لورلين دوبون

كتابه Les Territoires conquis de l’islamisme يعتبر النزعة الإسلامية إيديولوجيا عالمية

الأكاديمي برنار روجييه ضدّ الإسلام المتطرّف

30 كانون الثاني 2021

المصدر: L'EXPRESS

02 : 01

أصبح الأكاديمي برنار روجييه رجلاً له ثقله في أعلى مراتب الدولة الفرنسية. يرفض جزء من اليساريين برأيه الاعتراف بظاهرة الإسلام المتطرف. هل يمكن أن يؤثر علينا دب قماشي؟ يثبت الذعر على وجه الأكاديمي برنار روجييه أن هذا الأمر ممكن. تزامناً مع نشر نسخة مُضخّمة من كتاب Les territoires conquis de l’islamisme (الأراضي المحتلة من الإسلاميين)، أدى الاستطلاع الجامعي الذي أشرف عليه روجييه ونُشِر للمرة الأولى في كانون الثاني 2020 إلى زعزعة قناعات عدد كبير من المسؤولين السياسيين من جميع الأطياف، لكن تأثّر روجييه بطريقة غريبة حين تعرّف على "الدبدوب صلاح". هذه اللعبة التفاعلية التي قدّمها له الصحافيون "تسمح للأولاد بتعلّم الدين الإسلامي بطريقة مسلّية" كما يذكر أحد المواقع التي تُروّج لها.

يَعِد "صلاح" بتعليم "فضيلة الآداب الحسنة" للأطفال بدءاً من عمر الثلاث سنوات ويتفوّه بعبارات تقدمية مثل: "حين أكبر، أريد أن أزاول مهنة مثل والدي لإعالة أولادي، إن شاء الله". تُعتبر هذه اللعبة جزءاً من الظاهرة التي يصفها روجييه وطلابه بعبارة "ظهور بيئة إسلامية حاضنة" لترسيخ "منطق مختلف عن المجتمع العام ومؤسساته". بدأ هذا المنطق يتسلل إلى كل مكان وإلى مختلف جوانب حياتنا، وصولاً إلى أدب الأطفال، والألعاب التي تحمل طابعاً طائفياً، والملابس، ومظاهر التضامن في الأحياء...

يسمّي آخرون هذه الظاهرة "الانفصالية". لكن لا أهمية للمصطلح المستعمل. برأي روجييه، وهو أستاذ في "جامعة باريس 3" ومدير "مركز الدراسات العربية الشرقية"، ثمة حاجة ماسّة إلى إطلاق "ردة فعل من الدولة للتأكيد على قِيَمها ومنح وسائل تحررية لمن لا يريدون حبس أنفسهم في هوية إسلامية يحددها لهم الإسلاميون". يبدو له القانون الذي يُرسّخ مبادئ الجمهورية "قانوناً تحررياً يقضي بتخفيف قبضة الإسلاميين في بعض المناطق الجغرافية لتوسيع مظاهر التعددية المحلية". تجدر الإشارة إلى أن روجييه كان جزءاً من المشاورات عند إعداد نص القانون وقد راجع عدد من مساعدي إيمانويل ماكرون أعماله باهتمام، بدءاً من المستشار السياسي في الإليزيه جوناثان غيما، قبل صياغة خطاب الرئيس في مدينة "لي مورو".

اكتسب روجييه المصداقية التي يحتاج إليها في أوساط الرئيس الفرنسي نظراً إلى اطلاعه الوثيق على اللغة والثقافة العربيتن والسنوات التي أمضاها في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والأحياء الفقيرة في طرابلس، شمالي لبنان. يقول المحافظ فريديريك روز، وهو مستشار الداخلية والأمن في قصر الإليزيه شارك في طرح تشخيص روجييه للوضع أمام أهم الشخصيات في الدولة: "لطالما حرص روجييه على التمييز بين شعائر الإسلام التي يمارسها شركاؤنا في الوطن ومظاهر التطرف". تقابل الرجلان في العام 2018 وقد انضم روز للتو إلى جيرار كولومب في وزارة الداخلية لتنفيذ مهمة محددة: تنسيق استراتيجية مكافحة التطرف في 15 حياً خرج منها عدد من الجهاديين الفرنسيين.

في هذه الفترة، أصبح روجييه معروفاً في منطقة "بوفو" لأنه يعمل مع المكتب المركزي للعبادة، لكن اعتاد المسؤولون السياسيون على التشاور مع صديقه جيل كيبيل. يسهل أن يدرك الرجلان نقاط التشابه بينهما على جميع المستويات: يتّكل الأول على خبرته كمحافظ وعمله في الأوساط الاستخبارية، ويحمل الثاني خلفية أكاديمية. يقول روز: "لقد بدأنا العمل والتواصل. كان يقدّم لي مـــــــوادّ قيّمة دوماً".

