غيوم بيرييه

كيف يضحّي أردوغان بجماعة الإيغور؟

29 كانون الثاني 2021

المصدر: Le Point

02 : 01

إيغوريون يعتصمون ضدّ التعديات على الأقليات في منطقة شينجيانغ / إسطنبول، 1 تشرين الأول 2020

نزل يوسف جرانغ أيمايتيجيانغ إلى متجر البقالة لشراء السجائر، لكنه لم يعد إلى منزله بعدها. في ذلك المساء من يوم 2 تشرين الثاني 2020، كان قاتل بانتظاره في زاوية شارع "كلير دو لون" في حي "أفجيلار" الشعبي في اسطنبول. لجأ هذا المواطن الصيني المنتمي إلى أقلية الإيغور إلى تركيا منذ بضع سنوات لكنه تعرّض في تلك الليلة لرصاصتَين في الذراع من مسافة قريبة. هل كانت تلك الحادثة طريقة لترهيبه أم محاولة قتل؟ كان هذا الشاب معروفاً أيضاً باسم يوسف أمات وقد أجرى مقابلة في العام 2019 مع قناة "الجزيرة" القطرية وأعلن حينها أن السلطات الصينية أجبرته على التجسس على مواطنيه، فقال: "كانت مهمتي تقضي بجلب المعلومات إلى المسؤولين. كنتُ أقدّم التقارير حول ما يأكله الناس ويشربونه ويفعلونه في حياتهم الخاصة والحميمة وداخل منازلهم وحول علاقاتهم العائلية وصداقاتهم أيضاً. كنتُ أبلغهم بكل شيء".

تضاعفت نشاطات التجسس والتهديدات العنيفة والضغوط النفسية في الأشهر الأخيرة ضد جماعة الإيغور في اسطنبول، وهي واحدة من أكبر الجماعات خارج الصين، إذ يفوق عدد أعضائها الخمسين ألف شخص. بعدما كانت هذه المدينة التركية الكبرى الملجأ الطبيعي للهاربين من الاضطهاد في "تركستان الشرقية"، المنطقة الصينية المستقلة في "شينجيانغ"، سرعان ما أصبحت أقل أماناً لجماعة الإيغور التي تتعرض للملاحقة من النظام الصيني.

في منطقة "زيتين بورنـو" حيث يقيم عدد كبير من الإيغوريين المتواجدين في اسطنبول، تجمّع عدد من الشبان في مطعم يديره مهاجر من "أورومتشي"، عاصمة "شينجيانغ"، استعداداً للمشاركة في تظاهرة. يتظاهر هؤلاء على طرف طريق مزدحم ثلاث مرات في الأسبوع، في نهاية فترة بعد الظهر. يقول جيلان شيرميهمت (29 عاماً): "كل أسبوع، نتجمع في مكان مزدحم ونرفع يافطاتنا التي تشمل صور أقاربنا المختفين". على اللافتة التي يحملها بحذر، تظهر صورة والدته المبتسمة ثريا تورسون مع عبارة: "حرروا والدتي أيها الصينيون"!

اختفى عدد من أقارب المشاركين في تلك التحركات داخل جحيم المعسكرات الصينية، لكن لا يجرؤ الكثيرون على التكلم خوفاً من الانتقام من عائلاتهم. مع ذلك، قررت ميدين نظمي كسر الصمت فقالت: "أرادت شقيقتي مولودة هلال أن تعود إلى هناك لرؤية والدتنا المريضة، لكنها تعرّضت للاعتقال ثم أُطلِق سراحها قبل أن يتم اعتقالها مجدداً في حزيران 2019 بتهمة الانتماء إلى حركة انفصالية. منذ ذلك الحين، لم أسمع أي أخبار عنها. لا أعرف إذا كانت حية أو ميتة". هي تشعر بغضب مضاعف لأن شقيقتها الصغرى تملك مثلها الجنسية التركية: "حصلت شقيقتي على الجنسية في العام 2012 بعد نيل شهادتها الجامعية. لقد كتبتُ الرسائل إلى جميع الوزراء وحتى رئيس الجمهورية. لكني لم أتلقَ أي ردّ. أتمنى أن تهتم تركيا بمواطنيها، لكني أشك بذلك". وفق الجمعيات المقرّبة من هذه الجالية، ثمة عشرات الرعايا الأجانب المعتقلين في السجون الصينية ويحمل 60 منهم تقريباً الجنسية التركية. لكن تغفل السلطات في أنقرة عن هذه الحالات المحرجة.

