سارة تشانغ

نمط جديد ومقلق في متغيّرات فيروس كورونا

22 كانون الثاني 2021

المصدر: The Atlantic

02 : 00

في معظم فترات العام 2020، كان فيروس كورونا ينتقل بين البشر، فتراكمت الطفرات بوتيرة ثابتة، بمعدل طفرتين شهرياً. هذا المستوى ليس مبهراً بالنسبة إلى الفيروسات، لذا بقيت آثار الطفرات محدودة بشكل عام. لكن يبدو أن ثلاث نسخ مختلفة من الفيروس تراكمت بشكلٍ مستقل في عدد من الطفرات نفسها رغم وجودها على بُعد آلاف الأميال في المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا والبرازيل. (تكون الطفرة عبارة عن تغيّر جيني، بينما تشير المتغيرة إلى فيروس يحمل مجموعة محددة من الطفرات). بما أن هذه الطفرات ظهرت ثلاث مرات حتى الآن في متغيرات ذات سلوك غير مألوف، يعني ذلك أنها تمنح الفيروس تفوقاً تطورياً. يبدو أن هذه المتغيرات الثلاث تزداد شيوعاً مع مرور الوقت وتستطيع نقل العدوى أكثر من سابقاتها.

يقول فينيت ميناشيري، باحث في مجال كورونا في الفرع الطبي التابع لجامعة تكساس: "يكون ظهور الطفرات بشكلٍ مستقل عن بعضها في أماكن متعددة مؤشراً بالغ الأهمية". يحاول العلماء اليوم اكتشاف مدى قدرة هذه الطفرات على زيادة قوة الفيروسات والآلية الكامنة وراء هذه الظاهرة.

لا يزال الوقت مبكراً لإطلاق أحكام نهائية وتَقِلّ البيانات المرتبطة بالمتغيرة المنتشرة في البرازيل تحديداً. تتقاسم هذه المتغيرات بعض الطفرات المشتركة، لكنها تحمل عدداً كبيراً من الطفرات الأخرى ويكون بعضها خاصاً بكل متغيرة. يُفترض أن يكون اكتساب مجموعة كاملة وسريعة من الطفرات حدثاً غير شائع على الإطلاق. لكن نظراً إلى نسبة انتشار الفيروس في الوقت الراهن، قد تقع أحداث غير مألوفة في أي لحظة وأكثر من مرة. قد لا يعكس معدل الطفرات النموذجي (اثنتان في الشهر) حقيقة التحولات التي يخوضها فيروس كورونا في ظروف غير مألوفة. تعليقاً على هذه النقطة يقول كريستيان أندرسون، اختصاصي في علم الأحياء المجهري في معهد "سكريبز" للأبحاث: "هذا الوضع هو أشبه بجرس إنذار للجميع".

لم يتّضح دور كل طفرة فردية حتى الآن، لكن ثمة طفرة لافتة في بروتين "سبايك" اسمها N501Y ويبدو أن المتغيرات الثلاث تحملها. يدخل فيروس كورونا إلى الخلايا عبر بروتين "سبايك"، وتقع طفرة N501Y في مساحة ربط المستقبلات التي تلتصق بالخلية. قد تجعل طفرة N501Y بروتين "سبايك" أكثر لزوجة، ما يسمح له بالالتصاق بالخلايا والدخول إليها بفعالية. قد يصبح هذا النوع من الفيروسات أكثر قدرة على الانتقال بين الناس. لكن من الناحية الإيجابية، لا تؤثر هذه الطفرة على ما يبدو بالمناعة التي توفرها اللقاحات.

يمكن أن نقرأ أسماء الطفرات بهذه الطريقة: تتألف البروتينات من ركائز أساسية اسمها الأحماض الأمينية. وتعني الطفرة N501Y أن الحمض الأميني رقم 501 كان في الأصل من نوع الأسباراجين لكنه عاد وتحوّل إلى نوع التيروسين.

