كلير شارتييه

حكيم القروي: ثمة رؤية عالمية مشتركة بين الحركات السلفية والجهادية

28 كانون الثاني 2021

المصدر: L'EXPRESS

02 : 01

من هو حكيم القروي مستشار ماكرون لشؤون المسلمين؟
راجع الخبير في شؤون الإسلام حكيم القروي والمؤرخ بنجامين هوداي مسيرة 1460 جهادياً أوروبياً (700 فرنسي و760 بريطانياً وألمانياً وبلجيكياً). تقدّم هذه الرؤية غير المسبوقة لظاهرة التطرف في أوروبا موادّ قيّمة لإجراء تحقيق آسر عن المقاتلين الجهاديين. وبما أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الإرهاب، يتكلم الباحثان في هذه المقابلة عن حالات الجهاديين الذين اتخذوا خطوات متطرفة ملموسة، مثل الانتقال إلى مناطق القتال أو تنفيذ اعتداءات في أوروبا، بالإضافة إلى أشخاص كانوا يخططون لتحركات مماثلة.

توصلتما إلى صورة تقريبية عن الجهادي الأوروبي النموذجي. ما هي مواصفاته؟

بنجامين هوداي: حين نراجع المعطيات المتاحة، نكتشف تجانساً مدهشاً في مواصفات الجهاديين. المقاتل الجهادي هو شاب يتراوح عمره بين 24 و25 سنة. ينشأ هذا الشاب في حي فقير من مدينة فيها عدد كبير من السكان المهاجرين وينتمي إلى عائلة مسلمة. في ثلثَي الحالات على الأقل، يكون الجهادي على علاقة بدولة خارجية عن طريق والديه وأجداده، لكنه يولد في معظم الحالات في البلد الذي يعيش فيه. لهذا السبب، يجب أن نحلل الحركة الجهادية الأوروبية باعتبارها مشكلة داخلية، لا ظاهرة مستوردة من الشرق الأوسط أو المغرب العربي.

حكيم القروي: يكون ثلث الجهاديين من معتنقي الإسلام الجدد لكنهم ينحدرون من عالم مشابه، ما يعني أنهم من العمر نفسه ويعيشون في أحياء مماثلة حيث يقابلون جيرانهم المسلمين ويغيرون دينهم لتقليد رفاقهم. هم يثبتون أن الحركة الجهادية خيار إيديولوجي قبل أن تكون ظاهرة إرهابية، وهي تعكس رؤية محددة عن العالم ومشروعاً اجتماعياً يلتزم به الجهاديون عبر تكريس ذواتهم للجهاد بالكامل، لأنهم يحاولون بذلك سدّ فجوة عميقة في هويتهم انطلاقاً من السؤال الوجودي الكبير "من أنا؟". هذا المشروع يعطي معنى للحياة والموت ويمنح المنتسبين حسّاً بالانتماء إلى الجماعة. هذا ما يجذب النساء أيضاً إلى الحركة الجهادية، إذ تصل نسبتهنّ في قاعدة البيانات التي استعملناها إلى 20%. تلتزم المرأة بهذا المشروع عبر الزواج من أحد المقاتلين أو اللحاق بزوجها أو ابنها.

لماذا تتكلم عن شرخ "روحي" لــــــدى هؤلاء المتطرفين؟بنجامين هوداي: لأن وضع المتطرف يختلف قبل التجربة الجهادية وبعدها. يقرر الجهادي أن ينفصل عن حياته السابقة نهائياً. فينطلق من الصفر ويتخلى عن الإسلام الذي يعرفه من والديه وينتقل إلى دين جديد يتمثل بالجهادية السلفية التي تقلب المعايير المتعارف عليها في المجتمع: استبداد الدين الذي يتعارض مع العلمانية، ورفض المساواة بين الجنسَين والتنوع الديني... يكون الجهادي متطرفاً، على غرار السلفي، لأنه ينظر إلى العالم انطلاقاً من أفكار مسبقة تدفعه إلى الانفصـــــــــال عن بقية المجتمع.

