جو بايدن... بين مآسٍ وإنجازات

02 : 01

كانت حياته عبارة عن مآسٍ متلاحقة... احتفل جو بايدن، السيناتور عن ولاية "ديلاوير"، بعيد ميلاده الثلاثين وهو محاط بزوجته وولدَيه في "ويلمينغتون"، في 20 تشرين الثاني 1972. بعد مرور شهر، لقت زوجته وابنته حتفهما خلال حادث سير. وفي العام 2015، توفي ابنه الأكبر بو بعد إصابته بسرطان في الدماغ.

كانت حياته عبارة عن مآسٍ متلاحقة... احتفل جو بايدن، السيناتور عن ولاية "ديلاوير"، بعيد ميلاده الثلاثين وهو محاط بزوجته وولدَيه في "ويلمينغتون"، في 20 تشرين الثاني 1972. بعد مرور شهر، لقت زوجته وابنته حتفهما خلال حادث سير. وفي العام 2015، توفي ابنه الأكبر بو بعد إصابته بسرطان في الدماغ.

يستعد جو بايدن (78 عاماً) لاستلام الرئاسة الأميركية في 20 كانون الثاني المقبل. لكنه يحمل تاريخاً مشحوناً بالمآسي الشخصية: توفيت زوجته الأولى وابنته خلال حادث سير في العام 1972، ثم تعرّض لتمزق في الأوعية الدموية الدماغية في العام 1988، وتوفي ابنه البكر بو من جراء إصابته بالسرطان في العام 2015. انطلقت مسيرته السياسية في بداية السبعينات وامتدت على نصف قرن ولطالما كان إصراره على الوصول إلى البيت الأبيض جزءاً من طموحاته. تعود محاولاته الانتخابية الأولى إلى العام 1987. نُشرت مذكراته Promises to Keep (وعود للوفاء) في الولايات المتحدة منذ 13 سنة. في ما يلي التفاصيل...

مقتطفات من الكتاب

اهتزاز إيمانه الكاثوليكي

بعد موت زوجته الأولى نيليا وابنته نعومي في حادث سير في العام 1972شعرتُ بأن أسس حياتي انهارت تحت قدميّ... وعند تأمّل ما حصل، لا أفكر حصراً بخسارة نيليا ونعومي. بل كنتُ أسمع طوال حياتي أننا نعيش تحت حماية إله طيّب. إله رحيم وعادل يعرف أن البشر يرتكبون الأخطاء أحياناً. إله متسامح يعطينا حرية الشك. إله مُحِبّ يسارع إلى مؤاساتنا. لكني لم أعد أريد سماع أي كلام عن ذلك الإله الرحيم. لم تكن أي كلمة أو صلاة أو عظة قادرة على تهدئتي. شعرتُ بأن الله خذلني ورحتُ ألومه من كل قلبي. لم تعد الكنيسة تريحني. هذا ما دفعني إلى التجول في الطرقات المظلمة سعياً إلى تفجير غضبي بطريقة أو بأخرى.

البيت الأبيض، حلم قديم

قبل سنوات من حملته الأولى للترشح عن الحزب الديمقراطي في العام 1987خلال لقاء مع صف ابتدائي، سألني أحد التلاميذ عن رغبتي في أن أصبح رئيساً للولايات المتحدة. قلتُ له إنني مسرور بمنصبي في مجلس الشيوخ ولا أنوي الاستقرار في البيت الأبيض. فجأةً، وقفت المعلمة المتديّنة في آخر الصف وقالت: "أنت تعرف جيداً أن هذا الكلام غير صحيح، يا جو بايدن".

على وقع هذه الكلمات، أخرجت تلك المعلمة من طيّات ثوبها موضوع إنشاء كنتُ قد كتبتُه وأنا في الصف الابتدائي. ذكرتُ فيه أنني أحلم بأن أصبح رئيس الجمهورية حين أكبر. شعرتُ بالذنب لأن أمري كُشِف بهذه الطريقة وعرف الجميع بأحلام طفولتي.





التعطش للحياة

بعد خضوعه لجراحة في الدماغ بسبب تمزق أوعيته الدموية في العام 1988بقيتُ في مستشفى "والتر ريد" طوال عشرة أيام. كانت الأيام الأولى بالغة الصعوبة رغم النشوة التي أصابتني في المرحلة الأولى حين أدركتُ أنني ما زلتُ على قيد الحياة. لم أعد أشعر بذلك الألم المريع ولم يتجدد هذا الوجع لاحقاً، لكني كنتُ متصلاً بثلاثة أجهزة مراقبة على الأقل، أو ربما أربعة. [...] أتذكّر أنني أوشكتُ على الاستسلام في أحد الأيام. تباطأ تنفّسي ولم أعد أتمتع بالطاقة أو الشجاعة اللازمة لمتابعة النضال... سارعت إليّ ممرضة اسمها بيرل نيلسون. شعرتُ بأنها كانت إلى جانبي طوال الوقت. كانت من عمري تقريباً. بدا جسمها نحيلاً لكنّ عضلاتها مشدودة. لم تكن بيرل تسمح لأحد بالاستسلام. شعرتُ بفمها على فتحة أنفي ثم نفخت الهواء لملء رئتيّ.