لكنّ طفرة N501Y ليست حكراً على هذه المتغيرات الثلاث، فقد رُصِدت أيضاً في عدد من التسلسلات حول العالم. مع ذلك، تُعتبر هذه المتغيرات غير مألوفة لأنها تحمل مجموعة إضافية من الطفرات في أجزاء أخرى من الفيروس. تظن إيما هودكروفت، خبيرة في علم الأوبئة الجزيئية في جامعة "بيرن"، أن تبدّل سلوك المتغيرة لا ينجم على الأرجح عن طفرة واحدة فحسب، بل عن طفرات متعددة. تحمل المتغيرة البريطانية أكثر من 12 طفرة أخرى، لكنها لم تخضع للتدقيق بقدر N501Y. في مطلق الأحوال، بدأت تتأكد قدرة هذه المتغيرة على زيادة قابلية نقل العدوى مع مرور الوقت، فهي تزداد شيوعاً في بريطانيا وحتى في إيرلندا والدنمارك اللتين تحللان أعداداً هائلة من العينات أيضاً. حذرت "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" حديثاً من احتمال أن تصبح هذه المتغيرة طاغية في الولايات المتحدة بحلول آذار المقبل.

تحمل المتغيرات التي ظهرت في جنوب أفريقيا والبرازيل طفرة مشتركة ثانية وثالثة في مساحة ربط المستقبلات بين بروتينات "سبايك"، وهما E484K وK417. لا يعرف العلماء معلومات كثيرة بعد عن طفرة E484K التي تُنشّط حمضاً أمينياً مشحوناً سلبياً مقابل كل حمض مشحون إيجابياً. الأمر أشبه بتقليب قطعة مغناطيس. هذا العامل يغيّر على الأرجح شكل بروتين "سبايك" أثناء التصاقه بالخلية، لكن يبدو أن هذا التغيير يتماشى مع طفرة N501Y. قد تُحسّن هذه الطفرات، وأنواع أخرى على الأرجح، قدرة الفيروس على الالتصاق بالخلايا.

لكن ربما تتمتع الطفرات في جنوب أفريقيا والبرازيل بميزة إضافية. تكشف دراسة جديدة أن الفيروسات التي تحمل طفرة E484K قد تجيد التهرب من الأجسام المضادة الموجودة في بلازما الدم الخاصة بمتعافين من فيروس "كوفيد - 19". قد تصبح الفيروسات التي تحمل هذه الطفرة أكثر قدرة على نقل العدوى مجدداً إلى الناس عموماً، بما في ذلك من تلقوا اللقاح.

لكن من المستبعد أن تُعطّل هذه الطفرة بالكامل المناعة المكتسبة من العدوى السابقة أو اللقاحات. يقول ميناشيري: "بفضل اللقاحات الراهنة، يحصل الفرد على أجسام مضادة كافية. وحتى لو تراجعت تلك الكمية إلى النصف، ستبقى نسبة الأجسام المضادة أكثر من كافية للسيطرة على الفيروس. إذا كانت المتغيرة الجديدة تُضعِف فعاليتها بنسبة 50%، سيبقى مستوى الحماية عالياً". لا تزال الدراسات مستمرة لاكتشاف طريقة تأثير هذه الطفرة على اللقاحات، لكنها تشير عموماً إلى ضرورة أن يستحدث صانعو اللقاحات جرعاتهم إذا تراكمت طفرات إضافية من نوع E484K على مر السنوات. هذا ما يحصل سنوياً مع لقاحات الإنفلونزا، ويمكن تحديث لقاحات مرسال الحمض النووي الريبي المضادة لفيروس "كوفيد - 19" راهناً بسرعة فائقة، خلال ستة أسابيع فقط، وفق المصنّعين.

