روبرت د. ماكفادين

كوفيد يخطف "كينغ" البرامج الحوارية

25 كانون الثاني 2021

المصدر: The New York Times

02 : 01

لاري كينغ في محطة إذاعية بميامي / 1962
توفي لاري كينغ عن عمر 87 عاماً يوم السبت الماضي في مركز "سيدارز سيناء" الطبي في لوس أنجليس. أجرى كينغ مقابلات مع رؤساء ووسطاء روحيين ونجوم سينما ومجرمين على الراديو والتلفزيون خلال نصف قرن، منها 25 سنة أمضاها كمقدّم للبرنامج المشهور عالمياً Larry King Live على قناة "سي إن إن".

أصيب كينغ في الفترة الأخيرة بفيروس "كوفيد - 19". وفي العام 2019، دخل إلى المستشفى من جراء ألم في الصدر واعترف أيضاً بأنه تعرّض لجلطة دماغية.

كان كينغ ابن مهاجرَين أوروبيَين وقد نشأ في بروكلين ولم يدخل الجامعة يوماً. بدأ العمل كمقدّم محلي للبرامج الإذاعية ومذيع رياضي في فلوريدا خلال الخمسينات والستينات ثم لمع نجمه بفضل برنامج إذاعي يتم بثه طوال الليل بدءاً من العام 1978. وبين العامين 1985 و2010، أصبح مقدّم أنجح وأقدم برنامج على قناة "سي إن إن"، فوصل إلى ملايين الناس في أنحاء الولايات المتحدة والعالم أجمع.

أجرى كينغ مقابلات مع حوالى 50 ألف شخصية لكل منها قناعات مختلفة وكان السبب في شهرة الكثيرين، بدءاً من الرؤساء منذ عهد ريتشارد نيكسون، وقادة العالم، والشخصيات الملكية، وأسماء دينية بارزة، وكبار رجال أعمال، وصولاً إلى ضحايا الجرائم والكوارث، والنقاد، والنصابين، و"الخبراء" في الأجسام الطائرة المجهولة والظواهر الخارقة للطبيعة... كانت حياته الشخصية مشحونة بالأحداث وشكلت مادة دسمة لصحف الفضائح، فهو تزوج ثماني مرات من سبع نساء، وكان مدمناً على الميسر، وأعلن إفلاسه مرتَين، واعتُقِل بتهمة الاحتيال، ما أدى إلى إعاقة مسيرته المهنية طوال سنوات.

كان السياســــيون والمخترعون وأصحاب نظريات المؤامــــــــرة والوسطاء الروحيــــون يحبون برنامجه لأنه يسمح لهم بالوصول إلى شريحة واسعة من الجمهور من دون مواجهة أسئلة صعبة. وضع كينغ برنامجه في خانة البرامج "الإخبارية والترفيهية" في آن، وقد اعتبره ملايين الناس في الولايات المتحدة وفي 130 دولة أخرى حول العالم خليطاً ممتعاً، ولو أنه غريب أحياناً، من المعلومات والمواد الترفيهية التي تُعرَض في وقت الذروة خلال أيام الأسبوع طوال ساعة في كل مرة.

كان كينغ يعيش في "بيفرلي هيلز" ويتم بث برنامجه من استوديوات قناة "سي إن إن" في لوس أنجليس، أو من نيويورك أو واشنطن أحياناً، حيث يجري مقابلات إذاعية لصالح شبكة "ميوتشوال". وكما كان يحصل في أيام برنامجه الإذاعي، اعتاد هذه المرة أيضاً على أخذ الأسئلة والتعليقات من المتّصلين، علماً أن مكالماتهم كانت تُقطَع في معظم الأوقات بسبب استفاضتهم في الكلام أو استعمال كلمات بذيئة.



أثناء مقابلة المرشح الرئاسي المستقلّ "روس بييروت" / 1992



مذيع ودود

كان كينغ يتمتع بمواصفات اعتبرها أحد الكتّاب يوماً مناسبة للراديو. فقد كان وجهه نحيلاً وعظامه بارزة وأنفه ناتئاً وشعره خفيفاً وشفاهه رفيعة، وكانت عيناه الصغيرتان تختفيان وراء نظارات كبيرة بإطار أسود اللون. بدأ كينغ يطبّق حمية غذائية صارمة منذ تعرّضه لنوبة قلبية في العام 1987 وخضوعه لجراحة تحويل مجرى الشرايين. كان معروفاً بارتداء القمصان وحمالات السراويل، فيجلس متراخياً على كرسي ويستند إلى مرفقيه وينحني فوق مكتب أمام ضيوفه. كان صوته الخشن يعكس شكلاً من الاستهتار والفكاهة، لكن لطالما كانت أسئلته قصيرة وودية.