في أيلول 2019، كان خَلَف كولومب في وزارة الداخلية، كريستوف كاستانير، يستعد للمشاركة في برنامج Vous avez la parole على قناة "فرنس 2" لمناقشة موضوع مكافحة التطرف. فطُلِب من برنار روجييه تحديداً أن يُحَضّر الوزير قبل البرنامج.



مئات المسلمين يُصلون في شارع أمام ساحة بلدية في باريس / الجمعة 31 آذار 2017 (أرشيف)



وفي حدث غير متوقع آخر، تم استدعاؤه بعد شهرين إلى فطور غريب. مع اقتراب الانتخابات البلدية، بذل أعضاء المعارضة قصارى جهدهم لمنع اللوائح المناطقية، فيما اتخذت الحكومة موقفاً معتدلاً من الطرفَين. في صباح أحد الأيام من تشرين الثاني 2019، قام كاستانير ولوران نونييز بدعوة زافييه برتران وبرونو روتايو إلى التفكير معاً بأفضل طريقة للتعامل مع الوضع القائم. في كواليس هذا المشهد، استعان فريديريك روز بروجييه وحمّله مسؤولية جديدة: تشخيص مسار تصويت الناخبين في المناطق لفهم مكانة المشاركين في تلك المناسبات الصباحية. منذ ذلك الحين، بدأت أهمية الموضوع تتلاشى، حتى من جانب الصحافيين.

بعد شهر على قطع رأس المدرّس سامويل باتي في 16 تشرين الأول، وجد رئيس تحرير مجلة "سان دوني"، يان لالاند، نفسه ممنوعاً من نشر افتتاحية صحافية ضد الميل إلى التهرب من التهديدات الخارجية لدى المعسكر المتساهل مع النزعة الإسلامية. سرعان ما قدّم استقالته من دون أن تبدي البلدية أي ردة فعل.

يعتبر كتــــاب Les Territoires conquis de l’islamisme النزعــــــة الإسلامية إيديولوجيا عالمية بدل أن تكون مجرّد مؤشر بسيط الى مظاهر التمييز في فرنسا، وقد كان له صدى قوي في أوساط الطبقة السياسة ووسائل الإعلام، حتى أنه كان السبب في الدعاوى القضائية التي واجهها روجييه من نظرائه اليساريين. يعتبره العالِم في شؤون الإسلام، فرانسوا بورغا، مجرّد شخص يؤجج مظاهر "الإسلاموفوبيا". لكن يردّ عليه روجييه قائلاً: "تعكس جميع أعمال فرانسوا بورغا أسباباً تخفيفية للنزعة الإسلامية. لقد أصبح من مؤيدي الجماعة التي يدرسها. حين كنت أجري المقابلات مع شخصيات إسلامية في مصر أو في صلب حركة "حماس"، كانوا يسألونني دوماً عن أخبار "أخيهم" بورغا. من الواضح إذاً أن الخط الفاصل بين الأبحاث والالتزام بالقضايا رفيع جداً. أما الفرضيات التي أدافع عنها مع جيل كيبيل أو هوغو ميشرون، فتبقى محدودة في العالم الأكاديمي".

يتابع روجييه قائلاً: "حصل تقدم واضح في الأبحاث. ومع ذلك، ما زلنا نشعر بأننا معزولون جداً عن الآخرين. نظراً إلى قوة الشبكات التحررية والأعباء التي ترافق المثالية السياسية، لستُ متأكداً من أن برنامجي البحثي كان ليستفيد من تمويل الجامعة. إقليم "إيل دو فرنس" هو الذي ساعدني. نتيجةً لذلك، يصرّ كل من يرفض رؤية هذه الظاهرة الإسلامية على دفن رؤوسهم في الرمال. لا أستطيع أن أتفهّم أيضاً إقدام جزء من اليساريين على طمس الفرق الجوهري بين الإسلام والنزعة الإسلامية. إنها مفاجأة كبرى للمتطرفين الدينيين الذين يعتبرون أنفسهم الناطقين باسم "الإسلام الحقيقي"".

في شهر كانون الثاني الماضي، اعتبر الداعية محمد الخطابي، إمام مسجد عائشة في مدينة "مونبلييه"، أن الله لوّث الخفافيش لتحقيق العدالة للإيغوريين. كل مسلم يرفض سماع هذه الحقيقة يحمل منطقاً ملحداً وشيوعياً بحسب رأيه: "لا شيء يحصل في هذا العالم من دون مشيئة الله. هذا هو إيماننا. أنا أفضّل ألف مرة أن أؤمن بأن هذا الفيروس هو عون من الله سبحانه وتعالى، أو شكل من العدالة الإلهية ضد شعب أساء معاملة البشر، بدل إلقاء اللوم على الخفافيش أو الأفاعي أو البشر، لأننا بذلك ننكر الله على اعتبار أنه لا يملك أي سلطان على هذا العالم، وكأنّ العالم يتحرك من تلقاء نفسه، فنوافق بذلك على آراء الشيوعيين. هم يقولون إن كل شيء يحصل عن طريق الطبيعة وأن الله غير موجود. يجب أن تتوخوا الحذر لأن بعض المسلمين يرفض هذا الخطاب"!

