثقته بقدرته على تغيير مسار التاريخ. حين كان وزير الخارجية الأميركي، لم يتلقَ الأوامر من البيت الأبيض بسهولة بل كان يتخذ الخطوات التي يعتبرها مناسبة لتنفيذ أولوياته السياسية الخاصة، فدعم في تلك الفترة عملية سلام اعتبرها معظم زملائه محكومة بالفشل في الشرق الأوسط. ربط كيري مثلاً بين السياسة المصرية وعملية السلام بطرقٍ تتعارض مع موقف إدارة أوباما حول أهمية الديموقراطية وحقوق الإنسان في ذلك البلد.

قد يقرر كيري أن يسافر إلى بكين في 21 كانون الثاني وهو يحمل دعوة إلى البلدَين لجعل الملف المناخي محور علاقتهما الثنائية. سيوافق الصينيون على الأرجح وقد يلمحون في الأشهر اللاحقة إلى ضرورة تخفيف التوتر في مسائل أخرى قبل تنفيذ وعودهم. ثم قد يصبح كيري طرفاً أساسياً في الجهود الرامية إلى التوفيق بين الأهداف المتضاربة ويطالب بإحداث تعديلات في السياسة الأميركية لدعم مساعيه.

هذه التطورات كلها قد تضع فريق بايدن في موقف صعب. قد يضطر توني بلينكن وجايك سوليفان ولويد أوستن (وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ووزير الدفاع في الإدارة المقبلة على التوالي) ومسؤولون آخرون في الإدارة الأميركية للإدلاء بتصريحات تتعارض مع محتوى مؤتمرات كيري الصحافية في بكين حول السياسة الأميركية تجاه الصين. كذلك، قد تزيد جهود كيري الديبلوماسية تعقيد الأجندة التشريعية حول المناخ. سيجد بايدن صعوبة أصلاً في إقناع مجلس الشيوخ باتخاذ قرارات حول التغير المناخي، لكنه قد يحرز تقدماً معيناً في المجالات التي تُعتبر فيها المبادرات المناخية جزءاً من المنافسة مع الصين. لكن قد يذهب أي تقدّم محتمل أدراج الرياح إذا كان إطار العمل جزءاً من صفقة كبرى مع بكين.

في خضم تطوير استراتيجية جديدة، يبرز جانبان مهمان في الرابط القائم بين التغير المناخي والمنافسة مع الصين. يتعلق الجانب الأول بدور المناخ في السياسة الأميركية تجاه الصين. تظن أقلية صغيرة، بما في ذلك كيري، أن الولايات المتحدة يجب أن تطرح الملف المناخي كجزء أساسي من العلاقات الثنائية العامة وتبدي استعدادها لتقديم التنازلات في مسائل أخرى لضمان تنفيذ التحركات المطلوبة من بكين. لكن ترفض أغلبية واسعة، بما في ذلك معظم أعضاء فريق بايدن باستثناء كيري، هذه الفكرة على اعتبار أن التعاون في الملف المناخي يجب أن يكون مُقسّماً ومعزولاً عن بقية جوانب العلاقات الأميركية الصينية. يختلف هذا المعسكر حول مستوى المنافسة المطلوبة، لكنهم يُجمِعون حول مخاطر الربط بين المسألتَين لأن هذا الموقف قد يدفع بكين إلى وقف تعاونها في الملف المناخي إذا لم تتلقَ التنازلات التي تريدها في ملفات أخرى.

أما الجانب الثاني، فيتعلق باحتمال أن يتحول السباق لتخفيف حدّة التغير المناخي إلى مجال آخر تتنافس فيه الولايات المتحدة والصين. يَصِف المحللون بايفورد تسانغ وجانكا أورتيل وجنيفر تولمان هذا الوضع بشكلٍ لامع في تقرير جديد صادر عن "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية". لقد زادت العوائق التي تمنع التعاون مع الصين في الملف المناخي برأيهم، لكن قد يصبّ هذا الوضع في مصلحة أوروبا إذا حدّد الاتحاد الأوروبي خطوطاً حمراء ومعايير واضحة. يحذر المحللون أيضاً من عواقب استخفاف صانعي السياسة بالجوانب التنافسية المحتدمة التي تطبع مساعي الصين لتغيير طريقة إنتاج الطاقة واستهلاكها، ويتوقعون أن يصبح هذا البُعد التنافسي في الديبلوماسية المناخية أكثر تأثيراً.