دوافعه السياسية

خلال خطاب في جامعة "جورج تاون" في واشنطن، في العام 1988كانت الأفكار البديهية في الخطاب الذي أحضّره بسيطة جداً: لطالما كان الدرس الأساسي الذي تعلّمتُه من الكنيسة الكاثوليكية ومن نشوئي في مدرسة كاثوليكية ومن والديّ القوة الدافعة لمسيرتي السياسية. عملياً، يرتكب أصحاب أعلى المراكز أكبر الخطايا دوماً لأنهم يستغلون سلطتهم. [...] حين نشاهد أشخاصاً وهم يستغلون السلطة بهذا الشكل، من واجبنا أن نتدخل لصالح ضحاياهم. أثناء العمل على تحضير هذا الخطاب لإلقائه في جامعة "جورج تاون"، لاحظتُ أن الدروس التي تعلّمتُها في صغري لطالما كانت المبادئ التوجيهية لمسيرتي السياسية وأن المواضيع التي تهمّني كانت ترتبط دوماً بإساءة استعمال السلطة.

حكاية الجنرال ديغول

خلال مكالمة هاتفية مع جورج بوش الإبن، في 11 أيلول 2001، بعد بضع ساعات على هجوم "القاعدة"حين سألتُ الرئيس جورج بوش عن نيّته في العودة إلى واشنطن، قال لي إن فريقه الأمني لا يحبذ عودته في هذه الظروف. ثم قلتُ له: "سيدي الرئيس، أنت تتلقى طبعاً معلومات أكثر منا بكثير، لكنك تعرف أنهم سيمنعونك من العودة حتى لو كان احتمال وقوع أحداث سيئة ضئيلاً جداً".

هذا الموقف ذكّرني بحكاية عن شارل ديغول حين كان قائد المقاومة الفرنسية، مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية. عند تحرير فرنسا، نُظّم استعراض احتفالي في الشانزليزيه في باريس بمشاركة كبار الشخصيات والجنرالات والضباط بقيادة ديغول شخصياً. أثناء التوجه إلى "هوتيل دي فيل"، انطلقت أعيرة نارية فوق رؤوس المشاركين، فانبطح الجميع أرضاً باستثناء ديغول الذي تابع سيره بكل شموخ.

بفضل هذا النوع من التصرفات الشجاعة، نجح ديغول في إنهاض فرنسا بعدما كانت خانعة.

قلتُ للرئيس بوش بكل إصرار: "سيدي الرئيس، عد إلى واشنطن".

ثم أغلقتُ السماعة. خيّم الصمت على الأجواء إلى أن جاء دور جيمي في الكلام.

تبيّن أن المساعد الذي قدّم له النصيحة سابقاً غيّر رأيه للتو!





الدروس المستخلصة من حرب العراق

غداة التدخل العسكري الأميركي في العام 2003 لإسقاط صدام حسينأعترف بأن الخطأ الأعلى كلفة كان يتعلق برفض التواصل بصدق مع الشعب الأميركي لإبلاغه بالخطوات اللازمة لتحقيق الأهداف المنشودة في العراق. لتحقيق الانتصار في هذه الحرب، بدا وكأن الرئيس بوش لن يطلب إلا من الأميركيين الأكثر فقراً أن يقدموا تضحيات حقيقية. هو لم يكشف لهم يوماً أن هذه الحرب تتطلب إشراك أكثر من مئة ألف جندي على مر سنوات طويلة. ولم يكشف لهم يوماً أن تلك الحرب قد تكلّفهم أكثر من 300 مليار دولار. ولم يكشف لهم يوماً أن نجاح الحرب لن يكون مضموناً رغم دفع هذا الثمن الباهظ لأن أحداً لم ينجح في الماضي في إعادة بناء وطن بالقوة، فكيف بالحري منطقة كاملة من العالم؟ [...]

عمد الرئيس إلى إقصاء الفرنسيين والألمان والروس من عقود إعادة البناء وتجاهل مبادرات الرئيس جاك شيراك الذي أعرب لي عن رغبته في إرسال قوات عسكرية إذا كان بوش مستعداً للتنازل عن جزء من سلطته في حلف الناتو.





القيادة الأميركية

في مخيم للاجئين السودانيين في تشاد، في العام 2006

تجولنا في المكان كثيراً قبل أن تتوقف السيارة فجأةً. حين نزلتُ منها، ظهر عامل إغاثة أفريقي شاب وسط سحاب من الغبار، فمدّ لي يده وقال: "شكراً لمجيئـــك، أيها الأميركي". رافقني ذلك الشاب إلى مساحة مفتوحة وسط آلاف الخِيَم، حيث احتشدت عائلات شابة من حولي. لم أفهم شيئاً من كلامهم، لكني لاحظتُ أن نظراتهم تشبه تلك التي رأيتُها سابقاً في البوسنة وكوسوفو خلال فترة التسعينات، حين ذهبنا لإنقاذ حياة عشرات آلاف الناس من القاتل سلوبودان ميلوسيفيتش. إنها النظرة نفسها التي شاهدتُها قبل بضعة أيام في العراق في عيون الشيعة لأنهم ما عادوا مضطرين للاختباء من أتباع صدام حسين الظالمين الذين قتلوا أكثر من مئة ألف شخص منهم على مر العقود السابقة. إنها نظرة أمل وترقّب، وكأن الولايات المتحدة تستطيع تغيير حياتهم بلمح البصر. كان المقيمون في ذلك المخيّم ليتصرفوا بالطريقة نفسها مع أي مسؤول أميركي يزورهم. هم لم يشاهدوا شخصاً في الخمسين من عمره وهو يرتدي سروالاً مجعداً وينزل من الطائرة، بل شاهدوا وسط الغبار المتناثر الوعد الأميركي أمام عيونهم!


MISS 3