بيتر نيكولاس

عهد ترامب انتهى!

12 كانون الثاني 2021

المصدر: The Atlantic

02 : 01

يكفي أن نسير باتجاه البيت الأبيض في الأيام الأخيرة من عهد ترامب الرئاسي كي نشعر سريعاً بأن الحكومة مُحاصرة بمعنى الكلمة. أصبحت المباني الواقعة بالقرب من جادة بنسلفانيا مُسيّجة تحسباً لأي أعمال عنف محتملة في الشوارع وتكثر الأسوار القائمة حول النصب التذكارية. كذلك، وُضِع حاجز معدني طويل في ساحة "لافاييت"، شمالي البيت الأبيض، وهو مغطى باللافتات من الأعلى إلى الأسفل. إنه إثبات واضح على صلابة التعديل الأول من الدستور الأميركي رغم مناورات دونالد ترامب لتحدي التعديل الثاني عشر منه والتمسك بالسلطة. كُتِب على إحدى اللافتات: أنت مطرود!

سمح لي الحرس بالمرور نحو بوابة البيت الأبيض الشمالية التي توسّعت مساحتها وتحصّنت بدرجة إضافية في السنة الماضية ثم تمكنتُ من دخول المبنى. كنتُ متواجداً هناك في الصباح الذي تلا انتشار مكالمة هاتفية مسجّلة حيث حاول ترامب ترهيب المسؤولين عن الانتخابات في جورجيا، لإقناعهم بإيجاد الأصوات التي يحتاج إليها للتغلب على فوز جو بايدن وتغيير النتائج في هذه الولاية. لكن رفض وزير خارجية ولاية جورجيا براد رافنسبرغر طلبه، مثلما رفضته مجموعة من المحاكم في آخر شهرَين. لا تزال الديمقراطية صامدة، حتى الآن على الأقل، ويتجه ترامب إلى التنحي عن السلطة.

في يوم مماثل، يُفترض أن يعجّ "الجناح الغربي" بالناس. في الحالات الطبيعية، كانت الأروقة لتمتلئ بالمساعدين أو يصطف المراسلون على باب السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كايلي ماكناني. لكن بدت الأجواء في "الجناح الغربي" باهتة هذه المرة وكأنه وكالة توظيف بدل أن يكون القلب النابض للعالم الحر. حين رحتُ أتجول هناك، كان عدد صغير من المساعدين منشغلاً بالعمل وراء المكاتب وراحوا يتكلمون بهدوء في ما بينهم. لم يضع أي واحد منهم كمامة على وجهه، ما يعكس إنكارهم لحقيقة فيروس "كوفيد - 19" وتحوّل هذا المقر إلى بيئة حاضنة للعدوى.





يتولى هؤلاء تصريف الأعمال في البيت الأبيض الذي يتجه إلى نهاية العهد الراهن ويدرك معظم العاملين في المبنى هذا الواقع. لم يتوهم أيٌّ من المستشارين والمساعدين في الأسابيع القليلة الماضية أن ترامب سيستلم ولاية رئاسية ثانية. هم يعرفون أن وقته انتهى، مع أن مساعداً منهم (تكلّم مثل الآخرين شرط عدم الإفصاح عن هويته كي يتمكن من التعبير عن رأيه بحرية) أخبرني بأنهم لم يحصلوا على أي توجيهات من كبار المسؤولين حول ما سيحصل في ظهيرة يوم 20 كانون الثاني، حين ينتهي عهد ترامب رسمياً.

قال لي مسؤول سابق: "لا أحد في هذا المقرّ يتوقع حدثاً مغايراً لتنصيب بايدن في 20 كانون الثاني وأظن بكل صراحة أن ترامب يدرك ذلك أيضاً في معظم الأوقات". لم يعترف ترامب بهذا الواقع بعد، لكن يبدو أنه يدرك هذه الحقيقة الواضحة في اللحظات النادرة التي يتمتع فيها بصفاء الذهن. خلال مسيرة في جورجيا منذ أيام، استعمل ترامب صيغة الماضي حين تكلم عن تعامله مع كوريا الشمالية وبدا كلامه أقرب إلى خطاب وداع، فقال عن الزعيم الكوري الشمالي: "كنتُ على وفاق تام مع كيم جونغ أون".

يقول النائب الجمهوري عن ولاية إيلينوي، آدم كينزينغر: "هو يعرف أنه خسر. قد يقنع نفسه بنظريات المؤامرة التي يقرأها على "تويتر"، لكنه يعرف في نهاية المطاف أنه خسر. هو يدرك أيضاً أنه لن يحصل على الجواب الذي ينتظره حول حقيقة ما حصل خلال السنوات العشر المقبلة من حياته، ويفضّل أن يصرّ على سرقة الانتخابات منه. تتعلق المسألة الأساسية الآن به شخصياً وبغروره".

إعترف شخص مقرّب من البيت الأبيض بأن ترامب يتكلم في أوساطه الخاصة عن خططه بعد انتهاء عهده الرئاسي، ما يتعارض مع أي أجندة محتملة لولاية رئاسية ثانية. كذلك أخبرني صديقي كريس رودي، المدير التنفيذي لموقع "نيوزماكس" الإخباري المحافِظ، بأن ترامب قد يكتشف أن الحياة خارج البيت الأبيض ستكون سعيدة أكثر من تجربة العيش فيه: "أظن أنه سيحب مكانته الجديدة كرئيس سابق للبلاد. هذا المنصب يعطيه نفوذاً هائلاً".

