تيم بارتز

نورييل روبيني: تويتر والمنصات الأخرى سيئة لكنّ فيسبوك الأسوأ!

26 كانون الثاني 2021

المصدر: DER SPIEGEL

02 : 01

نورييل روبيني
يظن الخبير الاقتصادي الشهير نورييل روبيني أن الاضطرابات المدنية داخلياً والاعتداءات الإلكترونية من الخارج ستطغى على الولاية الرئاسية الأولى من عهد جو بايدن. لذا يدعو إلى تشديد التدابير التي تنظّم مواقع التواصل الاجتماعي.

في صيف العام 2020، قلتَ إن ترامب سيخسر الانتخابات ويدعو مناصريه إلى التسلح. تحقق هذان التوقعان معاً. ما توقعاتـــــــــك للمرحلة المقبلة في الولايات المتحدة؟

ستحصل انتفاضات مسلّحة إضافية، لا سيما من جانب القوميين البيض، حتى لو اقتصر هدفها على استفزاز اليساريين. وستطلق روسيا والصين اعتداءات إلكترونية ضد الولايات المتحدة وتنشران معلومات مغلوطة. هذه التطورات ستُحدد مسار الأحداث خلال السنوات الأربع المقبلة.

بالانتقال إلى الموضوع الاقتصادي، لماذا بدأت نخبة رجال الأعمال تدير ظهرها لترامب الآن؟ لطالما كان واضحاً أن التزامه بالديموقراطية ليس قوياً جداً؟

يريد رجال الأعمال إنجاز أعمالهم بكل بساطة. الوضع مشابه في الولايات المتحدة أو فنزويلا. كان ترامب شعبوياً من الناحية السياسية، لكن بلوتوقراطي على المستوى الاقتصادي، ويحب رجال الأعمال هذه الصفات. يكفي أن نفكر بتخفيضاته الضريبية وقرارات رفع الضوابط. لكنه رحل من السلطة الآن ويسعى أهم رجال الأعمال إلى التقرب من بايدن.

ما الذي تبقى من سياسته الاقتصادية؟

قبل تفشي فيروس كورونا، كان سجله جيداً: بدأ متوسط الأجور يرتفع، وتراجعت نسبة البطالة، وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 57% خلال عهده. لكنّ سجّله يبقى أسوأ من باراك أوباما على مستوى البورصة وسوق العمل والديون.

تعاملت البورصة مع أزمة اقتحام مبنى الكابيتول بهدوء مفاجئ. ما السبب؟


لأن التغيير الحكومي قادم في مطلق الأحوال ولأن نتائج انتخابات مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا صدرت في اليوم نفسه (أعطت الحزب الديموقراطي الأغلبية في مجلس الشيوخ). هذه التطورات تُسهّل على بايدن ضخ أموال إضافية لصالح برامج التحفيز الاقتصادي. من المتوقع أيضاً أن يرفع الضرائب مع أن تمرير هذا القرار في مجلس الشيوخ سيكون أكثر صعوبة.


يواجه بايدن تحدياً هائلاً لإرساء المصالحة في بلد منقسم للغاية. هل يمكن اعتبار السياسة الاقتصادية العامل الأساسي لتحقيق هذا الهدف؟


أظن ذلك. يجب أن يحاول بايدن استرجاع تأييد العمال البيض. هو سيبذل قصارى جهده لخلق فرص عمل جديدة، وإطلاق برامج كبرى في مجال البنى التحتية، ودعم مشاريع تخضير الاقتصاد. لكني أخشى أن يكون جزء كبير من مناصري ترامب عنيداً لدرجة ألا تعطي هذه الخطوة ثمارها.

ما سبب تشاؤمك؟

لأنني أتوقع أن تزداد قوة الحركة اليمينية. سيهاجم الجمهوريون بايدن، بما في ذلك المعتدلون، حين تسنح لهم الفرصة. هذا الوضع سيؤدي إلى تأجيج أعمال العنف والاضطرابات الاجتماعية.

لكن قد يحصل العكس وتبدأ الولايات المتحدة عصراً ذهبياً.