ستتنافس أوروبا (والولايات المتحدة) مع الصين مثلاً في مجال الابتكارات التكنولوجية لإنتاج اقتصاد يخلو من انبعاثات الكربون ولتسهيل الوصول إلى المواد الخام (مغناطيس، بطاريات، سيراميك عالي الأداء، صمامات ثنائية باعثة للضوء...). في عدد من هذه المجالات، تجازف الولايات المتحدة وأوروبا بتكثيف اتكالهما على الصين، لذا يكمن الحل في زيادة اتكال العالم الحرّ على نفسه لتطوير التكنولوجيا النظيفة على مر العقود المقبلة.

يجب أن يوضح بايدن في أقرب فرصة دعمه لفصل التغير المناخي عن بقية جوانب العلاقة الثنائية كي يستمر التقدم في هذا الملف بغض النظر عن الاختلافات الأخرى بين الولايات المتحدة والصين. إذا لم يُصدِر هذا النوع من التوجيهات، قد يفترض كيري أنه يملك الحق في تنفيذ مساره الخاص. وفي المرحلة اللاحقة، يجب أن يوضح بايدن التعليمات اللازمة كي تتواصل إدارته مع الصين مباشرةً ويُحدد المواضيع التي يُسمَح لجون كيري بمناقشتها مع بكين. كذلك، يُفترض أن يتناقش بلينكن وسوليفان حول الجوانب التنافسية في السياسة المناخية منعاً لإهمال هذا الموضوع. الأهم من ذلك هو أن يضع بايدن آلية تحكّم من خلال منح كبير موظفي البيــت الأبيــض رون كلاين الصلاحيــات اللازمـــة لتنفيـذ هذه التوجيهات.

يحتاج البيت الأبيض إلى مسؤول مرموق ونافذ ولديه الصلاحيات لتحديد وجهة الاستراتيجية الأميركية تجاه آسيا. يسهل أن يتماشى هذا الموقف مع بنية مجلس الأمن القومي القائمة راهناً. إنه عامل ضروري لأن وزير الدفاع المقبل لويد أوستن لا يملك خلفية واسعة حول آسيا والمسائل البحرية. لن يتمتع هذا المسؤول على الأرجح بمكانة كيري وموارده، لذا قد لا يبرز حل تلقائي للمشكلة. لكن تبقى هذه الخطوة مفيدة في مطلق الأحوال.

يجب ألا تكون بكين أول محطة يقصدها كيري، بل يُفترض أن يتوجه أولاً إلى الاتحاد الأوروبي ويصغي إلى الدروس التي استخلصها الأوروبيون حول مصاعب التواصل مع الصين في الملف المناخي وأسباب تحوّل هذه المسألة إلى مجال تنافسي. كذلك، يجب أن يتفاوض كيري مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لطرح أجندة مشتركة خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ في لندن في تشرين الثاني 2021. ثم يستطيع الحلفاء لاحقاً الذهاب إلى الصين معاً في الربيع للتفاوض حول الأجندة المناسبة من موقع قوة.

هذه الخطوات كلها ستفيد كيري وتساعده على استعمال طاقته بأعلى درجات الفعالية. هو يتمتع بالمكانة اللازمة والقدرة المطلوبة لإعادة توجيه الديبلوماسية المناخية الأميركية التي يحتاج إليها البلد بشدة، لكنه لن ينجح في مساعيه إلا إذا أصبح دوره جزءاً من استراتيجية عامة وإذا حرص على أن تتماشى أفكاره مع تلك الاستراتيجية بدل إضعافها. ما لم يحصل ذلك، ستكون أي صفقة كبرى محتملة مع الصين مجرّد مظاهر خادعة ولا مفر من أن تقود جميع الجهود المبذولة إلى الانهيار في نهاية المطاف.