مارفين ج. وينبوم

ماذا لو فشلت عملية السلام الأفغانية؟

13 كانون الثاني 2021

المصدر: The Diplomat

02 : 01

وفد من الحكومة الأفغانية خلال افتتاح مفاوضات السلام في الدوحة / 12 أيلول 2020
لم يكن احتمال التوصل إلى اتفاق شامل ودائم لإنهاء الصراع الأفغاني واعداً يوماً لكنه يزداد ضعفاً مع مرور الأيام. بعد أشهر من الجدال حول مسائل أولية، توشك وفود المعارضة في الدوحة اليوم على التعامل مع عدد من القرارات الصعبة والضرورية لرسم معالم النظام السياسي الجديد.

أكدت المحادثات الأخيرة على حجم الشرخ القائم بين الأطراف المتناحرة من حيث رؤيتها لمستقبل الدولة والمجتمع في أفغانستان. لم تكن مشاركة حركة "طالبان" في محادثات السلام في الدوحة تهدف على ما يبدو إلى رسم مستقبل أفغانستان بقدر ما أرادت إبقاء الولايات المتحدة جزءاً من اتفاق شباط 2020 الذي يُلزِمها بسحب جميع قواتها العسكرية من أفغانستان بحلول نهاية نيسان المقبل. بعد رحيل الأميركيين والقوات الأجنبية المتحالفة معهم، تستطيع "طالبان" أن تتابع مسيرتها لبلوغ أعلى المراتب في الحياة السياسية. إذا لم تحقق هدفها عبر مضايقة الأطراف الأخرى على طاولة المفاوضات، قد تلجأ مجدداً إلى القتال في ساحات المعارك.

يدرك معظم الأفغان والمجتمع الدولي طبيعة العوائق المرتقبة، لكنهم يتابعون التعويل على نجاح عملية السلام الراهنة في نهاية المطاف. هم يؤمنون إذاً بفاعلية الجهود الديبلوماسية لأنهم مقتنعون باستحالة تحقيق انتصار عسكري على حركة "طالبان". تأمل هذه الجهات في أن تبدي "طالبان" استعدادها للتوقيع على اتفاق سياسي بعد حصولها على تنازلات كافية. في النهاية، من المعروف أن "طالبان" تتحرك بما يخدم مصالحها الخاصة، لذا من المستبعد أن تطغى هذه الإيديولوجيا على التوجه البراغماتي للحركة.





ليس مفاجئاً إذاً ألا يصبّ الاهتمام على تداعيات فشل محادثات السلام الراهنة. قد تتباطأ المفاوضات وتمتد على أشهر أو حتى سنوات من دون تحقيق أي نتائج واعدة، أو يمكن أن تنهار بالكامل في مرحلة معينة. لكن رغم هذا التقدم البطيء، يبدو أن الطرفَين يترددان اليوم في التخلي عن المفاوضات ولكل طرف منهما أسبابه الخاصة.

قد يتلاشى تردد "طالبان" سريعاً إذا أعلنت إدارة بايدن نيّتها الاحتفاظ بقوات عسكرية لمكافحة الإرهاب في أفغانستان بعد نيسان المقبل. أعلن متحدث باسم "طالبان" أن أي خطوة لا تشمل الانسحاب الأميركي الكامل ستجعلهم ينسحبون من المفاوضات. وفي ظل تصاعد مستوى العنف في البلاد اليوم، قد تستنتج الحكومة في كابول قريباً أن متابعة المحادثات مكلف جداً من الناحية السياسية. إذا انهارت تلك المفاوضات، بغض النظر عن السبب، قد يتحدد مستقبل حكومة أشرف غني والجمهورية الإسلامية الأفغانية بحسب ردود الأفعال الطاغية وسط الرأي العام الأفغاني المستاء والنخبة السياسية المفككة والمجتمع الدولي المصاب بخيبة أمل شديدة.