لماذا يُعتبر السياق الاجتمـــــــــــــــاعي والاقتصادي جزءاً من مبــــــررات هذا السلوك؟حكيم القروي: تحمل جميع الفرضيات جزءاً من الحقيقة، سواء كانت اجتماعية واقتصادية أو إيديولوجية بطبيعتها. يتطلب توسّع الحركة الجهادية شروطاً معينة ويُعتبر كل شرط منها ضرورياً لكنه ليس كافياً بأي شكل: لا بد من إيجاد شبّان يسعون إلى التطرف وأحياء فقيرة في مدنٍ بحالة سيئة جداً حيث يعود الدين (الإسلام أو البروتستانتية الإنجيلية) إلى الواجهة ويبدأ بمعاداة بقية شرائح المجتمع. كذلك، يُفترض أن تكون النزعة الإسلامية راسخة هناك منذ بضع سنوات، ويجب أن يكون المُجنِّدون الجهاديون موجودين أيضاً منذ وقتٍ طويل. هذا المشهد يرسم خريطة جغرافية دقيقة جداً: في فرنسا، يأتي ثلاثة أرباع الجهاديين من 12 قطاعاً إدارياً فقط، على رأسها "ألب ماريتيم" و"سين سان دوني" و"فال دو مارن". ميدانياً، يبدو تَرَكُّز هذه الجماعات أقوى بعد، فهي تنتشر في بعض البلدات، أو حتى بين المباني التي تشمل شبكات تاريخية. الوضع مشابه في بلجيكا والمملكة المتحدة وألمانيا.

يؤكد تحقيقكما بكل وضوح على جميع النقاط التي تدين بها الحركة الجهادية للنزعة الإسلامية...حكيم القروي: تستفيد الحركة الجهادية من البيئة الحاضنة التي أنشأتها تيارات مختلفة منذ الثمانينات وسرعان ما استعملها السلفيون لمصلحتهم. في فرنسا، ظهرت في البداية جماعة "التبليغ" الواعظة التي تشتق في الأصل من الهند وباكستان، بالإضافة إلى جماعة "الإخوان المســـلمين" التي طوّرت منظماتها الخاصة، منها "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، بما يشبه نسختها في المغرب العربي. في بداية القرن الواحد والعشرين، انطلق السلفيون بقوة تزامناً مع التوسّع العالمي للإيديولوجيا الوهابية التي تشتق حركتهم منها. نجحت نزعتهم المتطرفة في جذب فئة الشباب.

كيف ينتقل الفرد من السلفية إلى الجهادية؟حكيم القروي: تحمل السلفية والحركة الجهادية الرؤية نفسها عن العالم. يتعلق الفرق الوحيد بينهما باللجوء إلى العنف. قد يقرر المتطرف أن يتحرك إذا أراد المشاركة في صراع محدد، مثل الحرب في سوريا. لكن لا تحتاج الإيديولوجيا الجهادية بحد ذاتها إلى سبب لتبرير وجودها. ثمة نوعان من المسارات المحتملة وهما يرتبطان بجيلَين. انخرط جزء منهما في الحركة السلفية أولاً خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين قبل الانتقال إلى الحركة الجهادية. يتكل هؤلاء المتطرفون على ممارسات قديمة وتدريب ديني أعمق من الجهاديين الذين تجمّعوا لاحقاً من دون المرور بتلك المرحلة السلفية. تتماشى مواصفاتهم مع مظاهر "التطرف السريع".

كان يمكن إنقاذ فرنسا أكثر من بريطانيا العظمى حيث مهّدت التعــــــــــــــددية الثقافية لنشوء معاقل إسلامية في لندن تحديداً خلال التسعينات. لكن لم يحصل ذلك. لماذا؟حكيم القروي: لأن الحركة الجهادية لها طابع إيديولوجي، ما يعني أن الناس يلتزمون بها بكل وعي ويقومون بخيار شخصي لا تؤثر عليه بيئتهم المحيطة إلا بدرجة جزئية. يمكن اعتبار المثال البريطاني مثيراً للاهتمام لأنه يسمح لنا بمقاربة الوضع بموضوعية. في فرنسا، يعكس الجهاديون حجم التنوع في الضواحي.





بنجامين هوداي: لكن في المملكة المتحدة، تعكس مواصفاتهم مستوى التجانس العرقي والديني في الأحياء. ينتمي المسلمون البريطانيون إلى مكانة اجتماعية أعلى مستوى، حتى أن بعض الجهاديين تخصّص في مجال الطب أو الهندسة. النزعات الجهادية والإسلامية هي عبارة عن إيديولوجيا مرنة، ما يعني أنها تتكيف مع بيئتها على نحو مثالي.

أمام هذا الاستنتاج، هل يُعتبر مشروع القانون الذي يرسّخ "مبادئ الجمهورية" رداً مناسباً على الوضع القائم؟حكيم القروي: يشمل هذا القانون موضوعَين مختلفَين: تنظيم طرق العبادة، ومكافحة التطرف الإسلامي عن طريق العوائق القانونية، مثل سحب الإعانات الحكومية من الجمعيات السلفية وإعادة التأكيد على عدد محدّد من القيم... لكن تظهر هذه العوائق دوماً في مرحلة متأخرة جداً. لذا لن يكون هذا النص كافياً لكبح توسّع الحركة الجهادية التي تعكس ثورة جيل كامل ضد المؤسسات المسلمة أو الجمهورية. ولا يمكن تغيير هذا الوضع عبر التشاور مع أئمة "رسميين" بكل بساطة.