ما الذي يجعلك تظن ذلك؟

إذا قررت الدولة أن تستثمر في تكنولوجيا المستقبل وطوّر الاقتصاد نماذج عمل ناجحة انطلاقاً منها، سيتسارع النمو.

هذا صحيح: يجب أن تزيد الدولة استثماراتها في شبكة الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، وعلم الروبوتات، والبنى التحتية. على بايدن أن يطوّر خطة وطنية شاملة تشبه ما فعلته الصين. بقي أوباما بعيداً عن السياسة الاقتصادية بشكل عام، لكن لم تعد هذه المقاربة مجدية اليوم، لا سيما في ظل تنامي نفوذ الصين بهذه الوتيرة العدائية. لكن ثمة حاجة إلى إجماع اجتماعي حول هذا الموضوع ويصعب تحقيقه في هذه الظروف. ولن تتضح النتائج أصلاً قبل مرور سنوات. لن يكون إنفاق المال كافياً.




مارك زوكربيرغ - "فيسبوك"



جون ماتزي - "بارلير"



جاك دورسي - "تويتر"



هل تسمح هذه الطريقة لبايــــــــــدن باسترجاع "العظمة الأميركية"؟

لا أحبذ هذا المصطلح لأننا مضطرون للتعاون مع شركائنا. لكن ثمة فرق كبير بين السياسة الاقتصادية المتحررة وسياسة ترامب الحمائية. نحن نحتاج إلى تحسين الركيزة الصناعية بدل متابعة فرض الرسوم الجمركية على الواردات الأجنبية. هذه المقاربة لا تؤذي إلا المستهلكين، لا سيما ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. نحن نستورد التضخم بهذه الطريقة.

هل ستتجدد مشكلة التضخم؟

لن يحصل ذلك خلال السنتين المقبلتَين لأن التطورات الاقتصادية أكبر من أن تسمح بذلك. على المدى القصير، نحتاج إلى سياسة نقدية فائقة التساهل وبرامج للتحفيز الاقتصادي. لكن ثمة أمر مؤكد واحد: يجب أن نتخلص من هذا الوضع في مرحلة معينة وإلا سنجازف بمواجهة ركود تضخمي، أي ضعف النمو الذي يتزامن مع التضخم. سيضطر البنك المركزي حينها لرفع أسعار الفائدة مجدداً وتضطر الدولة لإعادة هيكلة الميزانية عبر زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات والبنوك مثلاً. لكن لن يحصل ذلك قبل العام 2023 أو 2024.

سيطالب الديموقراطيــــون اليساريون بأن يفرض بايدن زيادات ضريبية كبرى بسرعة فائقة.هذا صحيح. هم يريدون فرض الضرائب على ثروات أصحاب الملايين بنسبة 70% لإقرار مشروع "ميديكير" الصحي لصالح جميع الناس واستثمار 3 تريليونات دولار لتخضير الاقتصاد. لكني لا أظن أنهم يستطيعون تحقيق ذلك.

لماذا؟

لأن الحزب الديموقراطي يملك الأغلبية بفارق ضئيل، لا سيما في مجلس الشيوخ، ومن المعروف أن السيناتور الديموقراطي العادي يكون أكثر اعتدالاً بكثير من المعسكر اليساري في الحزب. كذلك، تثبت سياسة بايدن في اختيار فريقه أنه يدعم الوسطيين. على سبيل المثال، كانت جانيت يالين، رئيسة الاحتياطي الفدرالي السابقة ووزيرة الخزانة المستقبلية، ربة عملي في مجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد أوباما. هي امرأة تقدمية لكنها معتدلة. تنطبق هذه الصفات على معظم الأسماء التي عيّنها بايدن.

بدأ الجدل المرتبط بتنظيـم مواقع التواصل الاجتماعـي يحتدم بعد قرار تويتر وفيسبوك ومنصات أخرى حظر ترامب. هل يحاول هذا القطاع مسايرة الحزب الديموقراطي لتجنب أي ضوابط صارمة ضده؟

كان منع ترامب من استعمال حساباته خياراً صائباً لأنه مسؤول عن الانتفاضة ضد مبنى الكابيتول. لكن تُعتبر هذه الخطوة انتهازية بالكامل أيضاً. كان فيسبوك يجمع العائدات من الإعلانات السياسية حتى الفترة الأخيرة، لكنه بدأ يقمع ترامب في نهاية عهده الآن. لا يهتم المدير التنفيذي مارك زوكربيرغ إلا بالمال. إنه شخص مشين بمعنى الكلمة. تويتر والمنصات الأخرى سيئة لكنّ فيسبوك هو الأسوأ.