يؤدي غياب أي علاج يعرفه البشر لكبح تفشي فيروس "كوفيد-19" إلى انتشار مشاعر قلق قوية وسريعة وسط عامة السكان، المؤمنون منهم وغير المؤمنين. وفي ظل استفحال هذا الوباء الخطير وفشل الإدارة الاجتماعية والسياسية في معالجة الأزمة على مستوى العالم، حاول رجل الدين الفرنكوفوني المسلم في البداية طمأنة جماعته عبر إقامة سلسلة من الصلوات والأدعية لحماية المؤمنين من الفيروس.

يبرز في السياق نفسه رأي الكاتب توفيق بلفاضل الذي نشرته مجلة "ماريان" في آذار 2020، فقال: "ادعوا الله، فهو أفضل لقاح مضاد لفيروس كورونا"!

على صعيد آخر، نشر الداعية عبد المنعم بوسنة، وهو واحد من الأئمة الأكثر متابعة على مواقع التواصل الاجتماعي في فرنسا (700 ألف متابع على يوتيوب، و526 ألفاً على فيسبوك) دورة تعليمية طبية ودينية في آن للمسلمين على يوتيوب، فذكر فيها ما يلي: "يجب ألا يشعر المسلم بالقلق لأنه يعرف أن الخالق هو من يقرر مسار الأحداث وحتى لو التقط الفيروس، الله هو من يشفيه في النهاية، يمكنكم تطبيق التدابير الواردة في الفيديو السابق. في المقام الأول، يجب أن تحذفوا تلك الفكرة الموروثة الشائعة: القناع لن يحميكم من العدوى إذا كانت تلك العدوى من نصيبكم".

ثم تلا بوسنة دعاءً مأخوذاً من حديث للإمام أحمد بن حنبل ودعا الناس إلى تكراره للاحتماء من الفيروس: "اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام".


ديدييه راوولت، نسخة طارق رمضان في عالم الطب

كان الشرخ بين المعسكر المؤيد لديدييــه راوولت والمعكسر المعارض له حول فعالية دواء الهيدروكسي كلوروكين كفيلاً بترسيخ الانقسامات في فرنسا وبين المسلمين أيضاً. منذ أن بدأ راوولت يروّج لهذا الدواء المصنوع من الكلوروكين باعتباره علاجاً محتملاً لفيروس "كوفيد - 19"، نشر موقـــــع "الناس" الفرنسي معلومات خاطئة حول وجود حبة البركة في الدواء وفق مدير "معهد المستشفى الجامعي" في مرسيليا. ثم انتشرت هذه المعلومة سريعاً على فيسبوك وتويتر واخترقت أوساط المسلمين ذات الميول السلفية.

قد تبدو هذه المعلومة غريبة بالنسبة إلى العلمانيين، لكن كان نشرها يهدف إلى إثبات الحقيقة العلمية وراء الطب النبوي حيث تحتل حبة البركة مكانة محورية. لكن تطرح هذه المعلومة في المقابل خطراً على الصحة العامة لأن زيت حبة البركة يتمتع بخصائص مضادة للالتهاب، ما يعني أنه قد يزيد أعراض "كوفيد - 19" سوءاً. وفي مقالة مجهولة المصدر، ذكر الموقع نفسه، وهو معروف بنشر أخبار مزيفة، أن تراجع مبيعات الكحول خلال فترة الحجر يشكّل مؤشراً الى عودة الإسلام إلى العالم عموماً. انتشر الخبر الكاذب حول اعتبار الكلوروكين دواءً مشتقاً من الطب النبوي على مواقع التواصل الاجتماعي بوتيرة سريعة قبل أن ينفيه الموقع الصحافي Saphirnews.com.

رغم ذلــك، حصد البروفيسور راوولت رواجاً كبيراً بين شخصيات عدة في العالم الإسلامي. ينطبق ذلك على الناشطين ضد ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، إذ يتذكر هؤلاء موقف ديدييه راوولت في العام 2015، حين عارض منع الحجاب في الجامعات. يبرز عدد من المدافعين عنه، منهم الباحث إدريس أبركان الذي اعتبره "بطــــــــلاً" ووضع رفض العلماء الآخرين له في خانة "الفســـاد الأكاديمــــــي" العام. في المقابل، اتخذت مواقع مؤيدة لنظريات المؤامرة، مثل "بانامزا"، موقفاً ضد راوولت فاستعملت خطاباً معادياً للسامية لاتهامه بارتباطه بالجماعات اليهودية وإسرائيل والحركات الصهيونية أو حتى الحكومة الفرنسية. هذا الجدل حول راوولت يقسم المجتمع المسلم لدرجة أن يصفه أحد مستخدمي الإنترنت بـ"نسخة طارق رمضان في عالم الطب".