غداة فشل مفاوضات السلام، قد تعبّر الحكومة عن ثقتها بقدرة البلد على المضي قدماً وقد تصرّ على قدرة قوات الأمن والدفاع الوطني الأفغانية على الدفاع عن الدولة، حتى في وجه اعتداءات "طالبان" المتزايدة وشبه المؤكدة. تنفذ القوات الأفغانية منذ فترة عمليات ميدانية مستقلة وقد بَنَت تدريجاً قوة جوية بارزة لإبقاء المراكز السكنية الأساسية بعيدة عن متناول المقاتلين. لكن حتى لو لم تتوقف المساعدات المالية الأميركية لصالح قوات الأمن والدفاع الوطني الأفغانية، لا مفر من أن تخضع قدرات الجيش الأفغاني لاختبار صعب بعد رحيل معظم أو جميع القوات الأجنبية والمقاولين من القطاع الخاص وخسارة الدعم الأميركي الجوي التكتيكي. قد يؤدي هذا الوضع إلى تسريع حالات الهرب من الخدمة العسكرية، ما يُمهّد لتفكك قوى الأمن الأفغانية. ثم من المحتمل أن تندلع حرب أهلية فوضوية وأكثر دماراً في حال نقل الهاربون معداتهم وتدريباتهم إلى ميليشيات متنوعة في أنحاء البلد.

في غضون ذلك، قد يؤدي انهيار محادثات السلام إلى زيادة تفكك النُخَب السياسية الأفغانية. تكثر الانقسامات بين هذه الأطراف لأسباب عرقية ومناطقية ولطالما طُرِحت أفكار مختلفة حول كيفية تنفيذ محادثات السلام وإنهائها. من المتوقع أن يستأنف عدد من أبرز سماسرة السلطة الذين يتكلون على الميليشيات تهديداتهم بإطلاق عملياتهم العسكرية الهجومية الخاصة ضد "طالبان". ثم قد ينسب عدد كبير من السياسيين المعارضين انهيار المفاوضات إلى العوائق التي فرضها الرئيس وحلفاؤه عمداً. في الوقت نفسه، قد تنهار الهدنة الشائكة بين غني وخصمه المخضرم عبدالله عبدالله، وقد يقتدي بعض السياسيين بالزعيم المتمرد السابق قلب الدين حكمتيار عبر التواصل مع "طالبان" لاستكشاف أفضل الطرق لحماية مصالحهم في عهد أي حكومة موقّتة أو إمارة ناشئة.

من المتوقع أيضاً أن يتصاعد الضغط الشعبي على كابول لحثّها على متابعة مساعي السلام. وكما حصل خلال التسعينات، قد تبدي أعداد كبيرة من الأفغان المُرهَقين من الحرب استعدادها لتقبّل أي نتيجة تنذر بإنهاء القتال إذا بقي احتمال استمرار الصراع اللامتناهي وارداً. لكن يخشى أفغان آخرون توسّع نطاق العنف واحتمال أن تُرسّخ "طالبان" حُكمها، لذا قد يخططون للهرب من البلد. وقد يعني تدهور الاقتصاد أو انهياره السريع، كما حصل في التسعينات، أن ملايين الأفغان العاطلين عن العمل سيخسرون قدرتهم على إعالة أنفسهم. من دون نشوء اقتصاد معاصر، سيكون أفضل الأفغان من حيث المهارات والتعليم جزءاً من أول موجة لاجئين. في هذه الحالة، ستجد الجهات المانحة الخارجية ووكالات الإغاثة الدولية والمنظمات غير الحكومية صعوبة متزايدة في الحفاظ على برامجها وسرعان ما يتفاقم الانكماش الاقتصادي وتزداد مشاكل الناس سوءاً إذا قررت هذه الجهات الرحيل.

إذا أصبحت أفغانستان تحت سيطرة "طالبان"، سيتلاشى أي احترام للإرادة الشعبية بالشكل الذي تنصّ عليه المؤسسات الديموقراطية. في هذه الحالة، سيُستبدَل المسؤولون المُنتخَبون والمؤسسات التمثيلية في الجمهورية بزعيم فاضل ومجلس ديني يتكل على المبادئ الإسلامية كأساس لتحركاته. ستختفي أيضاً مظاهر التسامح مع وسائل الإعلام وحريات التعبير، وقد اتّضح ذلك مع مقتل عدد من الصحافيين والشخصيات العامة في الفترة الأخيرة. كذلك، من المتوقع أن تتجدد المحظورات الثقافية الصارمة التي فُرِضت خلال التسعينات. ولا يمكن احترام حقوق المرأة بالتعليم أو السماح لها بتحقيق إنجازات مبهرة كتلك التي سُجّلت في آخر 19 سنة إلا بعد أخذ إذن الملالي المحليين ومراعاة تفسيراتهم للشريعة. قد تنذر وعود حركة "طالبان" المتكررة بإنشاء مجتمع إسلامي شامل بانفتاحها المستجد، لكن لا ينطبق هذا الانفتاح إلا على الأشخاص المستعدين لتقبّل شروطها.