في العام 2009، تزامناً مع اندلاع أعمال الشغب العرقية في "أورومتشي"، "شينجيانغ"، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن حصول "إبادة جماعية واضحة وصريحة" ضد الإيغوريين. لكن أصبح موقفه أكثر حذراً بعد مرور عشر سنوات نظراً إلى التقارب الحاصل بين تركيا والصين. في العام 2017، وقّعت أنقرة وبكين على اتفاق يسمح بطرد الناشطين الذين تطالب بهم العدالة الصينية من تركيا. أدى هذا الاتفاق إلى إحراج "حزب العدالة والتنمية" الحاكم. يقول جيلان شيرميهمت: "تجمعنا بتركيا روابط لغوية وثقافية ودينية، وأتمنى أن تكون هذه الروابط أقوى من العلاقات التجارية بين تركيا والصين".

لم يعد الصحافي والمخرج الوثائقي عبد الرحمن أوزتورك (39 عاماً) الذي ينحدر في الأصل من جماعة الإيغور يؤمن بالوحدة التركية، بل يقول: "يبدو أن أردوغان لا يريد أن يرى أو يسمع أو يتكلم عن مشاكل الإيغوريين. أردتُ أن أشارك في الاحتجاجات لكن اعتقلتني الشرطة التركية. أصبحت حياتي مُعلّقة بمعنى الكلمة". يستقرّ هذا الناشط في مجال حقوق الإنسان في اسطنبول منذ العام 2010، وهو مؤسس القناة المستقلة Erk TV ("الحرية") على الإنترنت ويُخرِج أفلاماً وثائقية حول منطقته، تركستان الشرقية، حيث يعرض تقاليدها وتاريخها ويسمح للسكان بالتعبير عن آرائهم.

في العام 2013، أخرج أوزتورك فيلماً في آسيا الوسطى لصالح قناة "تي آر تي" الحكومية التركية التي أعطته كامل الحرية في هذا المشروع. لكنه استُدعِي إلى مركز الشرطة عند عودته إلى أنقرة. يتذكر أوزتورك تلك التجربة قائلاً: "جاء ملحق من السفارة الصينية لإخبارهم بأنني أطلق حملات دعائية ضد الصين وأنني ناشط خطير. احتجّيتُ على ما حصل لكن قدّم ذلك المسؤول شكوى أمام وزارة الشؤون الخارجية أيضاً. فأرسلت لي القناة الرد التالي: "لقد دفعنا لك المال لإنجاز هذا العمل، لذا لا تُسبب لنا المشاكل ولا تُكلّمنا عن الإيغوريين"". لم يُعرَض فيلمه الوثائقي مطلقاً في المرحلة اللاحقة.



تظاهرة مندّدة بالعنف المرتكب بحق جماعة الإيغور في شينجيانغ / بروكسل



في ظل التحديات الاقتصادية القائمــــة، لا يمكن التركيـــز على مصير الإيغوريـين. تم التوقيع على عشر اتفاقيات ثنائية منذ العام 2016، وقد استثمرت بكين أكثر من 5 مليارات دولار في تركيا. ومن المتوقع أن تضاف 6 مليارات أخرى إلى هذه الاستثمارات في العام 2021. كذلك، تصل نسبة التبادلات التجارية إلى 90% من الصادرات الصينية وقد بلغت قيمتها 21 مليار يورو في العام 2019. يستفيد النظام الصيني بكل وضوح من هشاشة الاقتصاد التركي بعدما تخلّت عنه الدول الغربية لتوسيع نفوذه في البلد. حين خسرت الليرة التركية 40% من قيمتها في العام 2018، خصّص "البنك الصناعي والتجاري الصيني" 3.6 مليارات دولار على شكل قروض لتركيا لتنفيذ مشاريع بنى تحتية، منها مركز للطاقة الحرارية بالقرب من مدينة أضنة جنوباً. كذلك، هبّ البنك المركزي الصيني لإنقاذ نظيره التركي الذي واجه أزمة سيولة ضخمة في نهاية العام 2019 لإعادة ضخ الأموال فيه. من المتوقع أن تتضاعف الاستثمارات العقارية في العام 2021، ما يسمح بدخول أموال نقدية إلى البلد. كذلك، يمكن استعمال اليوان الصيني من الآن فصاعداً في الشركات التركية التي تُصدّر السلع. من الواضح أن مكانة الشركات الصينية بدأت تترسخ سريعاً في تركيا.