فوز عبد العزيز حميدة في "غوسانفيل"

في ظل انخفاض نسبة المشاركة بين الجولتَين الانتخابيتَين، من 62.11% إلى 53.79%، انتُخِب عبد العزيز حميدة في 28 حزيران 2020 بنسبة 38.58% من الأصوات، أي ما يساوي 2869 صوتاً. كان حميدة مرشحاً للانتخابات التشريعية في العام 2017 في الدائرة الانتخابية التاسعة من منطقة "فال دواز"، حيث احتل المرتبة الأولى في "غوسانفيل".

كان حميدة المغربي الأصل جزءاً من كوادر جماعة "التبليغ" في البداية، على غرار والده عبد السلام الذي أدار الجمعية الإسلامية في "غوسانفيل". حتى أن انخراطه في الشبكة العابرة للحدود قاده إلى باكستان في فترة التسعينات خلال التجمّع العالمي لجماعة "التبليغ". لقد كان شخصاً محافظاً جداً في تلك الحقبة ويملك ملحمة حلال. يتذكر سكان "غوسانفيل" أيضاً أنه كان يمتنع عن مصافحة النساء وينتقد تبرّجهنّ.



عبد العزيز حميدة



في "غوسانفيل"، كان يخرج مع شبان آخرين لتشجيع المؤمنين منهم على الذهاب إلى المسجد. وبحسب مصادر مقرّبة منه، يقال إنه فرض على شقيقته ارتداء الحجاب في بداية التسعينات، ثم طلب الأمر نفسه من زوجته. يقول عضو سابق في قسم الاستخبارات في مديرية الشرطة في "فال دواز"، وهو الشرطي نعوم أنور الذي درس معه في المدرسة الابتدائية وفي الجامعة: "لقد كان أول شخص زوجته محجّبة بالكامل من بين معارفي".

لكن بدءاً من العام 2010، تزامناً مع اندلاع انتفاضات الربيع العربي، ابتعد حميدة عن الحركة المتدينة وفضّل الانخراط في النشاطات الاجتماعية في منطقته. فترأس نادي كرة القدم في "غوسانفيل" وأعاد تنشيط جمعية الدعم الدراسي Le Jardin Enchanté التي تقترح تعليم اللغة العربية للأولاد. وفي العام 2011، تفاوض مع رئيس البلدية لاقتناء الأرض التي شهدت لاحقاً بناء مسجد السلام في "غوسانفيل"، ثم استعان هناك بدعاة مقرّبين من جماعة "الإخوان المسلمين" ودعا المؤمنين إلى حضور مؤتمرات طارق رمضان.

هكذا تخلى حميدة عن التديّن الظاهري الذي تتبناه جماعة "التبليغ" مقابل اندماجه في شؤون الحياة المحلية. سرعان ما أصبح شخصية رمزية مهمة في أوساط الجمعيات المسلمة وحظي بدعم رئيس البلدية السابق آلان لويس الذي أدرجه على لائحته خلال انتخابات العام 2014 لكسب أصوات الجماعات المسلمة.

خلال الحملة الانتخابية في العام 2020، اعتُبِرت الشائعة التي تقول إنه سيُصنَّف تهديداً للأمن القومي الفرنسي، ورقة رابحة على المستوى المحلي. يوضح أحد المؤمنين في مسجد السلام: "كان الناس يعتبرونه شخصاً يعمل لخير مجتمعه ولهذا السبب تريد الحكومة وضعه على لائحة الإرهابيين. لطالما تكلّم حميدة بنبرةٍ ساخرة حين يتطرّق إلى إصرار الدولة على شيطنته. لم يكن يهتم بالموضوع مطلقاً لأنّه يعرف أن هذا الوضع يُرسّخ مكانته كمنقذ لجماعته. كذلك، لم يفوّت أصدقاؤه في المسجد أي فرصة لدعم حملته الانتخابية، فوعدوا الناس ببناء مسجد كبير وإنشاء مدارس لتعليم القرآن للأولاد ونشر منتجات حلال في جميع أنحاء المدينة.

كان فريق المرشّح حميدة يجتمع في المسجد بانتظام، حيث يتم توزيع منشورات تشيد به "دعماً لحملته التي تتكلم باسم الأمة الإسلامية كلها" بحسب كلمات المشاركين.