كانت المواضيع التي يتناولها في برنامجه متنوعة جداً: سياسة، جرائم، دين، رياضة، قطاع الأعمال، أحداث مثل قضية أو جاي سيمبسون القائمة منذ العام 1995 مع كل ما يرافقها من محللين ولاعبين مؤثرين. لكن نادراً ما كان كينغ يتعمق في المواضيع التي يطرحها وقد اتّهمه النقاد أحياناً بالاستمتاع بقضايا دقيقة مثل مقتل آنا نيكول سميث ومايكل جاكسون من خلال استرجاع الذكريات مع أقرب الناس إليهما.

لكن بعد عقود من النجاح المبهر، بدأت نسبة مشاهدة برنامج Larry King Live تتراجع ولم يعد يستضيف شخصيات من الطراز الرفيع. بحلول العام 2010، بات جمهور كينغ يقتصر على جزء بسيط مما كان عليه في ذروة نجاح البرنامج. لذا قرر كينغ الانسحاب في شهر كانون الأول من تلك السنة واستبدلته قناة "سي إن إن" ببرنامج Piers Morgan Tonight.

في العام 2012، انتقل كينغ إلى شبكة الإنترنت عبر برنامج يبثّه موقع Ora.tv على قنوات "أورا تي في" و"هولو" و"آر تي" (النسخة الأميركية من موقع "روسيا اليوم"). حمل البرنامج اسم Larry King Now، لكنه لم يكن مشابهاً لما سبقه.

الراديو شغفه الأول

حمل لاري كينغ في الأصل اسم لورانس هارفي زايغر ووُلد في بروكلين في 19 تشرين الثاني 1933، وهو الابن الثاني لإدوارد وجيني غيتليتز زايغر من النمسا وبيلاروسيا. توفي ابنهما الأول، إيروين، في عمر مبكر وأصبح شقيقه الأصغر، مارتن، محامياً.

كان والد كينغ يدير مطعماً، لكنه عمل في منشأة دفاعية بعد الحرب العالمية الثانية. توفي هذا الأخير بعد تعرّضه لنوبة قلبية في العام 1943، فباتت عائلته تتكل على الرعاية الاجتماعية إلى أن وجدت والدة كينغ عملاً كخياطة في حي الملابس في مانهاتن.

انهار لورانس بعد وفاة والده، ففوّت الصف الثالث مع أنه كان طالباً مجتهداً في السابق وأهمل دراسته وراح يسمع الراديو. تخرّج من مدرسة "لافاييت" الثانوية في العام 1951 بعلامات متدنية لكن كافية للنجاح.

تم إبطال زواجه من فرادا ميلر في العام 1952 سريعاً. ثم تزوّج لفترة قصيرة من أنيت كاي وأنجبا ابناً اسمه لاري جونيور، لكن لم يعرف كينغ بوجوده إلا بعد مرور 33 سنة. في العام 1961، تزوج من ألين أكينز التي كانت أماً لابنٍ اسمه أندي من زواج سابق، فتبنّاه كينغ. لكن تطلّق الزوجان في العام 1963.

تطلق كينغ من زوجته الرابعة ميكي سوتفين في العام 1966 بعد إنجاب ابنتهما كيلي التي تبناها زوجها اللاحق. وفي العام 1967، تزوج مجدداً من السيدة أكينز وأنجبا طفلتهما شايا ثم تطلقا في العام 1972. وفي العام 1976، تزوج من شارون ليبور ثم تطلقا.

انتهى زواجه من جوليا ألكسندر في العام 1989 بالطلاق أيضاً. ثم تزوج من شون ساوثويك في العام 1997 وأنجبا ابنَين: تشانس وكانون.

توفي ابنا كينغ من أتكينز، أندي وشايا، في العام 2020. بالإضافة إلى زوجته وابنَيه، تبقى له ابن آخر، وهو لاري جونيور، وابن زوجته السابقة دانيال ساوثويك، وعدد من الأحفاد وأبنائهم.