يتساءل العلماء الآن عن مستوى انتشار المتغيرتَين اللتين ظهرتا في جنوب أفريقيا والبرازيل لأنهما تتفوقان على غيرهما قليلاً من حيث تجاوزهما للمناعة المكتسبة سابقاً. رُصدت المتغيرتان في الأصل داخل مناطق تُسجّل فيها أعداد مرتفعة من الإصابات بفيروس "كوفيد - 19"، لا سيما في "ماناوس"، البرازيل، حيث يحمل عدد كبير من الناس الفيروس. وفق دراسة من شهر كانون الأول الماضي، تصل نسبة هؤلاء الأشخاص إلى 76%. قد يكون هذا الرقم مبالغاً فيه، لكن يشير ارتفاع الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في هذه المنطقة إلى تفشي الوباء على نطاق واسع في العام 2020. بدأت متغيرة جنوب أفريقيا تطغى على البلد. ويبدو الوضع في البرازيل أقل وضوحاً نظراً إلى النقص في البيانات المتاحة، لكن تشهد مدينة "ماناوس" راهناً موجة مضاعفة من تفشي الوباء. لا يظن ميناشيري أن اكتساب المناعة مسبقاً هو السبب الحتمي لزيادة شيوع هذه المتغيرات، إذ لم يقترب جنوب أفريقيا من اكتساب مناعة جماعية بالقدر نفسه بعد. يُعتبر تحسّن قابلية انتقال العدوى شكلاً من تفوّق الفيروس أيضاً.

لكن يعتبر آخرون هذا السيناريو ممكناً مع أنه لا يزال افتراضياً: ربما تطورت المتغيرات لدى أصحاب المناعة الضعيفة الذين التقطوا الفيروس طوال أشهر. توضح هودكروفت: "في الحالات العادية، يعمد جهاز المناعة إلى مهاجمة الفيروس ويحاول هزمه. لكن يطلق أصحاب المناعة الضعيفة استجابات مناعية أقل قوة. سرعان ما يصبح الوضع أشبه بدورة تدريبية حول كيفية التعايش مع جهاز المناعة البشري". لهذا السبب، قد تحمل هذه المتغيرات عدداً كبيراً من الطفرات الجديدة دفعةً واحدة، وكأن تطورها الذي يحتاج في العادة إلى سنة أو سنتين يتحقق خلال أشهر معدودة. تبقى هذه الحالة نادرة على الأرجح، لكن لا مفر من حصول حوادث نادرة في ظل تسجيل عشرات ملايين الإصابات حول العالم.

قد تظهر متغيّرة جديدة إذاً انطلاقاً من المساحة التدريبية التي تستعملها أي عدوى مزمنة، من خلال الطفرات التي تُحسّن قدرة الفيروس على الاتصال بالخلايا وتجعله أكثر قابلية لنقل العدوى. هذا ما حصل على الأرجح مع المتغيرة التي ظهرت في بريطانيا. أو قد تصبح هذه المتغيرة أكثر قدرة على نقل العدوى مجدداً، كما يحصل في البرازيل حيث سُجّلت حالتان تثبتان التقاط المتغيرة الجديدة مجدداً. في مكانٍ يرتفع فيه عدد المصابين بفيروس "كوفيد - 19"، لا مفر من أن تتفوق المتغيرة التي تجيد التهرب من المناعة المكتسبة. قد لا تكون العدوى المتكررة خطيرة وقد لا تصبح المعيار السائد بين الناس، لكنّ هذه المتغيرة محكومة بالفوز في نهاية المطاف. يخوض فيروس كورونا سباق تسلّح متواصل ضد جهاز المناعة البشري ومن المتوقع أن يتابع تطوره.

يعني ذلك أن اللقاحات التي تم ابتكارها حتى الآن يجب أن تواكب تطوّر الفيروس. لكن تكتفي الولايات المتحدة اليوم بتجزئة نسبة ضئيلة من حالات "كوفيد - 19" المحلية، علماً أن الفحوصات التشخيصية النموذجية تستكشف مناطق قليلة من جينوم الفيروس لكنها لا تحلل الجينوم كله. في هذا السياق، يقول أندرسون: "تُعتبر "سان دييغو" من الأماكن التي تبلي حسناً اليوم، إذ نعمد هناك إلى تحليل 2% من الحالات. لكنها نسبة مضحكة مقارنةً ببريطانيا والدنمارك ويجب أن يتغير هذا الوضع. تتوزع بيانات التجزئة بعد جمعها على مختبرات فردية في أنحاء البلد. تحتاج الولايات المتحدة اليوم إلى تفويض فدرالي لمراقبة العينات الجينومية. إنها الطريقة الوحيدة كي تواكب الولايات المتحدة هذا الفيروس المتبدّل".


MISS 3