هادي بو شعيا

بكبسة زر... ترامب خارج الفضاء الرقمي

13 كانون الثاني 2021

19 : 19

إستطاع عملاق التكنولوجيا "تويتر" بكبسة زر ان ينجح في ما عجزت عنه ولسنوات أعداد هائلة من السياسيين والمدعين العامين، حيث تمكّن من إيقاف ترامب وإلغائه من المكان الذي عزّز فيه شعبيته وبنى فيه إرثه السياسي.

قرار موقع تويتر تبعه إلغاء 70 ألف حساب مرتبط بحركة "كيو آنون" QAnon اليمينية المتطرفة التي تؤيد الرئيس الأميركي بسبب التحريض على العنف.

خطوة لاقت ترحيبًا من البعض واستهجانًا لدى البعض الآخر لتثير جدلاً واسعًا حول إشكالية قرار من هذا النوع وتداعياته بل وتخوف من ردة فعل عكسية لأنصار ترامب، وخصوصًا أولئك الذين ينتمون إلى حركات يمينية متطرفة أو ربما شعبوية.

ما هي انعكاسات وتداعيات طرد ترامب من الفضاء الرقمي وتحميله مسؤولية العنف الحاصل في واشنطن؟

على موقع تويتر بنى ترامب إمبراطوريته الشعبية الرقمية متجاهلاً وسائل الإعلام التقليدية والقنوات التلفزيونية المشهورة، ومع أكثر من 88 مليون متابع، حدّد معالم سياسية جديدة وأعلن عن قرارات حاسمة، حيث أقال وزراء وعيّن آخرين. أهان دولاً ورؤساء وأثار أزمات سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.

إرث ترامب في الفضاء الرقمي دُمّر بكبسة زر ليُحرَم نهائيًا من استخدام حسابه في الأيام العشرة الأخيرة قبل مغادرته البيت الأبيض، وذلك بسبب تغريداته التي اعتبرت أنها تحريض على العنف والتي تسببت في اقتحام أنصاره لمبنى الكابيتول.

كيف تفاعل محيط الرئيس ترامب وايضًا مناصروه مع إغلاق حساب الرئيس وحسابات أخرى مرتبطة بحركة "كيو آنون" تحديدًا؟

الاستياء الكبير الذي يحيط جماعة ترامب جاء بعد ما وصفوه بوضع حدّ للحريات الشخصية وإبداء الرأي التي صانها الدستور الأميركي في المادة الأولى منه. وهكذا إجراءات تتضارب مع روحية الدستور وتعتبر سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث أن رئيس أعظم دولة في العالم يمنع من إبداء رأيه. في ظل رفض اتهامه على التحريض الذي ادى الى احداث الاربعاء الاسود.

لا بد أيضا من إلقاء الضوء على ردود أفعال قادة ومسؤولين أوروبيين رفضوا هكذا إجراء من تويتر ليدافعوا عن حق ترامب في التعبير عن رأيه وعلى رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عبر المتحدث بإسمها شتيفان زايبرت ليقول ان الحق الأساسي في حرية التعبير يحظى بأهمية جوهرية، حيث يمكن التدخّل فيها لكن وفق الإطار والقوانين التي وضعها المشرّع وليس بقرار من إدارات شركات التواصل الاجتماعي. لهذا ترى المستشارة ميركل ان إغلاق حسابات الرئيس الأميركي على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل نهائي يطرح إشكالية... هذا الموقف أثار ضجة ويأتي منسجمًا مع الموقف الفرنسي ومواقف أوروبية أخرى... لماذا الإغلاق الكامل لحساب رئيس منتخب يمثل إشكالية وكيف تُقرأ ردود الأفعال هذه؟

تعتبر حرية الرأي قيمة جوهرية وتحديدًا في المانيا وتتطلب المناقشة. ولكن المستغرب هو النظر لهذا الشيء على أنه حالة فردية. لذلك، ومنذ سنوات عديدة، تناقش هذه المسألة والسؤال إلى اي مدى هناك سلطة مبالغ فيها لدى الشركات التي تشغّل هذه المنصات.

اما اللافت للانتباه موقف الاتحاد الألماني لتكنولوجيا المعلومات في المانيا بيتكوم الذي استغرب انتقادات ميركل لإلغاء حساب ترامب، خصوصًا بعد قوله بأن الحكومة تكون بذلك قد غيّرت اصلاً سياستها المناهضة لخطاب الكراهية والتحريض على العنف على الإنترنت، متهمين بذلك مركل بازدواجية المواقف وتناقضها.

في المقلب الآخر تتحدث تقارير الـ FBI الأخيرة التي نقلها موقع BBC عن احتجاجات مسلّحة ينظّمها أنصار ترامب في مختلف الولايات ودعوة للتجمع مجددًا والقيام بأعمال عنف... اذا هل هي الطريقة المثلى للتعبير عن أنفسهم رغم دعوات ترامب الرافضة للعنف ما يتناقض وتصريحاته الداعمة لأي تحرّك في الشارع تفاديًا لعزله على الأقل؟

علماً ان ترامب توقّع، انه في حال تم عزله، ستشهد أميركا ردة فعل عكسية وفُهم ان هناك أعمال شغب وتطرفًا وكأنه أعطى مسبقًا الضوء الأخضر ولو بطريقة غير مباشرة. اما بالنسبة لعزل الرئيس لا يأتي فقط من مجلس النواب ولكن يجب أن يصادق عليه مجلس الشيوخ باكثرية ثلثي أعضائه والذي يتقاسمه الحزبان مناصفة.

الجدير ذكره ان في أوروبا قوانين تتصدى لخطاب الكراهية والعنف والتحريض والعنصرية. بينما لا يوجد في الولايات المتحدة الأميركية اي قانون يؤطّر ما يُنشر على هذه المنصات.

في الختام، ما هي السيناريوهات التي ستتجلّى، في المستقبل القريب، في العلاقة بين منصات التواصل الاجتماعي لعمالقة التكنولوجيا والحكومات وتحديدًا في أوروبا وأميركا والتطلع لقوننة المنصات؟

بأي حال من الأحوال، سواء كنا مع ترامب او ضدّه، لا يمكن لحفنة من حيتان المال التحكّم بحرية التعبير كقضية من جهة، والأخبار المضللة والدعوات الى التطرف والعنف والعنصرية من جهة ثانية. وهنا يذكّرنا بما قالته إليزابيث وارين المرشحة الديمقراطية السابقة للرئاسة التي دعت إلى تفكيك احتكار هذه الشركات.

اما في أوروبا، فالمعارك طويلة وكبيرة قد بدأت منذ سنوات مع ما يعرف بـ "GAFAM" الخمسة الكبار لدفع الضرائب وضمان حقوق الصحافة. كما يجب على أميركا ان تعمد الى تأطير هذه الشركات تفاديًا لمشكلات قد تصطدم بها في المستقبل.