إذا قرر ترامب الترشح للرئاسة مجدداً، لا شك في أنه سيصبح المرشّح الأوفر حظاً عن الحزب الجمهوري في العام 2024. لكن يشكّ رودي بحصول ذلك: "لم يحب ترامب يوماً أن يكون أسير البيت الأبيض. لطالما كان رجلاً يحب التنقل باستمرار بدل الالتزام بجداول محددة، وهو يحب أن يقوم بأعماله بنفسه".



تشييد منصة تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في الواجهة الغربية للكونغرس



في غضون ذلك، يُجمِع حلفاء ترامب أيضاً على اعتبار جهوده للانقلاب على نتائج الانتخابات عقيمة. يقول مصدر مقرّب من الرئيس: "يظن جميع أصدقائه الحقيقيين أن ما يحصل هو مجرّد استعراض فاشل وأن ترامب يؤذي نفسه بهذه الطريقة". قارن ستيفن غروفز، نائب السكرتير الصحفي السابق الذي مثّل البيت الأبيض في التحقيق بشأن روسيا، بين جهود حملة ترامب ومعركة جورج بوش الإبن القانونية عند إعادة احتساب الأصوات في ولاية فلوريدا قبل 20 سنة، فقال: "استعانت حملة بوش حينها بوزير الخارجية السابق جيمس بايكر للتصدي لتلك النتائج وبقيت شركات محاماة كبرى يعمل فيها مئات المحامين متأهبة طوال الوقت. لم يتكرر هذا الوضع في أول أسبوعين بعد الانتخابات هذه المرة، لذا بدت لي هذه الجهود كلها غير جدّية بأي شكل. بل إنها جهود عقيمة ومجــــرّد حملة استعراضية".

لكن يكاد هذا الاستعراض ينتهي، فقد عُقدت جلسة مشتركة للكونغرس لاحتساب الأصوات الانتخابية والإعلان عن فوز بايدن رسمياً. لم يكن اعتراض عدد من الجمهوريين في مجلسَي النواب والشيوخ عبر طرح مزاعم لا أساس لها حول تزوير الانتخابات كافياً لإبطال فوز بايدن. لقد حوّل ترامب هذه المناسبة الاحتفالية التي تعكس في العادة رغبة الشعب إلى اختبار حقيقي لمستوى رضوخ الحزب الجمهوري لزعيمه. لكنه اكتشف بهذه الطريقة حدود سياسة القوة التي يطبّقها منذ أربع سنوات. لم يوافق زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش أوكونيل، ولا الجمهوري اللاذع جون ثون على هذا التوجه. (كخطوة انتقامية، يقول ترامب إنه يريد أن يواجه ثون تحدياً صعباً في الانتخابات الأولية حين يستعد لإعادة انتخابه في ولاية داكوتا الجنوبية في العام 2022).

يقول مساعد جمهوري في مجلس الشيوخ: "يعرف معظم الجمهوريين أن ترامب لن يدعمهم حين تتعقد الظروف، لذا لا أظن أنهم يشعرون بأي شكل من الولاء تجاهه لدرجة أن يضطروا لدعمه في أوقاته الصعبة".

يبدو أن المقرّبين من ترامب تنفسوا الصعداء بعد كل ما حصل ووصفوا تصويت الكونغرس بالنهاية الطبيعية لجميع التطورات الأخيرة. هم يأملون في أن تتوقف تلك الجهود الخيالية التي تهدف إلى إقناع العالم بفوزه غير الواقعي. قال لي شخص مقرّب آخر من البيت الأبيض: "بعد 6 كانون الثاني، أظن أننا سنشاهد رئيساً مهزوماً تقليدياً، مثل جيمي كارتر أو جورج بوش الأب، أو بقدر ما يمكن أن يكون ترامب تقليدياً". لكنّ ترامب ليس رجلاً تقليدياً بأي شكل ولا شيء بنظره أسوأ من الهزيمة، لذا لن يعترف بخسارته يوماً بل سيحتاج إلى طريقة لحفظ ماء الوجه وتحديد مصيره. يضيف المصدر نفسه: "سيعترف ترامب بضرورة نقل السلطة لأنه لا يستطيع أن يثبت سرقة الانتخابات منه على المدى الطويل. هذا ما نفعله اليوم، وهو أفضل وضع يستطيع بايدن مواجهته. كما أنني لا أظن أن ترامب سيحتفل بتنصيب بايدن في أي لحظة".

حين ينظر ترامب إلى الخارج من النافذة الشمالية للبيت الأبيض، يستطيع أن يشاهد طبقات الأسوار التي تحيط بمنزله الموقّت. لكنه يستطيع أن يلاحظ أيضاً التقدم الثابت الذي أحرزه العمال في مكان حفل تنصيب الرئيس الجديد في جادة بنسلفانيا. يرتفع في الواجهة علم أميركي ضخم. يُذكّرنا هذا الصرح الكبير بأن السلطة زائلة في الأنظمة الديمقراطية السليمة. يتوقف الحُكم الذاتي على الدستور لكنه يتأثر أيضاً بشجاعة أشخاص من أمثال براد رافنسبرغر.

قال لي بطل العالم السابق في الشطرنج، غاري كاسباروف، الذي نشأ في الاتحاد السوفياتي وأصبح اليوم رئيس "مبادرة تجديد الديمقراطية": "الدستور مجرّد ورقة! هو ليس محفوراً في الصخر. يجب أن نتحرك ونشارك إذاً! ويجب أن نحارب في سبيل الديمقراطية".