عائلات أفغانية تزور قبور الأقارب/ ضواحي كابول أفغانستان، 14 أيلول 2020



مع زيادة احتمال نشوء نظامٍ تسيطر عليه "طالبان" في كابول، يحق للجماعات المرتبطة بالحكومة الجمهورية أن تخاف على سلامتها الشخصية. لقد أعلنت "طالبان" عن نيّتها محاسبة كل من شارك في دعم حكومة غني. يشعر الشيعة المنتمون إلى قبيلة "الهزارة" وأقليات أخرى بالخوف لأنهم يتذكرون حملة التطهير العرقي في التسعينات. لذا من المتوقع أن يعيق أعضاء "الهزارة" وعدد من القادة الطاجيك والأوزبكيين تقدّم "طالبان" نحو المناطق التي يسيطرون عليها، ما يُصعّب على الحركة أي محاولات مستقبلية لترسيخ سلطتها على المستوى الوطني. نتيجةً لذلك، قد تتحول أفغانستان الغارقة في الفوضى والمليئة بمساحات متنازع عليها وخارجة عن القانون إلى بيئة حاضنة لعمليات جماعات إرهابية مثل "القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية – ولاية خراسان" أو الجماعات الإقليمية.

قد ينهار الإجماع شبه التام بين الولايات الإقليمية حول ضرورة التوصل إلى حل سياسي في أفغانستان تزامناً مع تلاشي فرص السلام. وقد تتجه الدول المجاورة حينها إلى إعادة إحياء استراتيجيات التحوط التي أشركتها في الصراع الأفغاني خلال التسعينات عن طريق عملائها، حتى أن تدخّل باكستان إلى جانب فصائل "طالبان" المفضلة لديها قد يصبح أكثر وضوحاً. وخوفاً من تمدد نفوذ "طالبان" إلى ما وراء الحدود الأفغانية، قد تسعى جهات أخرى، مثل روسيا وإيران، إلى تقوية علاقاتها مع عملائها العرقيين السابقين أو محاولة استمالة "طالبان" عبر التعهد بمساعدتها. بعد انسحاب القوات الأجنبية وتصاعد الضغوط على الحكومة في كابول، قد يتلاشى تردد الهند فتقرر تقديم مساعدات عسكرية. أخيراً، قد ينذر تدهور العلاقات الصينية الهندية وزيادة قوة المحور الصيني الباكستاني بتحويل أفغانستان إلى ساحة معركة حيث تتواجه الهند مع الصين وباكستان.

سيجد معظم الأفغان وأعضاء الحكومة المحلية صعوبة في التعافي من فشل عملية السلام لأنهم عقدوا آمالاً كبرى عليها. وفي ظل تصاعد أعمال العنف، قد يصبح مستقبل الجمهورية الإسلامية في مهب الريح إلا إذا بدأت الحكومة بإعادة بناء الثقة في قدرتها على توفير الأمن وتحسين نظام الحُكم. يجب أن تدرك أهم الشخصيات السياسية المحلية أن البلد يواجه مرحلة مفصلية وتبدأ بوضع خلافاتها جانباً. كذلك، يحتاج الأفغان إلى سبب وجيه كي يصدقوا وجود بدائل عن التفاوض على صفقة كبرى مع حركة "طالبان"، مثل طرح حوافز مادية لإطلاق عملية تدريجية تُمهّد لإعادة دمج قادة "طالبان" الميدانيين ومقاتليها في الحياة السياسية داخل الدولة. لكن حتى لو حصل ذلك، لا يمكن أن تتوقع أفغانستان تحقيق النجاح من دون أن تُجدّد القوى الإقليمية والدولية التزامها باستقرار البلد. قد تبدو هذه التطورات كلها غير واعدة في الوقت الراهن، لكنها قد تكون العوامل الوحيدة التي تمنع العواقب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المترتبة عن خضوع أفغانستان لحُكم "طالبان" أو تحول دون اندلاع حرب أهلية كارثية.


MISS 3