هل تتوقع فرض قواعد صارمة؟

من الواضح أن شركات التكنولوجيا العملاقة أصبحت قوية أكثر من اللزوم، لكن لن يكون التعامل معها بهذه السهولة. صُمّمت قوانين مكافحة الاحتكار مثلاً لاستهداف الموردين المحتكرين التقليديين الذين يحددون الأسعار بناءً على قوة إيراداتهم. كانت شركات النفط أو الاتصالات تتفكك على هذا الأساس. لكنّ وضع شركات التكنولوجيا العملاقة مختلف لأن خدماتها لا تكلّف شيئاً لكنها تستغل بيانات المستخدمين. لذا لا بد من فرض قواعد مختلفة وأكثر صرامة عليها لكن من دون تفكيكها. من الناحية السياسية أيضاً، تكثر العوامل التي تبرر عدم تفكيكها.

ما معنى ذلك؟


تستعمل الصين شركاتها الرقمية، مثل "علي بابا" أو "تنسنت"، لإطلاق حرب سيبرانية، لذا تعجز الولايات المتحدة عن تفكيك قوتها الرقمية. يُفترض أن تصبح شركات التكنولوجيا العملاقة إذاً جزءاً من التركيبة التي تجمع بين الأمن القومي والصناعة.

هل يُعقَل أن تغادر شركات التكنولوجيا الأميركية البلد إذا قرر الديموقراطيون رفع الضرائب؟


لا أظن ذلك. تتحدد نتيجة حملة البحث عن أفضل المواهب مثلاً في الولايات المتحدة حتى الآن. من الأفضل أن يسدّ بايدن الثغرات الضريبية التي تسمح للشركات الكبرى بدفع الضرائب في إيرلندا مثلاً رغم متابعة الإنتاج محلياً.

وافق الأوروبيون على برنامج اقتصادي بقيمة 750 مليار يورو لتقوية الاقتصاد بعد زمن الوباء. هل فاجـــــــــــأك هذا المستوى من الوحدة في صفوفهم؟


إنها خطوة هائلة في الاتجاه الصحيح، وإلا كانت إيطاليا لتفلس حتماً. لكن من المؤسف أن تحتاج أوروبا دوماً إلى وقوع الأزمات للتصرف بهذه الطريقة.

تبدو أعباء الديــــــــــون السيادية هائلــــة أيضاً، لا سيما في جنــوب أوروبا. هل تستطيــــــــع منطقة اليورو أن تتحمّل هذا الوضـــــع على المدى الطويل؟

يُعتبر مستوى الديون الذي يصل إلى 170% نسبةً إلى الناتج الاقتصادي، كما في إيطاليا، مفرطاً طبعاً. لكن طالما يبقي البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة منخفضة ويتابع شراء السندات، سيبقى الوضع مقبولاً. وإذا حصل ركود اقتصادي، ستبقى أسعار الفائدة منخفضة في مطلق الأحوال. الأهم من ذلك هو ألا يصل الشعبويون إلى السلطة ويطالبوا بتخفيض الديون، لا سيما في إيطاليا. لكنّ هذا الاحتمال ليس كبيراً في الوقت الراهن. منطقة اليورو ليست مُهددة بل إنها تتمتع بجدارة ائتمانية عالية.

نبذة عن نورييل روبيني

نورييل روبيني (62 عاماً) واحد من أشهر خبراء الاقتصاد في العالم. هو أستاذ في كلية "ستيرن" للأعمال في نيويورك ويُعتبر من القلائل الذين توقعوا انفجار فقاعة العقارات في الولايات المتحدة والأزمة المالية اللاحقة في العام 2008. حتى أنه حذر منذ مرحلة مبكرة من احتمال شلّ الاقتصاد بسبب تفشي فيروس "كوفيد - 19".


MISS 3