بعد إنهاء المدرسة الثانوية، أراد كينغ أن يعمل في الإذاعة لكنه لم يعرف من أين يبدأ. طوال أربع سنوات، بقي مجرّد مساعد وناقل رسائل. ثم نصحه أحد العاملين في شبكة "سي بي إس" بالتوجه إلى فلوريدا لأنها تشكّل سوقاً متنامية لعالم الراديو.

في عمر الثالثة والعشرين، قصد كينغ ميامي ووظّفته إذاعة "واهر" الصغيرة كعامل لتنظيف الأرضيات وشراء النواقص. وحين استقال مشغّل الأغاني فجأةً، طُلِب منه أن يستلم البث من الساعة التاسعة صباحاً حتى الظهر. قبل دقائق من وقت البث في 1 أيار 1957، اقترح مدير الإذاعة التخلي عن اسم لورانس زايغر واستبداله بلاري كينغ (الاسم مستوحى من إعلان شركة خمور). هكذا جلس كينغ وراء الميكروفون وقدّم برنامجاً مباشراً للمرة الأولى.

تعليقاً على تلك التجربة، صرّح كينغ لمجلة "بيبول" في العام 1980: "شعرتُ بذعر حقيقي. كان يُفترض أن تتلاشى الموسيقى كي أبدأ بتعليقي الصوتي. لكن في كل مرة تخفت فيها الموسيقى، كنتُ أرفع صوتها مجدداً. أخيراً، حضر مدير الإذاعة إلى الاستوديو وقال لي: "تذكّر أن هذا العمل مبني على التواصل". فسمحتُ بتلاشي صوت الموسيقى وأخبرتُ المستمعين بما حصل للتو. هذه هي كلماتي الأولى على الراديو".

ثم قدّم كينغ برنامجاً صباحياً في أحد مطاعم "ميامي بيتش" وأجرى مقابلات مع أرباب العمل هناك دعماً لمجال عملهم. سرعان ما تدفق المشاهير إلى تلك المنطقة وازدهر هذا القطاع.

يكتب كينغ في مذكراته في العام 1982: "تمكنتُ من جذب انتباه الناس من خلال مقابلة، فتركتُ بذلك بصمة لاري كينغ الحقيقية".



لاري كينغ مع زوجته السابعة شاون وعائلته



عودة عظيمة بعد سلسلة مشاكل

تضاعفت مشاكل كينغ تزامناً مع توسّع نجاحاته المهنية. فقد بذّر الأموال على السيارات والملابس وخسر مبالغ طائلة على سباق الخيل وتخلّف عن دفع ضرائبه. حتى أنه غرق في الديون رغم مداخيله الهائلة، فأعلن إفلاسه في العام 1960. وفي العام 1971، اتُهِم بالاحتيال على شريك عمل سابق بمبلغ 5 آلاف دولار فخسر عمله في الإذاعة والصحيفة. سقطت التُهَم في العام 1972 لكنه عجز عن إيجاد عمل بسبب تشوّه سمعته.

شهدت مسيرة كينغ بداية جديدة في منتصف السبعينات. وظّفته شبكة "ميوتشوال" خَلَفاً للمذيع الراحل لونغ جون نيبيل الذي كان يقدّم برنامجاً ليلياً يمتد لساعات متواصلة خلال أيام الأسبوع ويستهدف محبّي السهر والمعتادين على الاستيقاظ باكراً. ثم وظّفه تيد تيرنر في قناة "سي إن إن" في العام 1985، فأحدث ضجة إعلامية واسعة. أنتج كينغ عدداً من المذكرات وكتابَين حول أمراض القلب ومجلدات عن مواضيع متنوعة أخرى، وظهر في عشرات الأفلام والبرامج التلفزيونية، وكتب مقالات في صحيفة "يو إس إي توداي" طوال عشرين سنة، ونال جوائز كثيرة وشهادات فخرية واكتسب قاعدة واسعة من المعجبين.

سرعان ما أصبح أهم مشروع في مسيرته المهنية، Larry King Live، البرنامج الحواري الأعلى مشاهدة على التلفزيون وأكبر قصة نجاح حققتها قناة "سي إن إن". فاز البرنامج بجائزة "بيبودي" في العام 1992 وجمع نخبة من أهم النجوم في آخر حلقة له بتاريخ 16 كانون الأول 2010، بما في ذلك فيديو مسجّل للرئيس باراك أوباما تكريماً لـ"ملك" البرامج الحوارية لاري كينغ.


MISS 3