جورج عقيص

الجيش؟... لماذا الآن؟

18 كانون الثاني 2021

02 : 00

بإمكان المرء أن يكون مع جيش بلاده ومع حرّية الإعلام في وقت واحد، لا عجب في ذلك ولا تضارب.

حرّية التعبير هي قيمة انسانية خالصة، وهيبة الجيش هي حاجة مجتمعية ووطنية موازية.

لا أخال المواطن الأوروبي أو الأميركي يعيش صراعاً داخلياً بين حريته واحترامه لجيشه.

المسألة إذاً ليست مفاضلة بين هذه أو تلك، المسألة هي أنّه في اللحظة الراهنة من المأزق السياسي والأمني المكشوف على كلّ الاحتمالات والمحاذير، وفي ظلّ تحقيق قضائي ساخن فوق لهيب انفجار المرفأ، هنالك من يصوّب على الجيش اللبناني، ويمارس تجاه قائده الهواية المفضّلة بالتهديد المبطّن بتحسّس الرقبة.

هذه الكتيبة من صحافيّي الممانعة الذين يجعلوننا نتحسّس رقابنا يومياً، فنشكرهم، ويومياً، على نعمة الحياة التي يهبوننا اياها بمنحةٍ سخيّةٍ منهم، بعدما قرّروا ربّما حجبها عن سوانا في السنوات الخمس عشرة الماضية، لم تعد التلاوين السياسية والشعبية تكفيهم، فهم طوّعوها واستكانوا لطاعتها، وانصرفوا اليوم الى مهاجمة الجيش.

ربّما تهدف مهاجمة العسكر بطريقة غير مباشرة الى إرهاب المدنيين أكثر، وزرع الرعب في نفوسهم. انّه أسلوب جديد في الترويع.

وربّما أيضاً، ونحن نتكهّن الأسباب التي قد تدفع هذه "الكتيبة" الى مهاجمة الجيش اللبناني، لأنّ مع هؤلاء ليس بوسعنا سوى التكهّن، لشدّة غموضهم وعمق عقيدتهم، ربما يُهاجَم الجيش لأنّه قرّر التصدّي للتهريب المشرّع على الحدود اللبنانية ـ السورية مُستهلكاً آخر قروش نملكها في مصرفنا المركزي، فصار مبرّراً بالتالي إلهاء الجيش بمسؤوليته عن انفجار المرفأ – ونحن لا نبرّئه، لكنّنا نترك للقضاء أمر التبرئة او الإدانة – لكي تُنتَقَص قدرته في وقف التهريب وتُنتزع منه مشروعية القيام بهذا الواجب الوطني.

وربّما أيضاً وأيضاً، تستشعر الممانعة قرب انتهاء المدد والصلاحيات والبدء بالتغيير الكبير في المنطقة، فتسعى لتهشيم صورة المؤسّسة اللبنانية الوحيدة التي بمقدورها استيعاب مفاعيل التغيير، تأجيلاً لآثاره ونتائجه.

من الواضح اذاً أنّ الجيش اللبناني يقوم بما يزعج منظومة الممانعة، فتتّهمه بـ"الحمرنة"، تقذع في اللفظ لكي تستفزّ قيادة الجيش، وعندما تقع هذه الأخيرة في فخّ الاستفزاز، تضيف كتيبة الممانعة على "حلوى" استهداف الجيش "كرزة" معركة الحرّيات.

خطّة مُحكمة... ورسالة واضحــــة الى الشعب اللبناني:

إنّنا نهاجم جيشكم، بعدما استرهنّا رئيسكم واستتبعناه، وحاصرنا مصرفكم المركزي، واستبحنا قضاءكم. لقد أصبحتم عراة ايها اللبنانيون امام مخطّطنا، لن يحميكم بعد اليوم أحد.

تجاه كلّ هذا، نردّ على هؤلاء: ملكتم الحاضر، ولكن التاريخ فاتكم. استمرّوا في إنكار تاريخ هذا الوطن، لأنّ في انكاركم فرصتنا الوحيدة في الخلاص من طغيانكم.

وتجاه قصائدكم المملّة عن الممانعة والشياطين الكبرى والصغرى، اليكم هذه القصيدة التي ستشعركم حتماً بنفس الملل: هذا الوطن لا تحكمه فئة، ولا تُفرض عليه أجندة، ولا يمكن قمع الحرّية التي استوطنته منذ مئات السنين الا بإبادة كلّ الأحرار الذين فيه.

يهمّنا جدّاً بالمناسبة ان يُكافح أي فساد داخل الجيش كمؤسّسة عامة، ونتوق لليوم الذي تُلغى فيه المحكمة العسكرية، لكنّ فئةً من اللبنانيين "الفوارس" جعلتنا نعتبر هذه وتلك من الأهداف والأماني ترفاً ثانوياً امام معركة الحفاظ على الجيش كحامٍ لما بقي من كيان.

*ملاحظة: كاتب هذه الأسطر نائب تقدّم باقتراح قانون لتعزيز حرّية الرأي والنشر واقتراح آخر بإلغاء المحكمة العسكرية.


MISS 3