د. ميشال الشماعي

هل تتحقّق النبوءات؟

8 كانون الثاني 2021

02 : 00

يخطئ مَن يظنّ أنّ الفكر الديني بعيد جدّاً من الحياة السياسيّة الأميركيّة. ولا يعتقدنّ أحدٌ أنّ الطريقة اليهوديّة في العمل السياسي تختلف عن تلك الأميركيّة. هما وجهان لعملة واحدة. فالمرجع للحياة السياسيّة لهذين الشعبين هو كتبهما المقدّسة. فبالنسبة إلى اليهود يبقى التوراة والتلمود دستور حياة ودستوراً سياسيّاً لهم. أمّا عند الأميركيّين فالمسألة فيها تمايُز حيث ما زالت بوصلة السياسة الأميركيّة في كتاب العهد القديم.

من هذا المكان بالذات، ينطلق النّظامان الأميركي والإسرائيلي إلى التّعاطي بملفّات السياسة الخارجيّة. بالعودة الى سفري عزرا ونحميا، أنّ الملك قورش الفارسي أمر بعودة اليهود، وببناء الهيكل من جديد، وسور أورشليم، وتكوين القومية اليهودية من جديد، واعتبر قورش بابليّاً خادم الله، والعبرانيون مدينون له أبدياً بعد أن حرّرهم من حكم الملك عام 539 ق.م.، عندما هاجم قورش بابل وهزم نبونيد وبسط سلطته على المدينة. ونبؤات أشعيا وإرميا تحقّقت بالعودة من سبي بابل على يد نبوخذ نصر البابلي.

ويعتبر نبوخذ نصر أحد أقوى الملوك الذين حكموا بابل وبلاد الرافدين، حيث جعل من الإمبراطورية الكلدانية البابلية أقوى الإمبراطوريات في عهده بعد أن خاض عدة حروب ضد الآشوريين والمصريين، كما أنه قام بإسقاط مدينة أورشليم (القدس) مرتين الأولى في سنة 597 ق م والثانية في سنة 587 ق م، إذ قام بسبي سكان أورشليم وأنهى حكم سلالة داود، كما ذكر أنه كان مسؤولًا عن بناء عدة أعمال عمرانية في بابل مثل الجنائن المعلقة ومعبد إيتيمينانكي وبوابة عشتار. من هنا نفهم الأداء المتّبع من قبل الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران من خلال تعاطيها في السياسة الخارجيّة حيث سعت لضرب مَن اعتبرته تاريخيّاً بابليّاً، أي عراق صدّام. وهي اليوم ستسعى إلى استنهاض العلاقات التي كانت سائدة بين القوميّة الفارسيّة والقوميّة اليهوديّة عبر التاريخ. وإذا تضارب فكر ولاية الفقيه مع هذا المشروع سيتمّ ضربه من الدّاخل بوساطة إحياء القوميّة الفارسيّة من جديد؛ لتعود وتمسك بزمام الأمور على صعيد المنطقة بعدما تمّ إزالة المارد البابلي.

مع العلم أنّ الأمبراطوريّات التي احتلّت الشعوب وأراضي الاثنيّات، زرعت تماثيل قادتها، فضلاً عن العمارات الهندسيّة التي اعتبرت لاحقاً قيمة تراثيّة، وذلك لتخليد حضورها العسكري في هذه المنطقة. وهذا ما يحدث اليوم بالتّحديد إذ لا تُعتَبَر تصرّفات الجمهوريّة الاسلاميّة وذراعها في لبنان، أي "حزب الله"، غريبة عن تراث تصرّفات الأمبراطوريّات. فنحن اليوم تحت الاحتلال الايراني الفقيهي. يبقى أنّ نهاية هذا الاحتلال ستكون بنهاية فكر ولاية الفقيه من الدّاخل الايراني تحقيقاً لنبوءات الكتب السماويّة التي أثنت على التآخي العبري- الفارسي من أيّام قورش.

أمّا اليوم فلن يكون أيّ شرق أوسط بعيداً من نبوءات الكتب السماويّة. وما يسعى اليهود والأميركيّون إلى تحقيقه هو خارطة الملك سليمان. وهذا ما تمّ الاشارة إليه في سفر "إستير" لجهة تقسيم الأرض. والحلّ الذي يوضح خارطة المنطقة تمّت الاشارة إليه في سفر "دانيال" لدى تفسيره رؤيا الملك نبوخذ نصّر.

عزيزي القارئ سأتركك أمام هذه الكتب لإعادة قراءتها في ضوء النبوءات التي أشارت إليها حتّى تستطيع إدراك خبايا السياسات الأميركيّة واليهوديّة والفارسيّة. وعندما يصرّح أحد القادة اليهود بأنّ سمير جعجع سيتحدّث بالفارسيّة، فهذا ترجمة لهذه النبوءات. ولا يُقصَد بالفارسيّة هنا تلك التي يدّعيها حزب ولاية الفقيه التي تتضارب مع القوميّة الفارسيّة.

وحتى اليوم يُعتبر قورش الأكبر أحد أكثر القادة تأثيراً على مدى التاريخ. ففي عام 1992، احتل المرتبة 87 في كتاب "الخالدون مائة: ترتيب أكثر الشخصيات تأثيراً في التاريخ" من تأليف مايكل ه. هارت، وهو عالم بالفيزياء الفلكية وكاتب أميركي يهودي. يكفي أن ندرك هذه الحقائق لنفهم حقيقة التغيير القادم على المنطقة. فعلى ما يبدو أنّ الثابت الوحيد فيها سيكون حركة المقاومة الكيانيّة اللبنانيّة التي حفرت وجودها منذ العام 685م وحتّى اليوم. ومن له أذنان للسماع فليسمع.


MISS 3