أنتَ شخصياً، حكيم القروي، جزء من هذا الجدل لأنك أسّستَ "الرابطة المسلمة للإسلام في فرنسا" التي تعطي الأفضلية، برأي البعض، لجماعة "الإخوان المسلمين"...لا يريد البعض أن يبقى أي أثر للإسلام في فرنسا، وهذا حقهم. لكني أعتبر محاولات تشويه سمعة كل من يسعى إلى تسهيل اندماج المسلمين في فرنسا بطرقٍ هادئة وسلمية مقاربة خطيرة. ينتقد البعض "الرابطة المسلمة للإسلام في فرنسا" بسبب وجود طارق أوبرو ومحمد باجرافيل فيها. لكنهما إمامان وهما ينفذان ما يقولانه. أنا أعرفهما شخصياً ولا تراودني أي شكوك بشأنهما.

ما العمل للتصدي لتنامي المظاهر الجهادية؟حكيم القروي: لا بد من تطوير خطة وقائية في فرنسا لبذل جهود مكثفة ومشتركة في حوالى خمسين حياً يُعتبر شائكاً. يسدي الإسلاميون خدمات يومية للسكان هناك، فيدعمونهم في تربية أولادهم ويساعدونهم في واجباتهم المنزلية... يجب أن نقوم بالمثل لكن بطريقة علمانية وبمساعدة الدولة والجماعات المحلية! ويجب أن نعترف أيضاً بأن الحركة الجهادية هي شكل من الإيديولوجيا الدينية ويمكن مكافحتها بأفضل طريقة عبر طرح خطاب مضاد يثبت أن الإسلام قابل للتفسير بطرقٍ مختلفة. نحتاج إلى شبّان يستطيعون التكلم مع نظرائهم المتدينين بأسلوب بسيط ومباشر.

لكن أين يمكن إيجاد هذه الشخصيات المؤثرة؟حكيم القروي: من واجب المسلمين أنفسهم أن يجدوا هذا النوع من أدوات التواصل. لكن تستطيع الدولة أن تساعدهم أيضاً.

كيف تُقيّم مخاطر الحركة الجهادية في أوروبا خلال السنوات المقبلة؟

حكيم القروي: تزامن العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين مع الدعوة إلى الجهاد في سوريا ونشوء الحركة الجهادية المتطرفة في تنظيم "داعش" ثم بدأت هذه المظاهر تنحسر منذ العام 2017. تشهد المرحلة الراهنة إعادة بناء الجماعات، بما يشبه الوضع الذي كان سائداً منذ عشر سنوات، قبل بدء الحرب في سوريا. تتابع السلفية توسّعها بعدما رسّخت مرحلة أولى من الجهادية المتمثلة بشخص محمد مراح الذي اتجه نحو فرنسا. بدأ هذا الخطر يعود اليوم إلى فرنسا، لكن وصل عدد المقاتلين الآن إلى الآلاف بعدما اقتصر على المئات. أُضيفت إلى الشبكات المنتشرة في الأحياء أماكن مثل سوريا والسجون.

بنجامين هوداي: أمام هذا الوضع، ثمة ثلاثة سيناريوات محتملة. وفق السيناريو الأول الذي يبقى مستبعداً، قد ينشأ صراع جديد بما يشبه أحداث سوريا أو أفغانستان. أما السيناريو الثاني، فقد أصبح قيد التنفيذ: بدأ التفسير العدائي للسلفية يتمدد ويعمد أشخاص معزولون ومقتنعون بأهمية نشاطاتهم إلى التحرك على أرض الواقع، بما يشبه الاعتداء الذي استهدف سامويل باتي أو بازيليك "نيس". أخيراً، يتوقع السيناريو الثالث نشوء حركة جهادية مسلّحة على الساحة الأوروبية. بالإضافة إلى 1300 متطرف مسجون في فرنسا، تشير التقديرات إلى وصول عدد المتطرفين المؤثرين إلى 5 أو 6 آلاف عنصر. لم يبقَ إلا أن تجد هذه الجماعة قائداً لها وقضية لدعمها. قد تشتق "القضية" المنشودة من مشاعر الاضطهاد في بلدٍ تطغى عليه "الإسلاموفوبيا"، فيستعمل الجهاديون هذا العذر لتحريض أعداد إضافية من المسلمين ضد بقية شرائح المجتمع. لهذا السبب، يجب أن يتعاون هؤلاء المسلمون مع السلطات العامة، على غرار ما فعله عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حافظ.


MISS 3