مرصد الأزمة: الإخفاق في إدارة أزمة وباء "كورونا"

نهج متجذّر في الإدارة الضعيفة للأزمات في لبنان

02 : 00

ليس الإخفاق في إدارة أزمة وباء "كورونا" الاستثناء، بل هو نهج متجذر في إدارة الأزمات في الجمهورية اللبنانية. وهذا النهج يمكن توصيفه بعناصر ثلاثة:

أولاً، مواقف واجراءات عشوائية غير مبنية على براهين، لا ترتقي لتكون سياسات عامة واضحة المسار والأهداف.

ثانياً، غياب القيادة المرجعية لإدارة الازمة، وتعدد الرؤوس والمرجعيات والتنافس السلبي بينها.

ثالثاً، حصر المساعدات الدولية والمنح المقدمة بالمنظمات والجمعيات، والذي يجعل التعاطي الرسمي في أغلب الأحيان مشتتاً وبالقطعة ومرتبطاً بأجندة المنظمات الدولية.

قرارات الحكومة

هذا النهج برز جلياً خلال ادارة أزمة إنتشار فيروس "كورونا". فبعد مراجعة قرارات الحكومة خلال الـ11 شهراً الماضية، نرى عشوائية المقاربة وتخبطها. فبعد اغلاق لأسابيع مع بداية الأزمة في آذار ونيسان الماضيين، شهدنا من بعدها تراخياً في الإجراءات، لتعود الحكومة وتقرر الإغلاق لأربعة أيام فقط بين 13 و18 أيّار الماضي، في إجراء لم يُفهم مغزاه العلمي. ثم عُلقت كل الاجراءات في الصيف، وتمّ فتح المطار بدون إجراءات سليمة للتأكد من حجر وتتبع القادمين. من ثم أخذ القرار في تشرين الماضي باغلاق بلدات صنفت موبوءة، وهو القرار الذي بني على معلومات خاطئة حول اماكن سجل المصابين وليس مكان سكنهم. ثم إغلاق شامل في تشرين الثاني، ثم فتح كل القطاعات بشكل كبير ومن دون مراعاة اي من الإجراءات في فترة الاعياد في كانون الاول. لنعود في اوائل الـ 2021 الى الإغلاق الشامل. هذا النهج لا مثيل له بين معظم الدول في ادارة أزمة "كورونا" منذ بداية انتشار الوباء.

في الوقت نفسه حال تعدد "الرؤوس" في إدارة الازمة، وغياب القيادة المرجعية الواحدة (إن وجود مرجعية موثوقة هو من أسس إدارة الازمات) الى تنافس داخل الجسم الحكومي الواحد، وصل احياناً الى تنافر بين الوزراء والمستشارين. وتأثر هذا التنافس بمجموعات الضغط المتعددة التي ناصرت لتحقيق مصالحها الخاصة، وليس بالضرورة لما يفيد المصلحة العامة. كما أدى غياب القيادة المرجعية الى تضارب وتأرجح الخطاب الرسمي، ودفع غياب الشفافية والالتزام عند المسؤولين الى فقدان ثقة الناس بإجراءات الحكومة وعدم الاكتراث لها.


مؤشر صرامة استجابة الحكومة


إستمر حصر تقديم المنح والمساعدات للبنان للاستجابة لمتطلبات أزمة "كورونا"، والتي بلغت حوالى 99 مليون دولار خلال العام الماضي الى المنظمات الدولية والجمعيات، وحصلت منظمات الامم المتحدة على 78% من مجموع المساعدات. هذا الاتجاه هو عينه من خطط الاستجابة الاخرى، حيث تُستبعد الدولة اللبنانية من تلقي المساعدات المالية لأسباب عدة، اهمها: غياب ثقة المانحين بالدولة، مما يجعل تنفيذ المشاريع مرتبطاً باهتمامات المنظمات ودرجة تعاونها مع الادارات الرسمية، ويصبح التعاطي الرسمي اغلب الاحيان مشتتاً وبالقطعة ومرتبطاً بأجندة المنظمات الدولية. وللتذكير هذا النهج هو نفسه المعتمد في الازمات الاخرى:

في الأزمة المالية: وضع دراسة للخسائر كبداية للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، ثم جرى الانسحاب والتراجع امام الضغوطات، ثم العودة الى النقاش حول التدقيق الجنائي.

في أزمة المصارف: قدم إقتراح قانون "كابيتال كونترول"، ثم جرى تهريب الرساميل والودائع الكبرى، ثم العودة لدراسة القانون من دون إقراره.

في أزمة اللاجئين: لم يقر مشروع سياسة عامة وجرى التعاطي مع الازمة بالقطعة وتقديم وعود للمجتمع الدولي بتحسين ادارة هذا الملف، مع عدم اكتراث لالتزامات الدولة اللبنانية. بعدما دخل الوباء في مرحلة متقدمة، المطلوب، ولو لمرة أخيرة، الوضوح والشفافية في إدارة هذه الازمة، ومقاربتها بشكل علمي. بخاصة في موضوع إحضار اللقاحات وإدارة عملية التلقيح... لعلنا ننقذ ما يمكن انقاذه.

* مرصد الازمة في الجامعة الاميركية هو مبادرة بحثية تهدف الى دراسة تداعيات الازمات المتعددة في لبنان وكيفية مقاربتها تحت إشراف الدكتور ناصر ياسين.


MISS 3