استقرت ألف شركة صينية هناك، ما أدى إلى مضاعفة الاستثمارات في قطاعات البنى التحتية والطاقة والمجالات الإلكترونية واللوجستية والمالية. اشترت شركة "علي بابا" الصينية الناشطة على شبكة الإنترنت الشركة التركيـــــــة "ترينديول" مقابل 750 مليون دولار. كذلك، تحتل شركة "هواوي" العملاقة المرتبة الأولى في مجالها ومن المنتظر أن تُركّب شبكة الجيل الخامس على جميع الأراضي التركية في العام 2021. في غضون ذلك، عبّرت تركيا عن اهتمامها الشديد بتطبيق النموذج الصيني في مجال المراقبة الإلكترونية لبناء "بلدات ذكية وآمنة". وبسبب انهيار الليرة التركية وكلفة اليد العاملة المحلية الجاذبة، تفكر الصين بنقل بعض الصناعات إلى هناك. قبل تفشي وباء كورونا المستجد، بدأت أعداد السياح الصينيين ترتفع في تركيا التي اعتُبرت الوجهة السياحية الأولى في الصين في العام 2018، فقد جذبت حوالى نصف مليون زائر. كذلك، أطلق مطار اسطنبول للتو مشروع "المطار الودّي الخاص بالصينيين".

تبقى شبكة الطرقات الجديدة ضمن "مبادرة الحزام والطريق" السبب الأساسي الذي يجعل من تركيا مفترق طرق استراتيجي لتنفيذ الطموحات الصينية. أكد الرئيس أردوغان مجدداً اهتمامه بهذا المشروع في تموز 2019، خلال زيارته إلى الصين. أعادت شركة السفن القابضة "كوسكو" شراء 65% من محطة ميناء "كومبورت" في غرب اسطنبول مقابل مليار دولار تقريباً، وهي تهتم بثلاثة موانئ تركية أخرى، منها ميناء "مرسين". اليوم، يربط خط شحن عامل بالسكك الحديد بين الصين وأوروبا عبر نفق "صُنِع في الصين" تحت البوسفور، وأصبح خط آخر بين "أدرنة" و"كارس" قيد التنفيذ، وهو يمرّ بالأناضول من الشرق إلى الغرب. كذلك، تتطلع بكين إلى المنطقة الشاسعة في محيط مطار اسطنبول العملاق الذي تم افتتاحه في العام 2019 ومشروع القناة البحرية المنتظر هناك.

قد يحاول النظام الصيني تحويل هذه المساحة إلى صلة وصل مع أوروبا. برأي الناشط نوري توركيل، وهو رئيس الجمعية الأميركية الخاصة بالإيغوريين، من الواضح أن تركيا، التي كانت تُعتبر في الماضي ملجأً آمناً لجماعة الإيغور، رضخت اليوم لضغوط جمهورية الصين الشعبية. كان فاروق جرجرلي أوغلو، عضو لجنة التحقيق البرلمانية حول حقوق الإنسان في "الجمعية الوطنية التركية"، من الشخصيات النادرة التي اتخذت موقفاً قوياً لصالح هذه الأقلية المضطهدة، فاتهم "حزب العدالة والتنمية" و"حزب الحركة القومية" (حليفه القومي المتشدد في الائتلاف الحاكم) ببيع الإيغوريين مقابل 50 مليار دولار!